صفق الكثيرون ، وأنا أحدهم بالمناسبة ، لقرار الفنان المخضرم هاني شاكر ، نقيب المهن الموسيقية ، بمنع 16 "مطرب مهرجانات" من الغناء في حفلات عامة واقتصار ممارستهم "حرفة الغناء" ، إن جاز لنا التعبير ، على أفراح الحواري .
لكن فرحتي هذه لم تكتمل وبكل أسف بعد مطالعة قائمة الأسماء التي تضم "بيكا" و"شطة" و"كزبرة" .. إلى آخر هذه الأصوات التي ما أنزل الله بها من سلطان دون أن أطالع اسم كبيرهم الذي علمهم الفجور والبلطجة والرقص عارياً بالسنجة والساطور والخرطوش المدعو محمد رمضان الذي يستحق عن جدارة لقب رأس الأفعى في افساد كل القيم الأخلاقية والفنية تحت سمع وبصر ورعاية أولئك الذين منحوه فرصة التخريب التي فشل الصهاينة ذاتهم فيها .
فإذا كان هؤلاء الذين شملهم قرار المنع من إحياء الحفلات أجرموا وأساءوا إلى الفن المصري قيراطاً .. فإن ما فعله ويفعله محمد رمضان قد أفسد جيلاً كاملاً وخرب الذوق العام وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي ، فلا يجوز بأية حال أن تقطع ذيل الأفعى وتترك رأسها يا أمير الغناء العربي ، فاستمرار "عبده موتة" وترك الحبل على الغارب له يعطي انطباعاً يرقى إلى اليقين بأن الدولة لم تعد قادرة على التحكم في الذوق العام ، كما أن ثقافة النخبة لم تعد مهيمنة بل حلت مكانها هذه الأصوات والأشكال الضالة .
ولا يخفى على أحد من قريب أو بعيد أن هناك من يشجع على شيوع وانتشار مثل تلك الأوان المنحطة من الأغاني والأفلام من خلال أذرع إعلامية وإنتاجية بصورة أدت إلى تجريف الفن المصري وإزاحته من العرش العربي والعالمي الذي طالما تصدره .
فبحسرة شديدة وألم لا يمكن وصفه تخترق أسماعنا كلمات قبيحة وأنغام مزعجة وحشرجة أصوات تعبر عن حالة الفوضى والانفلات التي باتت تحكم سوق الغناء التي كانت بحق بلد الفن الأصيل والأنغام الخالدة والأصوات الملائكية ، وبكل أسف لا يستطيع أحد النجاة من هذا التلوث الفني الذي يعتبره البعض هذه الأيام أغنيات .. وهي في الحقيقة لا تعد كونها ” عوادم مواتير خربانة” أو مخلفات بلاعات مجاري .
وبعد أن كان الفن المصري أحد أهم عناصر القوى الناعمة في محيطنا الإقليمي أصبح أداة لإفساد الذوق العام وتشويه صورة المجتمع المصري بالخارج" ، أكثر من هذا طالما وقف القانون ، ممثلاً في نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر ، عاجزاً عن مواجهة هذه الأعاصير الجارفة ، فكم من مرة اتهم نقيب الموسيقيين "فرق المهرجانات" بتخريب الذوق العام ، والمساهمة في تراجع ريادة مصر الموسيقية ، لكنه دائما ما كان يردد أن النقابة لا تستطيع السيطرة على تمدد هذا النوع من الموسيقى : "إنهم يغنون في الأزقة والحارات والشوارع واليوتيوب" على حد تعبيره .
ويخطئ من يعتبر هذه الفوضى التي اصطلح على تسميتها "أغاني المهرجانات" نوعا من الفن الشعبي ، فمثل هذه النوعية من الكلمات المزرية والموسيقى المقززة لا تمت للأغنية والموسيقى الشعبية بصلة ، ولكنها بكل أسف وجدت طريقها للانتشار بين شريحة ليست قليلة من ابناء المجتمع بسبب عدة عوامل لعل من بينها الفقر والجهل وغياب آليات هيئة الرقابة على المصنفات الفنية التي تترك الساحة أمام "كل من تسول له نفسه" ارتكاب هذه الحماقات تحت اسم الفن الشعبي وهو منها براء .
إن القضية جد خطيرة وشائكة ومتشعبة ولابد لمعالجتها من البحث عن إجابات لعدة تساؤلات منها : كيف استقطبت هذه الألوان الساقطة للغناء شرائح كبيرة من الشباب حتى أن أحد هؤلاء "المرزعجية" حصل على ملايين المشاهدات واحتل مركزاً متقدماً على موقع الصوتيات العالمي "ساوند كلاود" ، وكيف وصل هذا الرجل إلى الملايين ، في حين فشل الجميع؟ وهل نلومه لأنه استطاع أن يعبر عن هؤلاء الناس بلغة يفهمونها ، أم أن المشكلة في ثقافة مجتمع ظلت تتراجع حتى وصلت إلى هذا المنحدر السحيق ؟