أردوغان يورط بلاده في مستنقع الأزمة الليبية
- رمضان إبراهيميندفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل ثقل إلى الساحة الليبية في مغامرة عسكرية جديدة على غرار تدخله في سوريا، مراهنًا على دعم من إسلاميي تونس لتوفير منصة تسند مشروع التمدد الإخواني في المنطقة.
وفيما تقترب بلاده من الانخراط عسكريًا في الصراع الليبي مع إعلانه (أردوغان) نيته إرسال قوات مسلحة إلى طرابلس لمساعدة قوات حكومة الوفاق والميليشيات المتشددة الموالية لها بناء على طلبها في مواجهة تقدم الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، تتقلب تركيا بين أزمة وأخرى وتوترات متناثرة مع حلفاء وشركاء غربيين.
ويسعى الرئيس التركي لإيجاد موطئ قدم في غرب ليبيا بأي ثمن حتى لو كلفه ذلك توريط بلاده في مستنقع يصعب الخروج منه، حيث تثير تحركاته مخاوف محلية من ارتدادات داخلية سياسية واقتصادية.
واستعجل حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الذي يملك الغالبية البرلمانية، التدخل عسكريًا في ليبيا ضمن مشروع قانون لإرسال قوات تركية إلى الغرب الليبي دعما لحكومة فايز السرّاج.
وكان السراج قد استدعى تدخلًا عسكريًا تركيا قائلا في مقابلة مع صحيفة ايطالية إنه لا يجد بديلًا عن طلب المساعدة من تركيا فيما يواصل الجيش الوطني الليبي تقدمه نحو العاصمة طرابلس.
وقال أردوغان الخميس إن تركيا سترسل قوات إلى طرابلس بناء على طلب منها في مطلع الشهر المقبل، مما يزج بالصراع الدائر هناك في بؤرة خلافات إقليمية أوسع نطاقا.
وتأتي التحركات التركية فيما يواصل الجيش الوطني الليبي تقدمه نحو العاصمة الليبية في "معركة الحسم" لتحريرها من الجماعات المتطرفة التي تدعم حكومة الوفاق الوطني التي تعتبر واجهة سياسية لجماعة الإخوان.
ووقعت أنقرة اتفاقين منفصلين الشهر الماضي مع حكومة السراج أحدهما بشأن التعاون الأمني والعسكري والآخر يتعلق بالحدود البحرية في شرق المتوسط.
وينهي الاتفاق المتعلق بالحدود البحرية عزلة تركيا في شرق المتوسط بالتزامن مع تكثيفها لأنشطة التنقيب عن النفط والغاز مما أثار غضب اليونان وبعض دول الجوار الأخرى، ويحافظ الاتفاق العسكري على حليفتها الوحيدة في المنطقة وهي طرابلس التي تطوقها قوات الجيش الوطني الليبي.
وقال التركي في كلمة ألقاها أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية "نظرا لوجود دعوة من ليبيا في الوقت الراهن فإننا سنقبلها"، مضيفا "سنضع مشروع قانون إرسال قوات إلى ليبيا على جدول الأعمال بمجرد بدء جلسات البرلمان".
وتابع أن البرلمان قد يقر التشريع في الثامن أو التاسع من يناير/2020، مما يفتح الباب لنشر قوات تركية في غرب ليبيا، لكن لم يتضح أي دعوة كان أردوغان يشير إليها تحديدًا، إذ أن فتحي باشاغا وزير الداخلية في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها أشار في تصريحات للصحفيين في تونس إلى أن ليبيا لم تقدم بعد طلبا رسميا بذلك.
وقال باشاغا الخميس "إذا ظل هذا الموقف يتصاعد فلنا الحق في أن ندافع عن طرابلس وعن أهلنا، سوف نطلب من الحكومة التركية طلبا رسميا بدعمنا عسكريا حتى نستطيع إبعاد شبح القوات المرتزقة".
وتلوح أنقرة منذ أسابيع باحتمال القيام بمهمة عسكرية في ليبيا بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على بدء الجيش التركي توغلا في شمال شرق سوريا مستهدفا المقاتلين الأكراد.
وأرسلت تركيا بالفعل إمدادات عسكرية إلى حكومة الوفاق الوطني بالرغم من حظر على الأسلحة تفرضه الأمم المتحدة وذلك وفقا لما ورد في تقرير للمنظمة الدولية.
وزار الرئيس التركي تونس أمس الأربعاء لبحث التعاون بشأن إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا. وادعى الخميس أن تركيا وتونس اتفقتا على دعم حكومة الوفاق الوطني.
لكن الرئاسة التونسية أصدرت الخميس بيانا نفت فيه نفيا قاطعا صحة الاتفاق مع تركيا على دعم حكومة السراج أو الاصطفاف مع أي جهة ضد جهة، مؤكدة أن تونس "لن تقبل أبدا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها".
وقالت "تؤكد رئاسة الجمهورية أنّ تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق ولن تقبل أبدًا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها".
وتابعت "أمّا التصريحات والتأويلات والادعاءات الزائفة التي تتلاحق منذ يوم أمس (الأربعاء) فهي إمّا أنّها تصدر عن سوء فهم وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من نفس المصادر التي دأبت على الافتراء والتشويه".
وقالت أيضا "وإذا كان صدر موقفٌ عَكَسَ هذا من تونس أو من خارجها فهو لا يُلْزمُ إلّا من صرّح به وحدهُ"، مضيفة "إنّ رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحريّة قرارها وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش ولا توجد ولن توجد أيّ نيّة للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف".
وشدّد بيان الرئاسة التونسية أنه "على من يريد التشويه والكذب أن يعلم أنّه لا يمكن أن يُلهي الشعب التونسي بمثل هذه الادعاءات لصرف نظره عن قضاياه الحقيقية ومعاناته كلّ يوم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص".
كما عبرت روسيا وليبيا الخميس عن قلقهما من احتمال نشر تركيا قوات في ليبيا لدعم حكومة السراج.
وقال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اتفقا اليوم الخميس على أن الموقف في ليبيا يجب أن يحل بطريقة سلمية.
وأضاف الكرملين على موقعه على الإنترنت أن بوتين وكونتي ناقشا أيضا خلال مكالمة هاتفية الملف السوري ونتائج قمة نورماندي التي تناولت أوكرانيا.
وجاء الموقف الروسي في خضم الردّ على مزاعم للرئيس التركي قال فيها "روسيا موجودة هناك بألفي مقاتل من فاجنر"، مشيرا أيضا إلى وجود نحو خمسة آلاف مقاتل من السودان وتساءل "هل دعتهم الحكومة الرسمية للحضور؟ لا".
وقال "كلهم يساعدون بارون حرب، بينما نقبل نحن دعوة من الحكومة الشرعية للدولة. هذا هو اختلافنا". وكان أردوغان يشير إلى قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر والتي تحظى حملتها على الإرهاب في غرب ليبيا بدعم من عدة دول عربية وغربية.
وقال سنان أولجن وهو دبلوماسي تركي سابق ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسات الخارجية إن من وصفهم بالمرتزقة الروس وضعوا المزيد من الضغط على حكومة الوفاق الوطني "وسرّعوا من وتيرة التعاون بين طرابلس وأنقرة لتعويض ذلك".
وأضاف "يتعين أن يتم نشر القوات على الفور.. لكن الخطر يكمن في أن تركيا تنزلق نحو مباراة عسكرية السبيل الوحيد فيها هو المزيد من المشاركة والتصعيد".
وأجرى مسؤولون أتراك وروس محادثات في موسكو هذا الأسبوع سعيا لحل أزمتي ليبيا وسوريا. وذكرت صحيفة فيدوموستي الروسية اليوم الخميس أن المحادثات استمرت ثلاثة أيام وهي مدة أطول بكثير مما كان متوقعا.
وتركيا على خلاف في المتوسط مع اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل على الحق في استغلال الموارد المتاحة قبالة جزيرة قبرص المقسمة، وتقول أثينا إن الاتفاق المتعلق بالحدود البحرية الذي أبرمته أنقرة مع طرابلس مخالف للقانون الدولي.