"الطفلة مريم" أنمودجٌ للوحدة الوطنية في أروقة الجمعية الشرعية

 

"خدمة أبناء الوطن بدون تمييز" شعار لطالما رفعته الجمعية الشرعية؛ لتحقيق أهدافها التنموية والخدمية كإحدى مؤسسات المجتمع المدني، التي تشارك الحكومة في رفع معناة المواطنين وبشكل خاص الفئات الأكثر احتياجًا، ومن منطلق وطني مجرد عن أي انتماء أو إيدلوجية، حيث نظمت الجمعية مشروعًا طبيًا تحت عنوان  "متحدي الإعاقة"، وتم إجراء عمليات المسح الطبي الشاملة في 4 محافظات وعمل العمليات الجراحية اللازمة للمرضى، وتمت مناظرة 2000 حالة من خلال القوافل الطبية التي تم تسييرها في محافظات سوهاج، والمنيا، والمنوفية، والغربية، بالإضافة إلى 1200 حالة بالمحافظات القريبة من القاهرة.

 

الطفلة مريم، ذات السبع سنين لم تكن لتستمتع بطفلولتها في ظل معاناتها من وجود ثقبين في قلبها، فتارة يتسبب اختلاط ثاني أكسيد الكربون بالخلايا في ازرقاق جسدها وعدم تمكنها من التنفس بشكل طبيعي، وتارة لا تستطيع مجرد الوقوف على قدميها، وسط معاناة أبيها وأسرتها التي تعيش تحت خط الفقر؛ لتظهر لهم بارقة نور تمثلت في القافلة العلاجية للجمعية الشرعية، والتي أجرت الفحوصات للطفلة مريم وتم تقييم حالتها بصفة عاجلة ونقلها لمحافظة القاهرة لإتمام العلاج وإجراء العمليات الجراحية التي تحتاجها.

 

أسرة الطفلة مريم لم تك لتحلم بعلاج هذه الطفلة، فظروفهم المعيشة لا تكفي المتطلبات الأساسية للغذاء، وفي ظل ارتفاع تكلفة العلية الجراحية لمريم والتي تصل إلى نحو 150 ألف جنيهًا مصريًا؛ ليروا في قافلة الجمعية الشرعية الامل المنشود وقبلة الحياة التي توضع على جسد هذه الطفلة التي ما لبثت أن تفرح بطفلوتها ولهوها مع أقرانها فأقعدها المرض عن مجرد التنفس بشكل سليم.

 

"ميزانية مفتوحة، وحدة متابعة، وتوفير أطقم طبية على أعلى مستوى، وثلاث عمليات جراحية"، كانت هذه قرارات القطاع الطبي بالجمعية الشرعية؛ لتحقيق قبلة الحياة للطفلة "مريم"، والتي تم رصد معاناتها المرضية من خلال القوافل الطبية التي نظمتها الجمعية بمحافظة سوهاج، حيث كانت تعاني من "ثقبين بين الأذنين والبطنين والصمام الميترالي شرفات بها التصاقات تؤدي إلى حدوث ارتجاع" واحتاجت إلى إجراء عملية قلب مفتوح في إحدى المسشتفيات الخاصة، حيث تصل تكلفة مثل هذه العمليات الجراحية إلى نحو 150 ألف جنيها مصريا، كما تم توفير غرفة إعاشة لأهل الطفلة مريم، وغرفة رعاية مركزة، ومتابعة على مدار الساعة.

 

خدمة بدون تمييز

 

الدكتور على فؤاد رئيس القطاع الطبي بالجمعية الشرعية، أكد أن هدف الجمعية يتمثل في خدمة أبناء الوطن بصرف النظر عن الديانة أو أي تمييز، ومن هذا المنطلق تم علاج الطفلة مريم وإجراء ثلاث عمليات جراحية لها، ولا تزال تحت العلاج لمزيد من الاطمئنان عليها.

 

وأضاف فؤاد، أنه تمت مراعاة ظروف العائلة الفقيرة، وتوفير غرفة إعاشة لها بجوار غرفة الرعاية المركزة للطفلة مريم، حيث حضرت أمها وإخوتها، ولم يستطع والدها المريض حضور العملية الجراحية لابنته، والتي لم تتجاوز ساعة وأربعين دقيقة وأجراها  4 أطباء قلب أطفال 2 أساتذة، و 2 مساعدين، وتمريض ممارس، ومدرب وطبيب لماكينة القلب، في إطار فريق متكامل أنجر العملية الجراحية بنجاح؛ لتعود الطفلة مريم لممارسة حياتها بشكل طبيعي دون أي معاناة.

 

وأشاررئيس القطاع الطبي، إلى أن مشروع متحدي الإعاقة يعد المشروع القومي للجمعية الشرعية خلال الفترة المقبلة، وهو ما بدأته الجمعية منذ بداية هذا العام من خلال إنشاء صرح طبي المجمع مجهز وفق أحدث النظم العالمية، وهو العيادات المتخصصة لمتحدي الإعاقة والذي يشمل جميع التخصصات كالسمعيات والعيون وتنمية مهارات وتكامل حسي والتخاطب والعلاج المائي وبيت العنكبوت والعلاج الطبيعي والتأهيل.

 

إنشاء 21 مركزًا طبيًا بالمحافظات

 

وفي هذا الصدد، قال الأستاذ مصطفي إسماعيل الأمين العام للجمعية الشرعية،:" إن هذه العملية الفريدة من نوعها في الجمعية جاءت نتيجة عمليات المسح الطبي الشاملة التي يقوم بها القطاع الطبي للجمعية، فتم عمل مسح لحالات متحدي الإعاقة في 4 محافظات وشعرنا بالحرج لتنوع وتعدد الإعاقات وقررت الجمعية قبول كل الحالات في المحافظات الأربع وعمل العمليات الجراحية اللازمة لهم، على أن يتم بعد الانتهاء من هذه الحالات العمل على 5 تخصصات فقط وهي عصبية نفسية ويعاني من هذه الإعاقة ما يقرب من 38% من أبنائنا والتقييم النفسي وبه ندرة في التخصص، وتنمية المهارات، والسلوك والتخاطب، والعلاج الطبيعي.

 

وأوضح الأمين العام، أن الجمعية بصدد إنشاء مركز طبي لمتحدي الإعاقة في كل محافظة بإجمالي 21 مركزًا على مستوى الجمهورية، بهدف تقديم الرعاية والعلاج لما يقرب من 15 ألف طفل. 

 

جدير بالذكر أن قوافل القطاع الطبي بالجمعية قامت بمناظرة أكثر من 2000 حالة من متحدي الإعاقة من خلال القوافل الطبية التي تم تسييرها في سوهاج والمنيا والمنوفية والغربية بالإضافة إلى 1200 حالة من المحافظات القريبة من القاهرة.

 

 فلسفة وحكمة المشروع

 

وتقوم فلسفة المشروع الطبي بالجمعية الشرعية، على الاستفادة من توجيهات الإسلام المهمة، والتي تدل على رقيٍّ في الفهم وإنسانيةٍ في التشريع؛ أنه كلما كان الإنسان في حالة من الضعف أو من قلة ذات اليد، فإنه يكون محل اهتمام ورعاية أكبر من التوجيهات والتشريعات الإسلامية؛ ذلك أن هذه التوجيهات والتشريعات تُعلي من قَدْر الإنسان، وتهتم بتلبية حاجاته وضروراته، وتهدف إلى أن يكون الإنسان- كلُّ الإنسان- مكرَّمًا غير مهان، ومصانًا غير ذليل؛ ولهذا نرى توجيهات الإسلام الكثيرة تحث على حسن القيام على شئون الأيتام، معنويًّا وماديًّا، وتحضُّ على الاهتمام بالفقراء، وأبناء السبيل، ومَنْ أرهقتهم ظروف الحياة.

 

وجعل الإسلام ذلك دليلاً على الإيمان، وتطبيقيًا صادقًا لمعنى (البِّر)- الذي هو معنى جامع لكل خير- وقَرَنَه بأركان الإيمان وقواعد الإسلام.. فقال تعالى: {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} (البقرة: 177).

 

ومن هنا، كان اهتمام الجمعية الشرعية بهذه الفئات التي تستحق من المجتمع أن يحوطها بقدر كبير من الرعاية والعناية، مثل الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم، فهذه الفئات إن لم تجد اليد الحانية التي تمتد لها بالعطاء، وبصورة كريمة تحفظ لها كرامتها وإنسانيتها؛ فإنها تكون عالة على غيرها من ناحية، وتكون ناقمة على المجتمع من ناحية أخرى، ولهذا، فإن الاهتمام بهذه الفئات لا يهدف فقط إلى تلبية حاجاتهم المعنوية والمعادية- وهذا حق لهم، بالتأكيد- وإنما يهدف كذلك إلى إيجاد مجتمع متكافل متراحم، قد نُزِعَت منه أسباب الضغينة، وغُرِسَت مكانها موجبات التراحم والتكافل والتساند.

 

وهذه القيم في العمل الخيري عمومًا، وفي الاهتمام بالشرائح الأكثر حاجة خصوصًا، هي قيم تستحق منا جميعًا أن نوليها كل العناية، وأن نبذل لها كل الجهود، وأن نضعها نصب أعيننا دائمًا.