الصحافة في زمن كورونا
د . نهاد فوزى
تفرض أزمة فيروس كورونا المستجد – كوفيد١٩، التي تضرب رئة العالم بلا رحمة، غيومًا مظلمة على واقع الصحافة ومستقبلها. وبالتزامن مع التحديات غير المسبوقة التي تفرضها الأزمة، تبقى ثمة فرص يمكن النفاذ منها نحو آليات أفضل لمعالجة صحفية مهنية، احترافية، تحفظ مكانة الصحافة ودورها المهم في المجتمع.
وتتجسد أهم الفرص في ما كشفته الأزمة من أهمية استثنائية للصحافة كمصدر للمعلومة ما يعزز المسئولية المجتمعية الملقاه على عاتقها في توعية الجمهور، وإرشاده للتعامل مع الأزمة بتناول حالات الشفاء والاصابة والوفاة بشفافية ومصداقية، ووفقا لبيانات موثوقة صادرة عن جهات رسمية مسؤولة.
وكشفت متابعتي الدورية لبعض الصحف عبر مواقعها الالكترونية أن بعضها يركز على السلبيات متجنبًا أي إنجاز. وربما ينبع ذلك من اهتمامها بزيادة رصيدها من القراء وما يترتب عليه من جذب عدد أكبر من إيرادات الإعلان، فيما يبقى التحدي امام هذه الصحف في نفور المتلقين لرغبته في الابتعاد عن الأخبار السيئة التي لا تصدر سوى الإحباط واليأس.
وأكدت الكثير من مراكز البحوث أن مصداقية وسائل الإعلام تنخفض مع الإفراط في الأخبار السلبية التي تؤدى الى نتائج عكسية وحالة من النفور. وأشارت مارينا ووكر من " مركز بوليتزر" المنظمة غير الحكومية الأمريكية التي تدعم الصحافة أنها " ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحفي فنحن جميعا نواجه العدو نفسه وإنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية".
ومن ناحية أخرى، تضع بعض الصحف رأسها في الرمال وتتجنب الحديث عن أية سلبيات اعتقادًا منها أن المرحلة الحالية لا تحتمل أية نقد، أو أن الكشف عن حالات الإصابة والوفاة بالفيروس المستجد تسبب ذعرا لا داعي له، وكأنها ليست أزمة عالمية يصارع الجميع لاحتوائها. وتحرم هذه الصحف عمدًا المتلقي من تكوين رؤية واضحة المعالم حول الأزمة، لتقديمها حقائق مبتورة ومعلومات مشوهه بما يخدم مصالحها وليس مصلحة القارئ وحقه الأصيل في المعرفة.
ومن رحم التحديات، تتولد الفرص أمام الصحافة، بإعادة دورها ومسئوليتها المجتمعية كمصدر موثوق للمعلومة والخبر وذلك بنقل الحقيقة بموضوعية ومهنية. وأن ترسخ المؤسسات الصحفية مكانتها الأساسية كمراقب لأداء الحكومة وأداة لتنبيه الجمهور بالمسؤولية المشتركة لمواجهة الوباء التي لا تخرج عن معادلة طرفيها الدولة والمواطن.
ولا خلاف على أن السعي وراء الحقيقة أمر حتمي باعتباره أحد مبادئ الصحافة البناءة. وتتنامى أهميته في أوقات تتلاطم فيها أمواج الشائعات مع الحقائق الموثوقة، فلا يقتصر دور الصحافة على التحقق من دقة المعلومات فقط بل يتطلب أيضاً توعية المواطنين وتثقيفهم ليكونوا شركاء في التصدي للشائعات والمعلومات المغلوطة، مع ضرورة تقديم نماذج حية من المتعافين وسرد قصص نجاحهم في هزيمته بدلا من مجرد تقديم احصاءات عن عدد المصابين والوفيات.
وأخيرًا، من الضروري استثمار تحدي كورونا في ترسيخ أسس الصحافة البناءة التي تتجسد في المصداقية والشفافية دون تهويل او تهوين من واقع الأزمات، خاصة أن كثير من الدول ليس لديها خطة إعلامية أو استراتيجية لإدارة الأزمات وفق أسلوب علمي مدروس. وتتسم معالجاتها بالتخبط والعشوائية او اقتصار التغطية على الشكل الخبري مع تجاهل الدور التوعوي والتثقيفي، وضرورة تقديم نماذج تبث الأمل وترفع الروح المعنوية في مواجهة الوباء الذي يضرب في كل اتجاه فيما تبقى الصحف ومعالجتها المتوازنة خط دفاع مهم في كبح جماحه والتخفيف من تداعياته.