أمن مصر المائي لا يعرف الحلول الوسط !!
محمد يوسف
على مدار الأيام الماضية تصاعدت نبرات المخاوف من انسداد قنوات الحوار بين مصر وأثيوبيا على إثر إصرار أديس أبابا الإضرار بالمصالح المصرية يتخفيض حصتها من مياه النيل بمقدار النصف تقريبا مما يترتب عليه تدمير الزراعة وتعطيش المصريين وإصابة مولدات الكهرباء التي يتم استخراجها من السد العالي بالشلل التام .
ورغم عدم الإعلان النهائي من الجانبين عن نتيجة المفاوضات أو الوصول لطريق مسدود .. أعلنت وزارة الخارجية المصرية رفضها التعنت الاثيوبي فى مفاوضات سد النهضة، مشيرة إلى أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأثيوبية بشأن الاجتماع الوزاري حول سد النهضة التي عُقدت على مدار الأيام الماضية في أديس أبابا قد تضمن العديد من المغالطات المرفوضة جملة وتفصيلا ً، وانطوى على تضليل متعمد وتشويه للحقائق، وقدم صورة منافية تماماً لمسار المفاوضات ولمواقف مصر وأطروحاتها الفنية ولواقع ما دار في هذا الاجتماع وفي الاجتماعات الوزارية الثلاثة التي سبقته والتي عقدت على مدار الشهرين الماضيين لمناقشة قواعد ملء وتشغيل سد النهضة .
وفي توضيح من الجانب المصري لحجم التآمر الأثيوبي .. أضاف بيان الخارجية أن هذه الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تفض إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت أثيوبيا وتبنيها لمواقف مغالى فيها تكشف عن نيتها في فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، بما يخالف التزامات اثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس 2015، وكذلك اتفاقية ١٩٠٢ التى أبرمتها اثيوبيا بارادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية ١٩٩٣ التى تعهدت فيها بعدم احداث ضرر لمصالح مصر المائية، إلا أن اثيوبيا تسعى للتحكم فى النيل الأزرق كما تفعل فى أنهار دولية مشتركة أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة.
وخلافاً لما تضمنه بيان الخارجية الأثيوبية من مغالطات بشأن مفهوم العجز المائي، فإن مصر اقترحت وضع آليات وقواعد للتكيف مع التغيرات الهيدرولوجية في النيل الأزرق وللتعامل مع سنوات الجفاف التي قد تتزامن مع عملية ملء سد النهضة ، بما في ذلك الإبطاء من سرعة الملء وإخراج كميات من المياه المخزنة في سد النهضة للحد من الآثار السلبية لعملية الملء أثناء الجفاف وسد العجز المائي الذي قد تتعرض له دول المصب ، مع الحفاظ على قدرة سد النهضة في الاستمرار في توليد الكهرباء بمعدلات مرتفعة، إلا أن أثيوبيا تأبى إلا أن تتحمل مصر بمفردها أعباء الجفاف، وهو الأمر الذي يتنافى مع قواعد القانون الدولي ومبادئ العادلة والإنصاف في استخدامات الأنهار الدولية .
وواقع الحال يؤكد أن دوافع وحيثيات القلق الذي تبديه القاهرة يبدو منطقياً للغاية خصوصاً في ضوء المعلومات المتاحة والتي تؤكد أن حصة مصر ستنخفض بمقدار الثلث على أقل تقدير مما تحصل عليه الآن .. بل أن هناك بعض الدراسات الأكثر تشاؤماً والتي تؤكد أن هذه الحصة قد تنخفض بمقدار النصف خلال فترة ملأ الخزان .
كل هذه الحيثيات وغيرها ربما تدفع متخذي القرار في مصر دفعاً إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لدرء الأخطار الكبيرة المتوقعة من بناء سد النهضة .. خصوصاً إذا ما تم وضعها في سياق الدراسات التي تؤكد تزداد احتمالات انهياره نتيجة للعوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق ، كما أنه يؤثر سلبا على السودان حيث يؤدى إلى خفض مخزون السودان الاستراتيجي من المياه ويعرض مدينة الخرطوم للغرق في حالة انهياره ويؤثر على البيئة النهرية والزراعية بها بالإضافة إلى كونه وسيلة للضغط السياسي على السودان وهو ما ينعكس بالضرورة سلباً على الأوضاع في مصر .
وهذا ما ينقلنا للحديث جدياً عن احتمال لجوء مصر للخيار العسكري خصوصاً إذا ما وضعنا هذا السيناريو في ضوء تعزيز الترسانة العسكرية المصرية بأحدث الطائرات والغواصات التي ربما تنم على أن أمراً ما ربما يتم الإعداد له تحت السطح .. وهو ما يدفعنا صراحة لطرح هذا التساؤل : هل تضطر القاهرة للجوء إلى الخيار العسكري إذا ما استشعرت خطراً داهماً حقيقياً على أمنها المائي والغذائي باعتباره مسألة حياة أو موت للشعب المصري .
من كل ما سبق يبدو أن الأيام القادمة ستكون حاسمة للغاية بشأن مياه النيل التي يراها المصريون شريان الحياة الذي يفدونه بدمائهم .. وليس أدل على هذا مما أبداه الرئيس عبدالفتاح السيسي أنه لا تهاون ولا تفريط في أي من مقدرات الحياة في مصر ، لذا يبدو دائما اللجوء للقوة ليس الحل النهائي ، ولكنه يبقى أيضا ليس بالمستبعد .. فلا رهان على مياه النيل .