التاريخ حينما يكتبه الحجر.. مقبرة محمد علي باشا بين سطوة البلطجة والإهمال
- ياسر خفاجيتقع مقبرة أسرة محمد على باشا التابعة لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية في حي القلعة وتحديدا بمنطقة الإمام الشافعي.
تعد هذه المقبرة الأثرية من أقدم المقابر الموجودة ويتكون مبناها من ثلاث قباب كبيرة الحجم وبجوارها ثلاث أخرى متوسطة و ترتفع محمولة علي أعمدة حجرية مربعة البناء.. كما أن الأضرحة حظيت بنقوش معمارية أثرية بديعة، بينما مدخل المقبرة تعلوه قبة صغيرة تتدلي منها ثريا نحاسية قيمة يؤدي إلى صالة كبيرة ذات بابين يؤديان إلى حديقة المدفن وحجرة الحارس، وفي نهاية الصالة يوجد باب كبير يؤدي إلى داخل المدافن وأول ما يقابل الزائر في نهاية الصالة المؤدية إلى المدافن ضريح شفق نور هانم والدة الخديوي عباس حلمي الثاني وهو من أضخم وأفخر الأضرحة النسائية بمجموعة مدافن الإمام الشافعي.. وطوله نحو ثلاثة أمتار، وعرضه متر ونصف المتر، وارتفاعه عند الشاهد 4 أمتار، وهو من الألبستر النادر.
ويمزج الضريح بين فنين من الفنون المعمارية التي شهدها التاريخ المصري وهما البناء الهرمي الذي اتبعه قدماء المصريين، وبين الطراز العربي والإسلامي في نقوشه ووجود شاهد القبر أعلي الضريح حيث يوجد بالأعلى تاج الملكة ويتكون من المرمر، وقد أنشأ هذا القبر نجلها الخديوي توفيق عام 1301 من الهجرة وهو تاريخ وفاتها كما هو منقوش على قبرها.
“نور هانم والخديوي عباس الأول”
وعلى يسار ضريح نور هانم يرقد الخديوي عباس الأول وتتكون مقبرته من ثلاثة طوابق منقوشة بأشكال نباتية وعربية جميلة يعلوه شاهد كتب عليه باللغة التركية تعريف بصاحب القبر، والدعاء له، كما يعلوا الشاهد الطربوش التركي.. وقد أحيط هذا القبر بسور نحاسي ضخم منقوش بأشكال هندسية مفرغة، وبني هذا السور ليفصل بين قبر نور هانم، ويجاورهما إلهامي باشا شقيق الخديوي عباس وضريحه عبارة عن طابقان من الرخام المزخرف، وقد نقشت عليه الآيات القرآنية وتعتبر المقابر الثلاثة مجموعة مستقلة تقع بمدخل المدفن تحت إحدى القباب الدائرية الكبيرة.
وفى القبة المجاورة توجد عدة أضرحة صممت لزوجات الخديوي عباس وبعض بناته وبنيت من الرخام الفخم بثلاثة طوابق، ونقشت عليها أشكال عربية وهندسية.
وتتميز هذه المجموعة بألوانها الجذابة والمتناسقة، وتتضمن فتحية هانم والأميرة شمس زوجتي الخديوي عباس، والأميرتين ملك وإنجي زوجتي خديوي مصر محمد سعيد باشا الذي يرقد في آخر مكان من المدفن في ضريح لا يقل فخامة وجمالا وروعة عن ضريح الخديوي عباس الأول، والي جواره يرقد الأمير أحمد بن إبراهيم باشا، والأميرة عين الحياة والدة محمد سعيد باشا، التي توفيت عام1265 هجرية وقبر الأمير أحمد طوسون باشا وشهرته طوسون باشا الابن الأكبر لمحمد على باشا وهو أحد ولاة مصر وولديه محمد ومحمود، والأمير محمد علي ابن إسماعيل باشا، وبعض أفراد الأسرة مثل رقية هانم والأميرة زينب أبناء يكن باشا شقيق نور هانم زوجة محمد علي، وهناك ضريح يضم الأمير محمود بن محمد سعيد باشا الذي توفي وهو طفل صغير.
"القائد العسكري"
ولعل أبرز هذه المقابر هو ضريح إبراهيم باشا ابن محمد علي القائد العسكري الذي قاد الجيوش المصرية حتى وصل بها إلى مشارف القسطنطينية عاصمة السلطنة الإسلامية، آنذاك، وضريحه يتكون من ثلاثة طوابق هرمية من المرمر الإيطالي، ومنقوش بالكامل من القاعدة الأرضية وصنع الشاهد من أشكال نباتية وعربية علي الطراز الإسلامي ويمثل في بنائه وزخارفه وحدة هندسية متكاملة الشكل في تناسق هو غاية الروعة والجمال.
ويعلو الضريح شاهدان للقبر الأول كتب عليه أبيات الشعر والمدح والرثاء، والآخر كتب عليه تعريف بصاحبه باللغة التركية ويعلوه الطربوش التركي باللون الأحمر.
كما يوجد في الخارج مقابر يقال إن تحتها يرقد الأربعون مملوكا ضحايا مذبحة القلعة، بينما تقع مدافن أفندينا التابعة لأسرة محمد على تحت سفح الجبل، حيث أقيمت قلعة صلاح الدين ومسجد محمد علي من جهة الشمال الشرقي وتحديدا بمنطقة المجاورين.
والمدفن له باب من الجهة الشمالية من الحديد يؤدي إلى حديقة كبيرة وبعض الحجرات لإقامة الزوار والحرس ويتوسط الحديقة ممر يؤدي إلي المدفن الذي شيده محمد توفيق خديوي مصر منذ 185 عاما تقريبا، وهو عبارة عن قبة ضخمة محمولة علي أربعة أعمدة وتحيط بها أربع قباب صغيرة، حيث يوجد أسفلها ضريح إحدى زوجات محمد علي وهي أول من دفن بهذه المدافن وضريحها يشبه ضريح نور هانم بمدافن الإمام الشافعي، فهو مكون من ثلاثة طوابق هرمية بارتفاع خمسة أمتار مع الشاهد ونقوشه محلاة بماء الذهب مع الألوان الأخضر والأزرق.
"الخديوي عباس حلمي الثاني"
أما ضريح الخديوي عباس حلمي الثاني، ويضم قبر أمينة هانم ابنة الأميرة إلهامي والدة الخديوي عباس الثاني، كما يضم قبر أمينة هانم ابنة الأميرة إلهامي وبجوارها قبر الأمير محمد صاحب قصر المنيل، وكذلك قبر فتحية ابنة الخديوي عباس حلمي الثاني، والثاني لشقيقها الأمير محمد عبدالمنعم وقبر شويكار هانم.
كما تضم القاعة ضريحين من الخشب الفاخر النادر أحدهما للأميرة فتحية ابنة الخديوي عباس حلمي الثاني، والثاني لشقيقها الأمير محمد عبد المنعم، وعلي مقربة من مقابر أفندينا يقع قبر شويكار هانم ابنة إبراهيم باشا الذي بني عام1947.
أما خارج المقابر فتوجد مدرسة قديمة لتحفيظ القرآن لم تسجل كأثر في قطاع الآثار القبطية والإسلامية بهيئة الآثار يقول أحد المسئولين: إن منطقة الغفير تضم العديد من المقابر التاريخية ذات القيمة الفنية والجمالية، وللأسف لم تسجل كآثار، ومثال ذلك قبرا الأميرة شويكار واسمه حليم ويقعان إمام أمير كبير بمنطقة الغفير، كذلك الحال مع مدفن الحلبي الذي يزيد عمره علي90 سنة، ومدفن عمر مكرم برغم قيمته التاريخية.
وتعد مقبرة أسرة محمد على باشا أحد مصادر الدخل لسكان المقابر المجاورة لها كما يروى حسين محمد الموظف المكلف من هيئة الآثار بحراسة المقبرة " كان السائحون يتوافدون لزيارة المقبرة قبل ثورة 25 يناير مما أثر في الحياة الاجتماعية لسكان المنطقة فكانوا يحرصون على حياتهم ويعملون لحمايتهم، وبعد أحداث الفوضى انقطعت الأفواج السياحية عن المنطقة وانتشر البلطجية في غياب تام لرجال الأمن.
وبنبرة حزينة يتحدث "حسين" لـ"الميدان" عن الواقع المؤلم للمقبرة ويقول: مظاهر الإهمال وتصدع القباب من الداخل وتدهور النقوش واضح تماماً كما أن نزع جديرات كاملة من جدران المقابر وسرقتها بالإضافة إلي سرقة بعض المقتنيات الثمينة مثل قطعة من كسوة الكعبة المشرفة لم تكون مسجلة في الآثار يفتح بابا للحزن على تاريخ مشرق وماض عريق وحضارة خالدة لا يغلق بسهولة كما أن مظاهر الترميم الخاطئ باستخدام مواد الأسمنت والجبس أدت إلى تأكل الحوائط والجدارات وتعرض المقبرة للتمليح والتفتت.