وباء الكورونا في حرافيش نجيب محفوظ!
ناصر عراق
بموهبته الخارقة رصد نجيب محفوظ المآسي التي يخلفها (الوباء) عندما يتسلل بخبث نحو أحشاء المجتمع، ولعل ما كتبه في ملحمته المذهلة (الحرافيش) عن الوباء الذي قضى على حارات مصر وفتك بأهلها يؤكد عبقرية هذا الروائي الفذ. اقرأ معي الفقرة رقم 31 في الحكاية الأولى (عاشور الناجي) من (الحرافيش)، كتب محفوظ بالنص :
(تفاقم الأمر واستفحل. دبت في ممر القرافة (المقابر) حياة جديدة...يسير فيه النعش وراء النعش... يكتظ بالمشيعين. وأحيانا تتتابع النعوش كالطابور. في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد... لا يفرق هذا الموت الكاسح بين بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل. إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء. وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار ولهجت أصوات معولة بالأوراد والأدعية والاستغاثة بأولياء الله الصالحين.
ووقف شيخ الحارة عم حميدو أمام دكانه وضرب الطبلة براحته فهرع الناس إليه من البيوت والحوانيت. وبوجه مكفهر راح يقول :
- إنها الشوطة (الوباء)، لا يدري أحد من أين؟ تحصد الأرواح إلا من كتب له الله السلامة.
وسيطر الصمت والخوف فتريث قليلا، ثم مضى يقول :
- اسمعوا كلمة الحكومة!
أنصت الجميع باهتمام، أفي وسع الحكومة دفع البلاء؟
- تجنبوا الزحام!
فترامقوا في ذهول. حياتهم تجري في الحارة، والحرافيش يتلاصقون بالليل تحت القبو وفي الخرابات، فكيف يتجنبون الزحام؟ ولكنه قال موضحًا :
- تجنبوا القهوة (المقهى) والبوظة (الخمارة)، والغُرَز (جلسات تعاطي الحشيش).
الفرار من الموت إلى الموت! لشدّ ما تتجهمنا الحياة!
- والنظافة... النظافة...)
انتهى الاقتباس من (الحرافيش). أرأيت كيف وصف نجيب محفوظ بذكاء أحوال الناس في زمن (الكورونا المصرية القديمة)، أجل انتهى الاقتباس، ولكن لم تنتهَ الأمنيات بأن ينتصر العقل البشري على وباء الكورونا المرعب، ويسترد الناس عافيتهم وأحلامهم وطموحاتهم في حياة أكثر صحة وعدلا وجمالا.