ما بين زيارة القبور وتوزيع الأموال.. كيف تعيش قرى مصر عيد الفطر
- منار محمدتكبيرات العيد تعلو من مسجد "الرحمن" الذي يبعد خطوات عن كوبري قرية الدويدة- إحدى قرى محافظة الشرقية- هواء الفجر المحمل بنسمات الصقيع يداعب غصون الشجر، ميقظًا الطيور، في الوقت الذي يسابق فيه الأطفال الزمن لارتداء الملابس التي لازالت تتصاعد منها رائحة التصنيع؛ للانضمام لصفوف منتظروا صلاة الفجر بمساجد القرية، قبل أشعال صواريخ عيد الفطر المبارك، الذي انطلقت صلاته في الـ5.56 حسب التوقيت الرسمي لمدينة الزقازيق.
بملابسه الريفيه وصنداله الملطخ بالوحل الجاف، استقل حماره وداعبه برفق كعادته صباحًا، معطيًا إياه إشارة الإنطلاق للحقل "قبل صلاة العيد بروح اسقى الأرض وأرجع أغير هدومي وأجري على الصلاة"، عقب ركعتي العيد انهالت التهاني على المصلين من بعضهم البعض، لكن ما هي إلا دقائق وأصبحت الساحات التي تطل عليها المساجد فارغة، فالمصلين رحلوا جميعًا في زيارة سريعة لقبور مواتهم "لأزم كل عيد بعد الطلاة أزور قبر أمي وأبويا وإبني واجيب مقرئ عشان يتلوا عليهم قرآن"- حسبما وصف طه محمد لـ"الميدان".
رغم سواد عباءة رحمة علي- التي أتمت عامها الـ33 منذ أيام، إلا أن دموعها الدافئة تركت ملامح واضحة عليها "ده أول عيد على جوزي، بعد ما لبست العيال قولت لأزم اجيله واقرأ الفاتحه"، لكن طفلها الذي لم يكمل عامه السابع كان متمسكًا بطرف عبائتها.
رغم الدموع التي تذرفها النساء من حواله على الراحلين، إلا أن قلبه مازال ينبض بحثًا عن فرحة العيد "أمى عايزة اشتري طيارة اطيرها فوق سطوح بيتنا عشان النهاردة العيد وأبويا عايزني أفرح".
خطواتها ثابتة ومتزنة، عيونها تتحرك بحرية على ملابس من حولها ممكن يماثلونها سننًا، التف حول رقبتها سلسال من الفضة الرخيصة، أما قدميها فتوارت في خجل داخل حذاء تحاوطه الخيوط السوداء التي أعادته للتماسك بعد أن تقطعت أغلب أطرافه "أبويا معهوش يجبلي هدوم زي العيال التانية عشان بيحوش للبس المدرسة بس أنا راضية ولما أكبر هبقي دكتورة وهجيب كل اللي نفسي فيه ليا ولأمي وأخواتي"- طبقًا لحديث خلود عبدالله، صاحبه الحادي عشر عامًا.
أجراس منازل القرية لا تهدأ.. صحون الكعك والبسكويت والترمس والسوداني متراصة بعناية إمام الزائرين، بينما أيدي الأطفال تملائها عشرات الجنيهات اللامعة، أكواب الشاي كان لها دورًا هى الآخرى في تلك الجلسات العائلية التي تواجدت في كل منزل، لكن أبطالها تتغير بين كل دقيقة وآخري، فيقول أحد مشايخ القرية، محمد رمضان "الأقارب لأزم يزوروا بعض بعد صلاة العيد والأطفال والستات تاخد عيديه، عشان الفرحة تدخل كل البيوت".