الجمعة 22 نوفمبر 2024 07:45 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

مفتي الجمهورية لمفتي العالم: "أمة الإسلام تستغيث بكم استغاثة المريض بالطبيب"

- مفتى الجمهورية : مشروعات واعدة على أجندة "أمانة الإفتاء" وجهود بالغة لدفع عجلة تطوير الخطاب الديني الذي يمر بتحديات كبيرة

-   أنظار الأمة الإسلامية تتجه إلينا .. وتوصيات المؤتمر ستتحول إلى برامج عمل تنتشلنا من مخططات التطرف والإرهاب

-  هناك أخطارٌ كبيرة تحيق بديننا وبشعوبنا .. ومؤتمرنا يهدف إلى بعث الروح الحضارية في قضية الخلاف الفقهي من جديد

-   مكانة مصر التاريخية والدينية تجعلها تضطلع بالجسيم من المسئوليات التي لن تتخلى عنها يومًا ما

 

أعرب الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، عن امتنانه بالمشاركة في مؤتمر "إدارة الخلاف الفقهي" الذي يجمع لفيفًا مبجلًا من العلماء في مثل هذا الوقت من كل عام، للتباحث والتشاور في كبرى القضايا والنوازل والإشكالات التي تشتد إليها حاجة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

وجاء في نص كلمته:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، عليه وعلى آله وصحبه ومن تَبِعَ هداه إلى يوم الدين.

أما بعد، 

تحية المنصة حسب الحضور والبروتوكول

أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فيسعدني أولًا في مفتتح هذا المؤتمر المبارك أن أُبلغ أصحابَ المعالي والفضيلة الحضور الكرام من المفتين والوزراء والعلماء والدارسين والباحثين تحيةَ ترحيبِ الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.

 

كما يُشرفنا أن نتوجه لسيادته بكامل التقدير والاحترام لرعايته مؤتمرنا هذا.

 

وبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن شعب مصر الأصيل يشرفني أن أرحب بكم في وطنكم الثاني مصر، وأن أُعرب لكم عن سعادتي بمشاركتكم في هذا المؤتمر الذي يجمعنا في مثل هذا الوقت من كل عام، لنتباحث ونتشاور في كبرى القضايا والنوازل التي تشتد إليها حاجة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

السادة العلماء: إن انعقاد مؤتمر الأمانة العامة بتعاونكم في مصر الكنانة أمرٌ ليس بالجديد على بلدكم مصر، فمصر بما لها من مكانة تاريخية وحضارية وعلمية ودينية تضطلع بالكثير من المسئوليات والأدوار والمهام التي لم ولن تتخلى عنها يومًا. مصر الأزهر ومصر الحضارة ومصر النيل الذي يمثل شريان الحياة وعصب الحضارة المصرية، بلدٌ مَن دخلها كان آمنا بل يصبح واحدًا من أبنائها الذين تعتز بهم وتحتفي بقدومهم.

 

السادة الأجلاء: نحن نعلم أن مشاركة العلماء المعنيين بشؤون الأمة الإسلامية - وخاصة المشتغلين بمجال الإفتاء - في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات الجادة التي تُعنى ببحث النوازل التي تشتد إليها حاجة الأمة الإسلامية وتشغل بال المسلمين، ليست أمرًا تحسينيًّا يمكن الاستغناء عنه، بل هي رسالة سامية وعمل شاق وتأديةٌ لما فرضه الله علينا من القيام بواجب الوقت، واستجابةٌ للنداء القرآني الذي خاطب الله به أهلَ العلم والفتوى في كتابه الكريم بقوله تعالى:  {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

 

لذلك فإنني أدعو الله سبحانه أن يبارك في عملنا هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأرجو من الله للسادة العلماء المشاركين إقامةً طيبةً وعودًا حميدًا وسدادًا وتوفيقًا فيما ندبنا الله لأجله، فإن أنظار الأمة الإسلامية تتوجه في كل عام إلى مؤتمرنا هذا بعين المتابعة والاهتمام البالغَين، وذلك نظرًا لأهمية ما يُطرَح فيه من قضايا ذات شأن عظيم، وانتظارًا لما يُسفِرُ عنه – بفضل جهودكم - من نتائج وتوصيات، سَرعان ما تتحول إلى برامج عمل واقعية ترتقي بواقع الأمة الإسلامية وتنتشلها من براثن مخططات جماعات التطرف والإرهاب.

 

الحضور الكريم: إن الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمانة العامة منذ عام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعةٍ وثلاثين للهجرة المشرفة الموافق ألفين وخمسة عشر للميلاد وحتى الآن، والمتمثلة في عقد المؤتمرات وإطلاقِ المبادرات المختلفة التي تهدفُ إلى محاربة أفكار التطرف والإرهاب وإطلاقِ برامج التأهيل والتدريب ونشر الإصدارات العلمية المختلفة من موسوعات علمية ومؤلفات رصدية لمتابعة مؤشرات الحالة الدينية والإفتائية على مستوى العالم، وإعداد المناهج العلمية الإفتائية التي تُساعد المؤسساتِ الأكاديمية على مستوى العالم على تدريس منهجٍ خاصٍّ بالإفتاء، وإطلاقِ العديد من المشروعات الواعدة، إضافةً إلى اقتحام الفضاء الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي بما فيها من تشابك وتعقيد  - إنما تهدف الأمانة العامة من سائر هذه الجهود لدفع عجلة تطوير وتجديد الخطاب الديني في عالمنا الإسلامي الذي يمر بتحديات كبيرة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، تتطلب منا بذل المزيد من الجهد والتعاون من أجل مجابهة أخطار تيارات التطرف والإرهاب التي تهدد الأمة في حاضرها ومستقبلها.

 

السادة العلماء: إننا نجتمع في عامنا هذا لنطرح على مائدة البحث والتشاور والعمل قضيةً من أهم وأخطر القضايا المعاصرة وهي قضية (الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي)؛ هذه القضية التي تشتد حاجة الأمة إلى بحثها في ظل الظروف والمتغيرات الراهنة التي يعلمها الجميع، وذلك للتأكيد على أن العلماء المسلمين المعتَمدين قد اعتبروا الخلاف الفقهي ظاهرة صحية تعكس مدى مرونة وحيوية الفقه الإسلامي الوسيع وملائمته لكل زمان ومكان، ذلك أنه كان سببًا فاعلًا في تكوين ثروة فقهية وتشريعية قلما توجد في أمة من الأمم.

 

وقد جاء اختيار هذا العنوان من إرادة حقيقية لا تقف عند معالجة المشكلات الفكرية والأخلاقية في تناول الخلاف الفقهي، وإنما تمتد إلى نية صادقة لاستثمار هذا الخلاف وإدارته بأسلوب رشيد ليكون أداةً فاعلة في دعم منظومة المشاركة الفقهية والإفتائية في الحضارة المعاصرة بعمومها وخصوصها على المستوى المحلي والصعيد الإنساني.

 

ولقد كان للتعامل الحضاري مع قضية الخلاف الفقهي أثرٌ حميد في وحدة المسلمين وتعايشهم مع الديانات والثقافات والحضارات المختلفة، وأثَّر ذلك في تراكم ثروة معرفية تشريعية امتد تأثيرها والاستفادة منها إلى دساتير وقوانين دول العالم الحديث، وهذه الروح الحضارية هي التي يعمل المؤتمر على إحيائها وبعثها من جديد.

 

السادة العلماء .. الحضور الكريم

 

لقد كان لعلمائنا الأجلاء من الأصوليين والفقهاء جهودٌ علمية مشكورة في وضع الضوابط والأصول التي نستطيع أن نُطلق عليها مصطلح (الإدارة الحضارية للاختلاف الفقهي) من بينها أنهم قد جعلوا للاجتهاد شروطًا تجعل الخلاف محصورًا بين أهل العلم المعتَبَرين، حتى لا يكون الاجتهاد كلأً مباحًا لكل مدعٍ لا أهلية له، إلى غير ذلك من القواعد المقررة في باب الاجتهاد وكيفية الاستنباط وشروطه.

 

بل إنهم وضعوا القواعد الذهبية التي ترسم المعالم الحضارية للاختلاف الفقهي وتسلك به مسلك الاتساع والمرونة وتنأى به عن مسالك الجمود والفتنة والضيق والعنت، ومنها على سبيل المثال قاعدة: «أنه لا إنكار في المختلف فيه وإنما ينكر المتفق عليه».

 

وقاعدة: «الخروج من الخلاف مستحبٌ».

 

وقاعدة: «مَن ابتُلي بشيء من الخلاف فله أن يقلد من أجاز».

 

والأمر لا يقتصر على الجانب الأصولي والفقهي فقط في استجلاء وفهم التعاطي الحضاري مع قضية الخلاف الفقهي؛ بل لابد من النظر إلى البعد الأخلاقي والقيمي الذي كان عليه أسلافنا الكرام رضي الله عنهم في مواطن الاختلاف؛ حتى تتضح أمام أعيننا معالم المنهج الحضاري في إدارة الخلاف.

 

ويتجلى ذلك في موقف إمام دار الهجرة مع الرشيد عندما قال لمالك رضي الله عنه: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمانُ الناسَ على القرآن، فقال: أمَّا حملُ الناس على «الموطأ» فليس إلى ذلك سبيل، لأنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختلاف أمتي رحمة».

 

إن هذا التعامل الحضاري المتمثل في موقف الإمام مالك في إدارة الخلاف الفقهي واعتباره أنتج ثروة فقهية عظيمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، وأثمر رحمة بين العباد وتعايشًا بينهم في مناخ آمنٍ يسوده الحب والرحمة والسلام، ولا زلنا نرث هذا الرقي الحضاري جيلا بعد جيل حتى نبتت في أمتنا نابتة سوء انتهجت منهج الخوارج، وجعلوا من الفروع الفقهية أصولًا عَقَدية، كفَّروا بها كل مَن خالفهم، وتنكبوا منهج الهدى والخير الذي ورثناه عن أسلافنا الصالحين، وعلى الرغم من كل هذا التخالف بينهم وبين المنهج السلفي الأصيل زعموا كذبًا وزورًا أنهم يُحيون منهج السلف، ويتبعون طريقتهم، وقد تضررت الأمة كثيرًا من ممارسات هذه التيارات على اختلاف مشاربها وكثرة أهوائها، فقد تحول التفكير إلى تكفير متشدد لا يعترف إلا بذاته ولا يعتقد إلا في نجاته، وقد تطور هذا التكفير إلى التفجير، وسُفكت الدماء التي حرمها الله بغير حق، وانتشرت الفتن في كل أرضٍ نزلوا بها، حتى شكلوا خطرًا حقيقيًّا على العالم بأسره، فواجب العلماء والفقهاء والمجتهدين أن يتصدوا لهذه الأفكار الهدامة، وها هي أمة الإسلام تستغيث بكم استغاثة المريض بالطبيب من أجل القضاء على هذا المرض المستطير؛ فلا نجاة لأمتنا إلا باجتماع كلمتكم على مواجهة مثل هذه الأخطار.

 

وفي ختام كلمتي أود أن أكرر شكري وامتناني وترحيبي بكم في وطنكم الثاني مصر، وأرجو لكم المدد والتوفيق من الله تعالى وأن يكلل جهودكم بالنجاح وأن يجمع كلمتكم على الحق والخير، وأؤكد أن الأمانة بجهودكم وتعاونكم وتشارككم لتزداد رسوخًا وتقدمًا ونجاحًا عامًا بعد عام، وإنا لنسعى ونتطلع إلى المزيد، وما توفيقنا إلا بالله.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

المفتي الافتاء إدارة الخلاف الفقهي شوقي علام الافتاء