«فاطمة» أجبروها على الزواج في سن الـ١٥... واليوم تنتظر السن القانوني للطلاق
- زينب توفيق
عادت "فاطمة" من مدرستها إلى المنزل تحمل حقيبة أحلامها ففوجئت بوالدها يخبرها عن موافقته على خطبتها الأسبوع القادم من شاب لم تره من قبل.
بعد شهرين من الخطبة، قرر أهلها منعها من استكمال تعليمها استعدادًا للزواج، وحددوا موعد زفاف قريب قبل أن يتعدى سنها الخامسة عشر وهو سن غير قانونى يمنع تسجيل الزواج في الأوراق الرسمية.
بالرغم من المعاناة والإهانة في منزل أسرة زوجها بسبب عدم الإنجاب، لم تستطع " فاطمة " الطلاق إلا بعد مرور ثلاثة أعوام من الزواج حتي تبلغ السن الذى تتمكن فيه من استخراج وثيقة زواج تستطيع بموجبها توثيق الطلاق.
استمرت في معاناتها بعد الطلاق بسبب معاملة أهلها السيئة لرفضهم تحمل مسئوليتها المادية، مما اضطرها إلى العمل في أعمال متدنية. وهي اليوم تشارك في حملات لمناهضة الزواج المبكر، وتساعد الفتيات الصغيرات في السن على رفض الزواج قبل إتمام تعليمهن.
قصة هذه الفتاة تتكرر في مصر وعدد كبير من الدول النامية. فقد أعلنت منظمة اليونيسف أنه تم تزويج نحو ثلث النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة في العالم النامي في مرحلة الطفولة، وزواج الأطفال أكثر شيوعًا في جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة يتركن التعليم الرسمي، ويصبحن حوامل، والوفيات النفاسية المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصرًا مهمًا لوفيات الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15، و19 عامًا فى جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70000 حالة وفاة سنويًا.
وبحسب إحصاء الأمم المتحدة، فإن هناك 20 ألف حالة ولادة يوميًا، و302 مليون حالة إجهاض غير آمن للفتيات ما بين سن الـ 15 والـ 19 سنة، حيث تتزوّج 4 فتيات من أصل 10 دون سن الـ 18، كما أن حوالي 1 من أصل 8 فتيات تزوّجن أو ارتبطن قبل بلوغهن سن الـ 15.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن 117 ألف طفلة في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاما متزوجات أو سبق لهن الزواج. وسجلت محافظات الصعيد أعلى نسبة في زواج الأطفال، وطلاقهن، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية وهي البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان أقل نسبة في زواج الأطفال.
ويقوم الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الحكومة المصرية والمجتمع المدني في تعزيز عمل قدرات المجلس القومي للطفولة والأمومة والمجلس القومي للمرأة من خلال مشروع "تعزيز استراتيجية مصر القومية للسكان"، بمنحة قدرها 540 مليون جنيه من الاتحاد الأوروبي للعمل على تحديث الآلية الوطنية لحماية الطفل وتعزيز حقوقه في إطار مشروع "زيادة فرص الحصول على التعليم وحماية الأطفال"، ويدعم الاتحاد تعزيز قدرات "لجان حماية الطفل في 15 محافظة على مستوى مصر.
وقالت جيرمان حداد الممثل المساعد لصندوق الامم المتحدة للسكان وهو شريك في المشروع أيضا، إن الاتحاد الاوروبي يدعم برنامج استراتيجية تقليص زيادة السكان البالغ عددهم 98.7 مليون نسمة تقريباً والذي ينمو بنسبة 2.5 مليون سنويا.
وأشارت حداد إلى أن أهم أسباب الزيادة السكانية في مصر هي الزواج المبكر، ودعت الى تغيير المفاهيم السائدة بين السكان، مؤكدة أن برنامج "تعزيز استراتيجية مصر القومية للسكان" يركز على التخطيط الاسري خاصة تجاه السيدات اللاتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة والبالغة نسبتهن 57% من إجمالي السيدات، إلا أن ما يزيد عن نصفهن لا يواصلن استخدام الوسائل.
وشرحت حداد في لقاء مع صحافيين في معهد تحرير لاونج في القاهرة، تفاصيل البرنامج والذي يتضمن استراتيجية متكاملة للتصدي للزيادة السكانية، والذي يشمل عدد من الوزرات مثل وزارة التضامن، التربية والتعليم والشباب بالإضافة إلى وزارة الصحة والسكان.
وشددت كذلك على دور رجال الدين في التوعية والتثقيف خاصة علماء الأزهر الشريف، والكنيسة المصرية والذين قالت إنهم يلعبون دورا كبير لكي لا يتم تفسير بعض الآيات القرآنية أو المفاهيم الدينية بشكل مغلوط.
وقد بدأت الحكومة المصرية فيعام ٢٠١٨ المشروع بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي. وفي العام الماضي، انخفضت عدد الولادات في مصر بـ١٨٥ ألف مقارنة بالعام الذي سبقه. ويسعى البرنامج الى الوصول للفئة المستهدفة عن طريق التوعية في المدارس وعن طريق الجماعيات وأيضا من خلال البرامج التلفزيونية.
ويحذر أطباء نفسيون من آثار الزواج المبكر السلبية على المجتمع، ويرى عبد المحسن دغيم استشاري العلاج النفسي وعضو هيئة التدريس بجامعة المنيا، أنه "يعرض الفتيات للعديد من المخاطر والعواقب ومنها جهل الفتاة بأمور الزواج، وعدم إلمامها بالأمور المتعلقة بالجنس والعلاقات الحميمة وقد يصل في بعض الأحيان إلى تعنيفها لممارسة الجنس بشكل إجباري". ويضيف أن الفتاة التي تتزوج في سن صغير "قد تتعرض لفقر الدم في حالة الحمل المبكر"، ويشير أيضا الى أن "عدم فهم المراهقة للأمومة يعقها في قدرتها على تربية الطفل تربية صحيحة، وفي كثير من الحالات يحدث الانفصال والطلاق"، ويستنتج بأن "الزواج المبكر للمراهقة يصبح تعد على حقوقها وإنسانيتها".
ويحذر رجل الدين كذلك من الزواج المبكر، ويصف محمد يوسف مأذون إحدى قرى مركز أبو قرقاص الزواج المبكر بأنه "جريمة في حق الطفولة" ويقول: "نحن نعيش في مجتمع ريفي يغلب عليه العادات والتقاليد القديمة، ولذلك تميل القرى إلى فكرة الزواج المبكر وتعتبرها ستر للبنت وعفة لها ولكن هناك أضرار لم تخطر على بال الآباء عندما يقومون بتزويج بناتهن في سن مبكر مثل ضياع لحقوقها الشرعية، حيث لا يوجد عقد رسمي تستطيع من خلاله الحصول على حقوقها، أو حقوق أطفالها عند إنجابها قبل وصولها السن القانوني".
واقع يأمل القيمون على برامج التوعية أن يتغير، عله يسمح لفاطمة وغيرها الكثيرات بعيش طفولتهن وتفادي الزواج المبكر.