السبت 23 نوفمبر 2024 12:39 صـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

«سعد» و«مكرم» و«شكري» .. حلم الرمز السياسى الذي ينتظره المصريون.. متى تجود أرض النيل على أبنائها؟

سعد باشا زغلول
سعد باشا زغلول

 

"رمز سياسى" هذا هو حلم المصريين الذى لطالما انتظروه عشرات السنين لخلق قائد سياسى من طراز فريد يوازى أو يقترب من القامات السياسية التاريخية فى مصر الملكية ومطلع إعلان الجمهورية مثل الزعيم سعد زغلول والسياسى المحنك مكرم عبيد والبارع الوطنى إبراهيم شكرى، بيد أن هذا الحلم لم يتعد خواطر المصريين ليتحقق على أرض الواقع.

 

سعد زغلول، زعيم سياسى ووطنى محنك لم تجد مصر على أبنائها بمثله حتى الآن، فهو الذى نذر حياته للنضال ضد الملكية والاحتلال الإنجليزى، وانضم إلى الجماعات الثورية، وتم نفيه فى 8 مارس 1919 ليتسبب ذلك فى انفجار ثورة 1919، واضطر الاحتلال إلى الإفراج عنه وزملائه وعاد ليقود مفاوضات جلاء الاحتلال عن مصر وتولى منصب رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس الأمة، ولا زال اسمه تاريخًا عالقًا فى وجدان الشعب شيوخًا وشبابًا وأطفالًا يدرسون مسيرته النضالية فى كتب التاريخ.

 

مكرم عبيد، سياسى ومفكر مصرى، شغل منصب وزير المواصلات ثم وزير المالية فى مصر فى 3 وزارات، يعد أحد رموز الحركة الوطنية فى مصر، حيث كان ضمن الوفد المصاحب لسعد زغلول، وتم نفيه مع الآخرين إلى جزيرة مالطة وعادوا بعد ثورة 1919، مكرم عبيد صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها، والواضع الأول لكادر العمال فى مصر ووضع الحد الأدنى للأجور وتوفير التأمين الاجتماعى لهم، وواضع نظام التسليف العقارى الوطنى، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل، وقام بالدفاع عن الشباب الثوريين ضد الاحتلال، ودافع أيضًا عن الكاتب والمفكر الكبير عباس العقاد، حين اتهم بسب الذات الملكية، فقلما يجود الزمان بمثل هذا الرجل المناضل لأجل حرية وحقوق المصريين.

 

إبراهيم شكرى، سياسى مصرى ووزير زراعة سابق، ومؤسس ورئيس حزب العمل الاشتراكى، خاض مواجهات ضد الاحتلال الإنجليزى وأصيب برصاصات الشرف، وتم تكريمه من قبل الجمهورية فى الحقبة الساداتية، لكونه صاحب فكرة قانون الإصلاح الزراعى قبل الثورة عام 1950، وأنشأ حزب العمل الاشتراكى فى عام 1978، وحمل الحزب أهداف خط الدفاع عن الفقراء والمطحونين من أبناء مصر، تبنى نهجا إسلاميا معتدلا، والوقوف بقوة ضد التقارب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.النماذج السابقة حفرت اسمها فى تاريخ ووجدان الشعب المصرى والعصر الحديث، وهو ما كان دافع "الميدان" لرصد آراء وتحليلات عدد من الشخصيات السياسية حول السر وراء طول أمد حلم إيجاد رموز سياسية حقيقية، وكيف يتم ذلك، وما الأسباب التى أدت إلى عدم ظهور هذه الشخصيات من جديد، بين سؤال هل عَقرت مصر أن تلد مثل هؤلاء، أم أن هناك من يسعى إلى وأد هذا الحلم فور أن تبدو ملامح تحقيقه على أرض الواقع.

 

نفعية النخب

 

الدكتور مختار محمد غباشى، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، علق على عدم ظهور رموز حقيقية تقود الحياة السياسية فى مصر حاليًا بقوله: "الرمز السياسى مرتبط بما له من رصيد فى الشارع، والنخب السياسية فقدت هذا الرصيد، لأنها نخب لها أغراض شخصية، وبعضها غير قادر على التواصل مع الشارع، والبعض الآخر تتبدل مواقفه أو يراها الشارع غير مقنعة فينفض من حولها".

 

غباشى، أضاف فى تصريح خاص لـ"الميدان"، أن القائد السياسى يستمد عظمته بما يمتلك من رصيد فى الشارع، ويمثل أمل الناس فى تحقيق الحريات والحياة الديمقراطية السليمة، وأن يسعى إلى توفير معيشة كريمة للمواطنين، بيد أن هذه الأهداف غير مدرجة حتى الآن على أجندة أى من النخب السياسية الموجودة حاليًا.نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية.

 

وأردف نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، محللًا الوضع الراهن حول كيفية إيجاد هذه الرموز، قائلًا: "المناخ السياسى ليس مواتيًا، كما أن النخب فشلت فشلًا ذريعًا فيما بعد ثورة يناير، وخطفت منها الثورة، وكل من كان فيها خارج السياق السياسى الآن، وكل من تصدر المشهد سقط، حيث نزل الشارع فى الانتخابات التى أعقبت الثورة بالطوابير لشعوره أنه يمكن التغيير وتحقيق أهدافه، فيما عزف مرة أخرى بعد أن وجد أن أهدافه وطموحاته مجرد سراب يرسمه له النخب السياسية الفاشلة، فعادت نسب الإقبال على المشاركة فى الحياة السياسية بين 10 و20% من جموع الشعب".

 

غباشى، استنكر عدم وجود ديمقراطية صحيحة وصراع حزبى حقيقى لمصلحة الناس، قائلًا: "الصراعات الحزبية الآن شخصية، والأحزاب أصبحت نخبوية وليست شعبية، ونمتلك 105 أحزاب سياسية لا يوجد لها رصيد يتخطى مئات الآلاف بالشارع، وهو ما يدلل على أن جميعها أحزاب كرتونية فقط".

 

الأنظمة ووأد البذور

 

المحلل السياسى، أكد أن الأنظمة السياسية الحاكمة على مدار العقود الماضية تحاول منع ظهور شخصيات سياسية قوية لضمان استمرارها فى الحكم، مستغلة بذلك أدوات إعلامية وأمنية تخدم على هذا الهدف، والظرف حاليا لا يسمح بظهور شخصية تقود الحياة السياسية، وكل من يظهر يتم وأده حتى لا يصبح رمزًا سياسيا، مستشهدا فى كلامه بما حدث مع عصام حجى.

 

الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، رأى أن المجتمع المصرى وفقًا لما هو ثابت فى تاريخه يبحث عن رمز للالتفاف حوله، إما يكون قدوة ومثلًا أو إلهًا يطيعونه بدون تفكير، وهو ما يعد أحد أهم أسباب تخلف المجتمع المصرى حتى الآن.

 

وأضاف مهران، فى تصريح خاص: "إن تدنى المستوى الفكرى والثقافى لدى الشارع المصرى وشعور العوام بأن القيود هى سبيل الأمان تجعله يعزف عن الداعية للحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية خوفًا من بطش الأنظمة السياسية الحاكمة".

 

"ريش الدجاجة"

 

"ريش الدجاجة"، قصة استدلالية أخبرنا بها المحلل السياسى والحقوقى، قائلًا: "كان هناك رجل ينزع ريش دجاجة حتى انتزعه كله، ثم بعدها قام بالإمساك بفتات الخبز ورماه لها، فهرولت الدجاجة وراءه ونسيت الألم الذى تسبب به هذا الرجل لها، وهو ما يحدث مع المصريين ينسون العذاب بارتفاع المعيشة والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية لأجل لقيمات يلقيها لهم الطبقات النفعية، التى تشبه الإقطاع فى الحقبة الملكية بشكل كبير".

 

مهران، أكد أن ديكتاتورية الأنظمة الحاكمة تسببت فى وأد أية مشروع لقائد سياسى، حيث يتم تشويه أى رمز يستشعر النظام الحاكم أنه سيلتف حوله الناس ويصبح قدوة ومثلًا للشباب خاصة، مثلما حدث مع الدكتور محمد البرادعى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والمحامى الحقوقى خالد على والناشط الشاب أحمد ماهر، حيث اتهموا بالخيانة والعمالة لتشويه صورتهم لدى الشارع المصرى.

 

مدير مركز القاهرة، توقع أن تظهر على الساحة رموز سياسية تشبه الرموز التاريخية، عندما يكون هناك حرية للرأى والتعبير من غير خوف، قائلًا: "عندما يتعدل الواقع الأليم الذى نمر به الآن ستولد رموز سياسية قادرة على نشر الحرية والعدالة والتنمية بالشارع المصرى".

 

المنسق العام للتجمع الحر من أجل الديموقراطية والسلام، محمد سعد، أكد أن هناك منهجية متبعة من قبل الأنظمة الحاكمة منذ ثورة 1952 لإخلاء الساحة السياسية وتصحيرها عبر آليات واضحة، قائلًا: "كل ما كان يبشر برمز مدنى سياسى يتم محاربته وتشويهه، وبالتالى سياسة التطويق ومحاولات الاستجلاب والاستمالة للنظام نجحت فى الحيلولة دون ميلاد رمز سياسى حقيقى".

 

وأضاف سعد، فى تصريح خاص،: "هناك سعى من الأنظمة السياسية لصنع رموز سياسية وهمية تقود زمام المعارضة بمعارك وهمية مع النظام لإيهام الشارع أن هناك معارضة وحياة سياسية ثرية، بينما تخدم هذه الرموز الوهمية النظام وتدعمه، وإن كان بشكل غير مباشر".

 

ومضى منسق التجمع الحر من أجل الديمقراطية والسلام قائلًا،: "هناك عمليات تدمير للتعلم والحياة السياسية لمنع ظهور جيل مثقف واع، بينما الرموز السياسية لا تصنع، إنما تخرج وتتحدث عن نفسها، وأرى فى البرادعى رمزًا سياسيًا لا يقل عن الرموز الأوائل متجرد يقدم الغالى والنفيس للوطن "على حد وصفه"، إلى جانب المستشار هشام جنينة والناشطة النقابية منى مينا هذا المثلث له مستقبل واعد، إذا ما اتجهوا للعمل السياسى المجرد، فلديهم جميعًا معارك نضالية محترمة، ويستطيعون أن يقدموا يد العون للمجتمع لقاطرة التنمية والحرية والحقوق، كما أنهم رموز سيتوافق عليها الجميع".

 

سعد باشا زغلول مكرم عبيد إبراهيم شكرى الدكتور مختار محمد غباشى الدكتور أحمد مهران ريش الدجاجة