"أيتها السماء.. صبي غضبك على الأغبياء"، لا أدري لماذا قفزت إلى ذاكرتي هذه المقولة الشهيرة للكوميديان المصري الراحل عبدالسلام النابلسي وأنا أتأمل الفوضى الهدامة التي أصبحت صفة أساسية في وسائل الإعلام الحالية والتي انتقلت عدواها ، فيما يبدو، من بلاعات الفضائيات إلى ساحات أرحب وأوسع هي وسائل التواصل الاجتماع أو "السوشيال ميديا".
فبعيداً عن المحتوى التافه الذي فوجئنا به خلال الأيام الماضية الذي يشبه انفجار ماسورة مجاري والذي لا يستحق مجرد الاستماع له أو الرد عليه، إلا أن المشهد السلبي الذي ابتلي به مجال الإعلام المصري وحولته عن مهنته المقدسة ورسالته العظيمة في تشكيل ثقافة ووجدان الشعوب، إلى آلات تدمير ، وأبواق للكذب ونشر الفضائح وارتكاب أبشع الموبقات تحت شعار "الحرية" التي بتنا نكرهها بدلاً من أن نستمتع بها ونقاتل من أجل الحفاظ عليها .
فبنظرة سريعة على الحالة المشينة التي تعيشها وسائل الإعلام وغرف التواصل الاجتماعي سندرك على الفور أننا بتنا نعيش أزهى عصور الكذب والنفاق و"الردح" بل و"الشرشحة" الإعلامية.. فما بين أبواق إعلامية مأجورة تجيد "التطبيل" و"التهييص" و"التهجيص" لمن يدفع أكثر أو لمن يشهر العصا الغليظة، ستنفجر في وجهك قائمة لا حصر لها من أسماء بعض الدخلاء على الساحة الإعلامية ممن لا يجيدون سوى المتاجرة بآلام وأوجاع البسطاء والأكل على كل الموائد .
ولعله ليس من قبيل المصادفة البحتة أو الأقدار العبثية أن تنفجر كل هذه البالوعات في توقيت واحد ، فلا يخفى على أحد ما يحاك ضد وطننا المفدى مصر أرض الكنانة من مؤامرات ، وربما لا يعلم أحد على وجه التحديد ما ستحمله الأيام القادمة من حروب ما يسمى بالجيل الرابع والتي يعتبر الإسلام ووسائل التواصل الاجتماعي أسلحتها الأساسية .
وبكل أسف فإن هذه النماذج السلبية تدفعنا دفعاً لتكرار ما نادينا به مرارا وتكرارا من ضرورة إيجاد تنظيم جيد لسلاح الإعلام بكل وسائله وأدواته ، ولا يعني هذا ما تشهده الساحة الإعلامية من تضييق الخناق على أوسع نطاق أمام الحريات، ولكن نقصد منه ضرورة وضع حد لهذه الفوضى الهدامة فنحن نساند ونؤيد حرية الإعلام ولكننا نعارض تماماً وجود بعض الأبواق الكريهة التي تزكم أنوفنا بهذا الكم الهائل من الأكاذيب والفضائح التي ابتليت بها ساحتنا الإعلامية والتي تفتح المجال لضرورة فحص القوى العقلية وصحيفة الحالة الجنائية لهؤلاء الدخلاء على المجال الذين يُعتبرون سبباً رئيسياً في التدهور الحاد الذي أصاب المستوى الإعلامي لدرجة أوصلته إلى "الحضيض" وباتت مهمة الإعلام الانشغال بقضايا "الشمامين والبرشامجية" وأشباه "عبدة الشيطان" وفيديوهاتهم اليومية، عن القضايا الأساسية المتعلقة بموارد البلاد واحتياجات شعبها خلال السنين القادمة أو عن تقديم نماذج النجاح والتقدم في مختلف العلوم .
إن مكانة الإعلام وأهميته تبرز في تأثيره الكبير على توجهات الناس وآرائهم في الحياة ، سواءً بالسلب أو الإيجاب ، فوسائل الإعلام قادرة على فرض رأي أو توجّه معين بحسب توجهات وسياسة المؤسسة الإعلامية ولعل هذا هو مكمن الخطورة الكبرى ، ولكنَّ الحقيقة الثابتة أن وسائل الإعلام تحكمها أخلاقيات ومبادئ تفرض عليها أن تلتزم الموضوعية والمصداقية في نقل مختلف الأحداث الجارية في المجتمع، وحينها نستطيع أن نتوّجها بتاج السلطة الرابعة .
إنه لا يخفى على أحد الدور الذي يمارسه الإعلام في تنمية وتطوير فكر الشعوب ، فهي إما أن تسمو بهم للقمة أو تهوي بهم إلى الحضيض ، ويبقى فكر المجتمع مرهوناً بما يقدمه الإعلام ويضخُّهُ في عقول الأفراد .
ويتجلّى هذا التأثير في معرفة مدى وعي الشعوب من عدمه وهو ما يذكرنا بمقولة وزير إعلام هتلر ، جوزيف جوبلز: "اعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطيك شعباً بلا وعي" ، فهذه إشارة إلى الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في تشكيل وعي وثقافة الشعوب وتنميتها .
فهذه المنظومة السحرية سلاح أخطر من الطائرات والدبابات والقنابل.. فأسلحة كل جيوش الدنيا لا تقوى على تدمير عقل أمة .. وللجيوش مدى فى النيران ، وسقف فى القتل والتدمير.. أما مدى وسائل الإعلام بمختلف وسائلها وأدواتها فيخترق الرأس دون أن ندرى .. وهذا مربط الفرس في ضرورة الانتباه لهذا السلاح الذي إما أن يكون آلة بناء وإما أن يتحول إلى جرافة هدم .