الشخصية المصرية
د . على الحسينى
يمتلك المصريون فكراً واعياً من خلال مخزونهم الثقافي والمعرفي، فكانت القاهرة منارة ومعقلاً للعلوم، حيث ترك علماؤها لنا تراثاً عظيماً في شتى الفنون، وفيها وعلى أرضها نشأ وكتب وأبدع كثيرٌ من الفقهاء والأدباء والشعراء والمثقفين، ولا يزالون.
لم يتوقف الأمر على ذلك بل قامت أرسخ المؤسسات فيها لخدمة الفكر ونهضة العلم ونشر الثقافة، فامتلكت مصر مؤسسة دينية من أعرق وأشهر المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي متمثلة في الأزهر الشريف.
حاز الأزهر على شعبية دينية محلياً وعالمياً، فيعدّ المركز الأول للمسلمين، والقبلة الأولى لعموم الطلاب في التعليم والتزود من الفنون، ويفد إليه للدراسة الألوف من أبناء العالم الإسلامي لحمل العلم والتزود بالشهادات في غالب التخصصات.
حافظ الأزهر على الشخصية المصرية، فكان يمثل الغنى الفكري الديني لجميع المصريين، وبالتالي لم يلتفتوا إلى غيره، ولم يتحولوا عنه إلى غيره في الفتاوى وسائر شؤونهم الدينية، واستمر هذا الإقبال زمناً طويلاً، كان الأزهر قبلة العلم والفقه والمعرفة ليس عند المصريين فحسب بل عند سائر المسلمين.
تأثرت الشخصية المصرية بعد ذلك منذ وقت ليس بالبعيد ببعض الأفكار الدخيلة الوافدة على مجتمعنا وشخصيتنا المصرية الأصيلة، والتي تمثلت في وجود جماعات تتبنى أفكاراً غريبة، وآراءً شاذة في الفقه، وعادات مستجدة في السلوك والتربية، متخذة الدين ستاراً لنشر أفكارهم.
اختزل هؤلاء الإسلام في أمورٍ معينة، فتنكبوا عن العفو والتسامح والدعوة بالتي هي أحسن إلى الغلو والتطرف في الطرح والتعنيف في الرأي، وتجاهلوا دعوة الناس للخير بالحسنى، وصناعة الإنسان السوي المتسامح، وتربية الشباب على الوسطية المتوازنة.
أخذت هذه الجماعات على عاتقها مسخ الشخصية المصرية الفريدة التي لم تتأثر على مر السنين بهذه الأفكار، فاتخذت الغلو منهجاً وثقافة، وابتعدت عن الوسطية الجامعة لعموم المصريين، وحرصت على التكتل والتنظيم والتقوقع داخل جماعات وتكتلات تتسم بالخروج عن المألوف في العبادات والعادات.
إن غالب هذه الجماعات الحزبية حاولت مسخ شخصيتنا المصرية، وطمس هويتنا الدينية المتمثلة في وسطية واعتدال الأحكام والمقاصد، والتي عاشت طول عهدها على التسامح والتعايش مع أهل الأديان الأخرى، فرفضوا العادات الجميلة التي شب عليها وكبر جميع المصريين، وهي عادات اتفق عليها الصغير والكبير ولا تخالف ديننا الحنيف في شيء.
إننا مطالبون جميعاً بحماية شخصيتنا المصرية من الأفكار الدخيلة، والحفاظ على هويتنا الدينية، وعدم الالتفات إلى الأفكار الغريبة، أو السماع لآذان الدخلاء علينا، فأفكارهم المطروحة تستدعي منا جميعاً وجود وسيلة فكرية واحدة توحد الفكر وتجمع الجُهد وتقيم الصلة بين جميع أبناء الوطن لمحاربة هذه الأفكار والتصدي للفكر المعوج.
حفظ الله مصر، وجعلها وشعبها في دائرة أمانه.