الصمت الأوروبي الملحوظ يرسخ الدور التركي في ليبيا
- رمضان إبراهيمتصاعدت مؤخرًا نبرة التهديد في خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يلوح بين الحين والآخر بالتدخل عسكريًا في ليبيا، بعد توقيع اتفاقيتين مثيرتين للجدل مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، في وقت بات الدور الأوروبي يقف موقف المتفرج تجاه الأزمة الليبية.
ويتسم الانخراط الأوروبيّ في الأزمة الليبية منذ اندلاعها في فبراير عام 2011م، بعدة سمات، لعلَّ أبرزها هو عدم بلورة موقف أوروبي مُوحَّد تجاه ليبيا، في ظل تفضيل بعض الدول الأوروبية، وبالتحديد فرنسا والمملكة المتحدة، أولوية الحل العسكري في التعامل مع الثورة الليبية بما أدّى إلى درجة من درجات توازن الضعف بين الثوار من جانب وكتائب القذافي من جانب آخر في ظل انتشار مكثف للأسلحة، كذلك فإن التعامل الأوروبي هو تعامل برجماتي يراعي مصالح كل دولة على حدة، وهو ما أدّى إلى تنافس فرنسي- إيطالي وصل إلى حدّ الصراع الخفيّ ثم الصراع المُعلَن والحرب الكلامية بين الطرفين.
ويعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلط أوراق الأزمة الليبية مع إعلانه النية بدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بقوات برية وبحرية وجوية لمواجهة الهجوم الذي يشنه رجل ليبيا القوي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس الغرب، وحسب الرئيس التركي فإن برلمان بلاده سيمرر في الثامن أو التاسع من يناير المقبل تشريعياً يسمح بإرسال القوات إلى ليبيا. وكان تقرير لرويترز قد ذكر أن تركيا أرسلت بالفعل إمدادات عسكرية إلى حكومة الوفاق الوطني بالرغم من حظر على الأسلحة تفرضه الأمم المتحدة.
وزير الدفاع الإيطالي، لورينزو جويريني، أطلق "قنبلة دخانية" أو ربما "جس نبض" بتصريحات نقلتها صحيفة كوريري ديلا سيرا، دعا فيها إلى "فرض وقف لإطلاق النار على الأطراف الليبية"، متابعًا أن أوروبا تدرس فرض مناطق حظر طيران في ليبيا، مردفاً أن إيطاليا بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا يمكنها فرض ذلك الحظر.
ورغم أن التصريحات قد جاءت في 25 ديسمبر، إلا أنه لم يصدر أي تعقيب أو تعليق لأي مسؤول أوروبي عليها، بينما وصفت نائبة وزير الخارجية الإيطالي، مارينا سيريني، من جانبها الوضع في ليبيا بأنه لا يزال مقلقًا للغاية، مؤكدة الحاجة الملحة لالتزام المجتمع الدولي بأسره للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ومنع الجهات الفاعلة خارج ليبيا من التدخلات، أيضاً تلك ذات الطبيعة العسكرية، والتي بالتأكيد لن تدعم الاستقرار.
وأشارت إلى أن ليبيا تمثل بالنسبة لبلادها "الملف الدولي الرئيسي" وقالت :"نحن البلد الأكثر اهتمامًا بمنع مزيد من زعزعة الاستقرار وتدهور الوضع الامني هناك".
ويعتقد الخبير بالعلاقات الليبية-الأوروبية، الدكتور محمد فؤاد، أن الموقف الإيطالي جاء "متأخراً جداً، إذ يأتي بعد تسعة أشهر من احتدام المواجهات الأخيرة، ويلوم المحلل السياسي الليبي، المؤيد لحكومة الوفاق، في تصريح لـ DW عربية: "رغم أن إيطاليا كانت الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق المعترف فيها دولياً، إلا أنها لم تستطيع تقديم أي شيء لحكومة الوفاق أو لإيقاف الهجمات".
ويأخذ الخبير الليبي المقيم في إيطاليا على "الدول الغربية وقوفها موقف المتفرج من هجوم حفتر على العاصمة طرابلس وحتى عدم إدانة هذا الهجوم والاكتفاء بدعوة جميع الأطراف لوقف إطلاق النار".
وكان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل وجوزيبي كونتي، في 13 ديسمبر على هامش قمة الاتحاد الأوروبي، دعوا كافة أطراف النزاع في ليبيا على وقف القتال، بعد أن أطلق المشير خليفة حفتر عملية عسكرية جديدة للسيطرة على العاصمة طرابلس منذ أبريل الماضي، ويجزم المحلل السياسي الليبي بأن الأوروبيين ليس بوسعهم لعب أي دور حقيقي وفعال.
وقد شوش على الموقف الأوروبي التنافس وصدام المصالح بين فرنسا وإيطاليا. وتعتبر روما أن ليبيا منطقة نفوذ لها نظراً لقربها الجغرافي وماضيها كقوة مستعمرة لليبيا. ومن هنا كانت تنظر دائماً للتدخل الفرنسي، الذي كان عراب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، بعين الريبة، ويغذي التنافس الفرنسي الإيطالي سعي شركات النفط، وخاصة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، للفوز بعقود استثمار الذهب الأسود، ودعمت فرنسا حكومة السراج في العلن، بيد أن تقارير عديدة أكدت دعمها السري لخليفة حفتر.
وتعليقاً على نية رجب طيب أردوغان إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، دعا الصحفي والسياسي الفاعل في القضايا الأمنية، كلاوس-ديتر فرانكنبيرغر، في تعليق له في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، أوروبا إلى التحرك في ليبيا وعدم الاكتفاء بالكلام: "يجب على أوروبا ردم الهوة بين الكلام والفعل؛ إذا أرادت ألا تتكرر تجربتها في سوريا عندما تحملت بشكل غير مباشر تبعات تدخل القوى الأخرى".
الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق مقريزي، حذر في تحليل سياسي له الأوروبيين من البقاء متفرجين: "إذا بقيت أوروبا متفرجة مترددة، سترى نفسها تفقد التأثير من شواطئ طرابلس الغرب إلى شرق المتوسط".
وقبل أيام جدد وزير الخارجية الفرنسي، جان ايف لودريان، تحذيره من المجموعات الإرهابية في ليبيا ومن "قوس إرهابي" في صدد التشكل من تشاد ونيجيريا وقد "يمتد" حتى الشرق الأوسط.
كانت كل من باريس وروما قد قدمتا الدعم للمبادرة الألمانية من أجل السلام في ليبيا، حسب ما أكد متحدث باسم الحكومة الألمانية، وتسعى الحكومة الألمانية عبر مبادرة "عملية برلين" إلى دعم مساعي السلام للمبعوث الأمم الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة. وتتعلق المبادرة بتنظيم مؤتمر دولي حتى يمكن من خلاله وضع الأطر اللازمة لعملية سياسية ليبية داخلية بوساطة الأمم المتحدة.
الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق مقريزي، شدد على ضرورة معالجة الأخطاء في ما يطلق عليه "عملية برلين": "وهذا يستوجب الاتفاق على موقف أوروبي موحد، الأمر الذي يتطلب محاولة إقناع فرنسا بأن أمنها يتأتى من موقف أوروبي موحد وليس من دعمها لحفتر". ويتابع بأن "الموقف الأوروبي الموحد هو الطريقة الوحيدة لإجبار الولايات المتحدة على توضيح موقفها في ليبيا... الضغط الأوروبي-الأمريكي المشترك على أطراف عملية برلين سيخلق آلية لتوجيه المصالح الدولية بطريقة بناءة".
كلوديا جازيني، كبيرة الباحثين بالشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، تذهب إلى أن الموقفين الفرنسي والإيطالي تقاربا في الشهرين الأخيرين بعد التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين حكومة السراج وتركيا. وترى الباحثة، التي عملت مستشارة للمبعوث الأممي غسان سلامة، أن روما أضحت "أكثر برودة" في دعمها لحكومة الوفاق. وأثار الاتفاق المذكور حفيظة أوروبا واليونان التي طردت السفير الليبي لديها.
أما الخبير الليبي محمد فؤاد فيقول إن لديه "تسريبات" مفادها أن مؤتمر برلين "شبه مجمد" بانتظار ما ستؤول إليه الأمور عسكرياً على الأرض في الشهرين القادمين. ويردف بأن التسريبات تفيد أيضاً أن الدول الداعمة لحفتر "رفضت إجباره على الانسحاب ورفضت أي تفاهم مع الألمان"، ويضيف أن الطرف التركي يطالب بإدخال قطر وتونس والجزائر وربما المغرب في مؤتمر برلين.