لن أكون وزيراً سابقاً
د . محمد محمود
معالي الوزير كلمة ذات رونق خاص وهالة فريدة، فكل نفس طموحة تروم أن يكون لها في سلطة المعالي الأصل، ذلك المنصب رفيع الشأن شريك في السلطة والحكم محاطاً بمن يحمونه ويفتحون له الطريق ويلاحقون خطواته ، أمامه اضواء الكاميرات وخلفه الحراسات له شبكة علاقات ضخمة وقوية من رجال الأعمال والساسة والفن والإعلام يحمل جواز سفر دبلوماسي يدخل ويخرج من صالات كبار الزوار ، ويظل اللقب ملتصق بإسمه مادام حيا. اختلف الجميع عن كيفية الاختيار للحقائب الوزارية، وكذلك كيفية إقامتهم، فماهي الأسس والمعايير التي علي أساسها يتم اختيارهم: هل هي المؤهلات العلميه والخبرات والكفاءات وأصحاب الرؤي السياسية والتخطيط والقرارات الصائبة بجانب الوطنية والولاء والانتماء أم تكفي أهل الثقة دون الخبرة أم قد تلعب الصدفة دور عظيم في الاختيار مثلما حدث في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فعقب إلقائه بيان ٢٠ مارس ١٩٦٨ شكل وزارة جديدة وطلب بتعيين د.اسماعيل غانم - عميد كلية الحقوق جامعة عين شمس وكان معروف بميوله للاشتراكية واستقلالية رأيه - وزيراً للسياحة ،وعَبَر عبد الناصر عن ذلك بقوله " عايز د.غانم بتاع حقوق عين شمس" ولكن للأسف كان هناك غانمين د.اسماعيل غانم عميد الكلية ود.حافظ غانم وكيل الكلية ، ولسبب ما عرضت الوزارة علي حافظ غانم وكان رجلاً فاصلاً ظل نحو عشرة أعوام يتنقل من وزارة لأخرى من عهد عبدالناصر إلى عهد السادات وانتهي الأمر إلى أن أصبح المسؤول الأول عن الاتحاد الاشتراكي . وهناك صنفين من الوزراء أحدهما يطلبها مثل سيدنا يوسف عليه السلام الذي طلب من ملك مصر الوزارة ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وكان بمثابة وزيراً للمالية ثم ارتقي ليصبح عزيزاً أي رئيس الوزراء ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) وقد طلبها سيدنا يوسف ليس طمعاً في منصباً أو مالاً أو وجاهة اجتماعية ، وانما تحقيقاً للعدل والإصلاح. وهناك من يُطلب لها مثل سيدنا هارون عليه السلام ،قال تعالي ( وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً* قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى) طلبه وزيراً ومعيناً يوازره ويشاركه ويتحمل عنه جزءا من مهامه وليس هذا في فحسب بل يعينه علي الذكر والتسبيح، وقد كان هارون أفصح لساناً من سيدنا موسي وأجمل وأوسم منه ابيض اللون،بينما كان سيدنا موسي آدم اقتي وأجعد.وقال صلي الله عليه وسلم" إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق أن نسي ذكره ، وأن ذكر أعانه" . ولما كانت اغراءاتها ومكاسبها ومميزاتها وأهميتها ومكانتها ووجاهتها ورفعتها وعظمتها دفعت العديد إلى التكالب والصراع عليها واستخدام أرخص الأساليب من خداع ومكائد ومكر ومؤامرات والتشنيع والتضليل والمغالطات والكُتاب المأجورين ليظهر الوجه القبيح للسياسة ، والصراع علي تقلد الوزارة أبسط وأقل حدة من الصراع علي البقاء في المنصب ، لأن الإقالة بمثابة نزع للروح، قال تعالي ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ ) فترك المنصب مرتبط بالذل والاستكانة والخضوع ، لذلك يبقي حتي آخر لحظة يدافع ويصراع علي منصبه، وربما هذا ما دفع المستشار الزند وزير العدل السابق بعد إعفائه من منصبه علي خلفية تصريحاته المسيئة والمهنية للنبي صلى الله عليه وسلم، عندما تلقي اتصالاً من المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء آنذاك يطالبه فيها بالإستقالة، حاول الزند تسوية الأمر حفاظاً علي صورته والبقاء حتي التعديل الوزاري إلا أن اسماعيل أصر علي الإستقالة ومغادرة مكتبه فوراً لأنها تعليمات الرئيس شخصياً ،فتواصل الزند مع أعضاء مكتبه واعضاء مجلس إدارة نادي القضاة لوضع خطة مضادة من أجل البقاء بالمنصب ،فهدد بالاستقالة ٢٥٠ مستشاراً من القضاة المنتدبين للعمل الاداري بديوان الوزارة، والأخطر والأدهي من ذلك التلويح بعقد جمعية عمومية لنادي القضاة إذا لم يتم العدول عن قرار الإقالة ، إلا أن تدخل الحكومة كان أسرع وأبرع، فتمت السيطرة علي الموقف.
وترتبط إقالة بعض الوزراء بوقوع حدث معي، ففد تكفي حادثة تصادم قطارين لتعقبها الإقالة، وخير دليل ماحدث مع وزراء النقل هشام عرفات وحاتم عبد اللطيف وإبراهيم الدميري ومحمد رشاد المتيني الذي لم تتجاوز فترة تقلده المنصب أكثر من ثلاثة أشهر وهناك من تولي الوزارة شهراً واحداً السفير محمد العرابي ،وبعض الوزراء ترتبط إقالتهم بزلة ألسنتهم مثل الدكتور عبدالواحد النبوى فى ابريل 2015 إثر حديثه لأمينة متحف محمود سعيد بالإسكندرية : "محتاجة تخسى شوية" ،"عندى مشكلة مع التخان"، والمستشار محفوظ صابر وزير العدل الأسبق الذي قال "ابن عامل النظافة لو عمل بالقضاء هيحصل له اكتئاب نفسى، ومش هيستمر، بناءً على تجارب سابقه"، وتابع "القاضى له شموخه ووضعه، ويجب أن يستند لوسط محترم مادياً ومعنوياً". واللواء أبو بكر الجندي وزير التنمية المحلية السابق قال عند حديثه عن أولويات الوزارة وخطة عمله بها "عندنا تشجيع الاستثمار علشان نخلق فرص عمل، ونبطل الصعايدة يركبوا القطر وييجوا هنا القاهرة يعملولنا عشوائيات". ولكن ماذا بعد الخروج من الوزارة وزوال المنصب وغياب الحراسة واختفاء ملاحقة الكاميرات وذم المنافقين والآفاقين ،وبعد أن كان يقف علي يمين الرئيس أو يساره تجده يبحث عن لقطة تجمعه بالرئيس وأعضاءالحكومة الحالية ولو كان في الصف العاشر ، ولن يجد موقع ينشرها سوي صفحته علي الفيس بوك ليؤكد للجميع أنه مازال علي قيد الحياة ويحظي بمكانة ولو كانت مهمشة. افضل وصف لحالة الوزراء الذين تم اقالتهم، ما قاله د.هاني محمود وزير التنمية الإدارية السابق الذي أكد أن منصب وزير في الوقت الحالي ليس له أي مزايا... مجرد وظيفة مؤقتة وبدون لزمة ... مرتبه ٣٠ ألف جنيه وعندما يخرج من الوزارة لا يوجد من يساعده علي مواجهة أعباء الحياة ، وكأنه كان شغال في بقالة الحاج عبده ". سوف تتحول السلطة والشهرة والمجد والمال الي الذل والخزي والهوان ، أنظر إلى أحمد نظيف ويوسف والي وأحمد الليثي وحبيب العادلي وصلاح هلال وأنس الفقي وابراهيم سليمان وسامح فهمي وغيرهم من الوزراء كيف كانوا وكيف أصبحوا ، بل أنظر إلى الرئيس السابق حسني مبارك ، اللهم اني أسألك عزاً لا يعقبه ذل.