سيناريوهات الحرب في المنطقة
محمد يوسف
جاءت دعوة المملكة العربية السعودية لعقد قمتين طارئتين عربية وخليجية قبل نهاية هذا الشهر لتعزز مشاعر القلق إزاء مجريات الأحداث خلال الأيام القليلة القادمة والتي يبدو عنوانها الأبرز "التصعيد" وجاهزية كل الأطراف لقلب الطاولة ، وهذه الحالة نادراً ما تحدث في ردهات السياسة.
فمن ناحية قامت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نحو أسبوعين بفرض عقوبات اقتصادية على إيران تحد من قدراتها على تصريف إنتاجها الضخم من النفط ، بما يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة في إيران بعد توجيه ضربة قاصمة لعصب الاقتصاد ، كما سارعت واشنطن بتحريك حاملات الطائرات إلى مياه الخليج ، فيما وافقت الدول الخليجية على إعادة انتشار القوات الأمريكية المقيمة من قبل .
في هذه الأثناء تعرضت ناقلتا نفط سعودية وإماراتية لاعتداءات أمنية في عرض البحر .. وأشارت كل أصابع الاتهام إلى طهران التي كانت قد لوحت بغلق مضيق هرمز القريب إلى سيطرتها مما يهدد بمخاطر كبرى تتعرض لها عمليات نقل النفط الخليجي برمته.
ولم تكد تمضي ساعات حتى تعرضت أهداف بحرية سعودية وإماراتية أخرى لاستهداف طائرات بدون طيار اتفقت جميع المعلومات على أنها تابعة لأنصار الحوثي باليمن الذي يدين بالتبعية لإيران بطبيعة الحال .
وهنا اكتملت جميع حلقات خطر المواجهة القادمة التي باتت محتملة ربما أكثر من أي وقت مضى ، وإن كانت حوادث التاريخ تشهد بأنه "ياما دقت على الراس طبول" بحسب التعبير الشعبي الدارج ، فكثيراً ما تصاعدت الحروب الكلامية بين واشنطن وطهران حتى تشعر أن المواجهة المباشرة باتت قاب قوسين أو أدنى ، ثم إذا بالسماء تمطر ألواح ثلوج لتطفئ جميع شرارات الحرب .. وهو ما يفسره الخبراء بأن وجود الاحتلال الإسرائيلي الغاصب هو سبب استبعاد أي مواجهة بين أمريكا وإيران ، حيث تخشى الأولى من رد انتقامي من الثانية ضد "تل أبيب" طفل أمريكا المدلل .
وعلى صعيد توقعات ما تسفر عنه الأحداث الجارية ، فيشير الخبير العسكري الروسي وأستاذ العلوم العسكرية، كونستانتين سيفكوف، نائب رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الصاروخية والمدفعية، إلى 3 سيناريوهات للحرب بين إيران وأمريكا، لكنه أكد فى حوار لصحيفة "فزجلياد" الروسية أن 120 ألف جندي من الولايات المتحدة لن تكفى لحل الأزمة الإيرانية، مشيرا فى ذلك إلى تقارير عن خطة وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تتضمن نقل هذا العدد من الجنود الأمريكيين إلى الشرق الأوسط، وهو ما نفاه البيت الأبيض لاحقا.
واستعرض سيفكوف فى حواره، الذي نشرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أجزاء منه، 3 سيناريوهات محتملة لمجريات الأمور فى الأزمة الراهنة.
فقال إن السيناريو الأول يقوم على شن غارة جوية وصاروخية أمريكية محدودة النطاق بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لافتا إلى أن 120 ألف جندي أمريكي سيكونون «كافيين» لمثل هذه الضربة.
أما السيناريو الثاني فيمكن أن يتمثل فى شن حملة جوية واسعة النطاق من أجل تدمير مرافق الاقتصاد الإيرانى، لكن سيفكون يشير هنا إلى 120 ألف جندى لن يكونوا كافيين لتنفيذ هذه المهمة. ويقول الخبير الروسى إن السيناريو الثالث يتضمن بدء حرب طويلة ضد إيران واحتلال أراضيها، عبر شن حرب واسعة النطاق بدخول القوات البرية إلى إيران، كما كان الحال أثناء حرب العراق، مؤكدا هذه المرة أن حربا كهذه تحتاج إلى نحو مليون جندي أمريكي.
وذهب سيفكوف إلى حد عدم استبعاد أن تكون الاستخبارات الأمريكية أو الإسرائيلية وراء الهجوم على 4 ناقلات نفط سعودية وإماراتية بهدف تبرير بدء الأعمال القتالية ضد إيران.
فى المقابل، يستبعد عدد من الخبراء اندلاع حرب كهذه فى الوقت الحالي على الأقل، فيقول الخبير العسكري عمر معربونى من لبنان، إن كل ما تشهده الساحة الآن لا يزيد على كونه تبادلا لرسائل التهديد واستعراض القوة العسكرية والسياسية، ولكن حتى اللحظة لا شىء يشير إلى وقوع الحرب. ويرى معربونى، فى حديثه لوكالة «سبوتنيك» الروسية أن بوسع إيران أن تخرج من ذلك كله إذا سارعت بالجلوس إلى مائدة المفاوضات. وأشار إلى أن التاريخ وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، وبمقارنة جميع الحملات والحروب التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، من فيتنام إلى كوريا وأفغانستان والعراق وأماكن أخرى، يبين أن النتائج المباشرة لكل هذه الحروب كانت مدمرة، ولم تحقق الولايات المتحدة من خلالها الاستقرار المنشود ولم تحقق لها مجموعة الأهداف التى كانت تسعى لها، وبالتالى فإن أى سيناريو لحرب قادمة فى منطقة الخليج سيكون مدمرا على بلدان المنطقة، ولن يحقق للولايات المتحدة أى استقرار أو أهداف ترغب بها. ويقول معربونى إن الصواريخ الإيرانية تستطيع أن تغطى مساحات تصل إلى 3 آلاف كم بعيدا عن إيران، ما يعنى أن المنشآت الحيوية والإستراتيجية لدول الخليج ستكون في مجال هذه الصواريخ.
ويستبعد الخبير العسكري السوري العميد محمد ملحم هو الآخر اندلاع حرب قريبا، فيقول: «أعتقد أن الحشود العسكرية والأمريكية، وهى كافية للقيام بأي عمل عسكري وتدمير القوة العسكرية والاقتصادية الإيرانية، تعد نوعا من أنواع الضغط، وهناك عملية تهويل كبيرة جدا، لكن فى الوقت ذاته ترامب يدعو إلى التفاوض، وهى مسألة مفضوحة ومكشوفة».
وعزز استبعاده أيضا أن يبادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرب إيران عبر التأكيد على أن «ردود الأفعال فى المنطقة لا يمكن السيطرة عليها» إذا حدث هجوم أمريكي كهذا.
ويحذر ملحم من أن الثمن سيكون باهظا جدا، وأن الولايات المتحدة ستدفع ثمنا كبيرا جدا، على الأقل من خلال الإمدادات النفطية التي ستتوقف، لافتا إلى أن الضربات الأولى لن تقتصر على القواعد العسكرية في المنطقة، بل ستطول مراكز تصدير النفط، لأن المعركة كلها تدور حول السيطرة على النفط ومنابعه.
على أية حال .. فإنه مما لا شك فيه أن المنطقة العربية والشرق الأوسط في أشد حالات الاضطراب خصوصا إذا ما وضعنا في الحسبان عدم انطفاء نار الحرب في البؤر المشتعلة مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق ، كما أن التحذيرات التي وجهتها الدول الأوروبية لرعاياها المقيمين بالمنطقة العربية تشي بأن شيئاً ما يتم التجهيز له داخل الغرف المغلقة .. وربنا يستر.