مؤتمرات الأزهر شامة في جبين الدهر.. الإمام الطيب يسطر ملحمة في مواجهة التطرف وترسيخ القيم الإنسانية
- ياسر خفاجيكان التطرف - ولا يزال - من أخطر الأمراض التي تقتل التسامح بين أفراد المجتمع، خاصةً إذا وصل الأمر إلى حد اللجوء إلى العنف؛ بغرض فرض الرأي الذي يؤمن به ذلك المتطرف، فيصبح ذلك الرأي معول هدمٍ، وهو نموذج مشوه للإسلام السمح الذي ارتضاه الباري تعالى خاتمًا للأديان إلى أن تقوم الساعة.
وقد حرص فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب منذ توليه مسؤولية مشيخة الأزهر، في مارس 2010، على دعم السلام وترسيخ قيم التعايش المشترك؛ لما للتطرف من خطورة بالغة على الأديان والإنسان، وذلك من خلال تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات التي تدعم هذا الهدف النبيل.
مؤتمر "الإمام أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة"
لمَّا كانت الكيانات المتطرفة تتكئ خلف ثقافة تؤمن بها وتسعى إلى تطبيقها فلم يكن فضيلته ليتولى المهام الجسام في مشيخة الأزهر حتى ينعقد مؤتمر "الإمام أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة" ليكون نبراسًا وهداية للأمة، وبيانًا للعالم أنَّ العصمة لبني البشر من خطورة التطرف يتمثل في مذهب أهل السنة والجماعة، ذلك المذهب الذي لا يكفر أحدًا من أهل القبلة، والأولى بالمسلمين أن يستوعبوا هذا المذهب بوسطيته لمواجهة التيارات الفكرية المتشددة التي تسعى إلى إعادة إنتاج الأفكار التكفيرية.
وقال الإمام الطيب وهو يتحدث عن الفائدة التي يجنيها المسلمون في محنتهم هذه من مؤتمر يتحدث عن الأشعري: «يذكرنا واقع الأمة الآن بواقعها أيام الإمام أبي الحسن الأشعري، فهي الآن أمة بحاجة إلى منهج كمنهجه، الذي أنقذ به ثقافة المسلمين وحضارتهم قديمًا، مما كان يتربص بها من مذاهب مغلقة تدير ظهرها للعقل وضوابطه، وأخرى تتعبد بالعقل وتحكمه في كل شاردة وواردة، حتى فيما يتجاوز حدوده وأدواته، وثالثة تحكم الهوى والسياسة والمنفعة، وتخرج من كل ذلك بعقائد مشوهة تحاكم بها الناس وتقاتلهم عليها».
ولقد أفصح الإمام الطيب عن الهدف الأسمى من وراء رعايته لهذا المؤتمر وعنايته به وجعل أول ذلك نشر التراث الوسطي وإذاعته بين الناس؛ لتقف به الأمة في وجه نزعات التكفير والتفسيق والتبديع، في خلافات تسع الناس جميعًا، وبيَّن الإمام الطيب أن المذهب الأشعري هو الأجدر بهذا الدور؛ لأنه المذهب الذي لا يكفر صاحبه أحدًا من أهل القبلة.
وقد عبّر الطيب عن داء التكفير ذلك المرض العضال الذي أصاب أمة جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس ولم يكن الإمام ليغفل القيم الإنسانية في هذا المؤتمر المهم، وإن أعلى قيمة إنسانية هي احترام التوازن في الجمع بين العقل والنقل، ذلك الهدف الأسمى الذي أرسى دعائم هذا الدين، وعليه سار جموع أهل السنة، وبَعثَه الأشعري من جديد بعد أن جعل البعض ركيزته على العقل متجاهلًا النص، بينما اعتمد البعض الآخر على ظاهر النص مهملًا العقل.
مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب
ويمضي الأزهر قُدُمًا برعاية الإمام الطيب وعنايته في مواجهة التيارات الإرهابية، تلك التيارات التي ألقت بظلالها على العالم العربي والإسلامي، فهددت أمنه ونازعته سلامته وعافيته جرّاء الفهم الخاطئ للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، بل وتفسير النصوص القرآنية تفسيرًا بعيدًا عن المفهوم الصحيح للدين الذي ينطلق من حفظ أمور الدين والدنيا معًا، فكان (مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب).
وقد أوضح فضيلة الإمام الطيب أن الفصائل الإرهابية التكفيرية هي السبب الوحيد من وراء تلك الفتنة التي تعصف بالأمة. ومما يؤسف له في نظر الإمام وفي نظر كل مخلص لهذا الدين أن تلك الجرائم التي ارتكبت قد قام عليها رجال أطلقوا على أنفسهم "الدولة الإسلامية"!
وقد أبان الإمام الطيب في هذا المؤتمر عن أمر غاية في الأهمية وهو أن تبعات وثمرة ما تفعله الكيانات المتطرفة "يبقي الأمة المسلمة في حالة هزال وضعف ويأس مستمرٍّ، ولا يسمح لهم بأيِّ شكل من أشكال القوة والتطور والتقدم، ثم هو حرب بالوكالة لا يخسر النافخون في نيرانها خسائر تذكر، سواء في الأرواح أو في العتاد، ويكمن العلاج الناجع - في نظر الإمام الطيب- في مواجهة تلك الموجات التترية من الجماعات الإرهابية، والعاصم منها أن نتناسى نحن العرب كل خلافاتنا البينية، وأن نطفئ الحرائق المشتعلة، وأن نتوحد في مواجهة هذا الوحش الكاسر، بل وعلى المجتمع الدولي أن يتصدى لهذا الإرهاب البغيض، وما ذلك إلا دفاعًا عن شعوب الأرض كافة.
ثم على العلماء والمخلصين من أبناء هذا الدين ويأتي على رأسهم أبناء مؤسسة الأزهر الشريف أن يوضحوا للناس مفاهيم دفعت البعض إلى تبني الفكر التكفيري، مثل مفهوم الإيمان والكفر والجهاد والإمامة والخلافة وغيرها من تلك المفاهيم التي كانت مسوغًا لتلك الجماعات؛ لاستباحة الدماء والأموال والأعراض. وأولى الإمام الطيب عناية بالشباب أن يتجهوا لتحقيق التقدم العلمي والتقني والحضاري؛ حتى تلحق أمتنا بركب الأمم التي سبقتنا وهذا الأمر بلا شك في حاجة إلى الانضباط بضوابط الشرع.
وعلى هذا المنوال اعتبر بيان ذلك المؤتمر الذي ألقاه الإمام الطيب أنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و"المليشيات" الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زورًا وبهتانًا – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ. والتأكيدُ على أنَّ المسلمين والمسيحيين في الشرقِ هم إخوةٌ، ينتمون معًا إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ.
كل ما سبق إنما هو دعوة صريحة إلى نبذ العنف وترسيخ القيم الإنسانية واعتبار جميع الناس مسؤولين عن هذا التطرف الذي نراه كل في مجاله فالعلماء مسئولون، وعليهم أن يحاولوا إطفاء الحرائق المذهبية وبيان المفاهيم المغلوطة، والدول مسئولة ومعنية بالتعاون في مواجهة هذا الإرهاب وبما يحقق استقرار المجتمعات.
مؤتمر (نحو حوار إنساني حضاري بين مواطني ميانمار)
ولما كان التطرف والإرهاب لا يختص بدين دون آخر، وفي ظل حرص الإمام الطيب على رعاية السلام العالمي، عُقد برئاسته لأول مرة في مصر مؤتمرٌ بعنوان (نحو حوار إنساني حضاري بين مواطني ميانمار (بورما) وذلك لحل الصراعات بين مواطني ميانمار (بورما) وقد حضره مجموعة من الشباب البوذي والمسلم والمسيحي والهندوسي؛ للوقوف على أسباب الخِلاف في ميانمار، ومحاولة وضع حلولٍ جذريَّة لإنهائه وترسيخ أُسُسِ المواطنة والعيش المشترك بين المواطنين.
وقد أوضح الطيب في أثناء كلمته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حض على مبدأ الأخوة بين سائر العباد دون تمييز في الدين، مشددًا على الدعوة الحسنة والكلمة الطيبة، وأظهر فضيلة الإمام أمرًا غاية في الأهمية، وهو أن جوهر البوذية والمسيحية والإسلام تحمل رسائل السلام، وانطلاقًا من موقف الحكيم الواعي بالأديان والمجتمعات مخاطبًا شباب بورما، ومخاطبًا في البوذيين عقولهم وإنسانيتهم من حيث كونهم قد اتخذوا من تعاليم بوذا دينًا لهم، فأراد أن يعلمهم أن قتلهم وترويعهم للآمنين من المسلمين فيه مخالفة للتعاليم المنوط اتباعها.
مؤتمر "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"
وانطلاقًا وإدراكًا من فضيلة الإمام الطيب لتلك العواصف التي تتعرض لها الأمة في مجتمعاتنا كان مؤتمر الأزهر العالمي الذي عقد في القاهرة تحت عنوان "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"، والذي كان بحضور عدد كبير من العلماء والرموز من أصحاب الدين الإسلامي والمسيحي، والمثقفين وقادة الرأي من الدول العربية والإسلامية، وكان بهدف التأكيد على قيم المواطنة والتعايش والسلام، وقد ابتدأ الإمام خطابه منوهًا بأن جرائم العنف والإرهاب هي بحق أخطر تحديات العيش المشترك، وفرّق الإمام في كلمته بين نوعين من الإرهاب؛ الأول البدني وهو المتمثل في حوادث العنف والقتل والتفجيرات المتتالية التي تستهدف المؤسسات الوطنية وتروع حياة الأبرياء. والثاني إرهاب معنوي يتمثل في الظلم والتمييز على أساس الدين والعقيدة في المعاملات الحياتية واليومية، وهذا الأخير له أسباب لعل أهمها التربية الأحادية على الرأي الواحد، فيكون كل رأي آخر مختلف هو بالضرورة كافر ومضلل، ومن أسبابه كذلك غياب ثقافة احترام الآخر، ومنها الجهل بالآخر، والمقصود به أن الشخصية المتطرفة تخلق للمسلمين أعداء من صنع الخيال.
وعلى ذلك فقد رأى الإمام الأكبر أن أكبر الأهداف التي سعى هذا المؤتمر إلى تحقيقها أن يعلم الجميع أن التنوع يعتبر غنى للإنسانية، وأنه من الممكن أن نختلف في الهُويَّة الدينية لكن لا نختلف في الهُويَّة الوطنية. وأكد المؤتمر على ضرورة بناء القيم الإنسانية، ومنها قيمة التنوع والاختلاف، واحترام الآخر واحترام التعددية الدينية.
ولمَّا كان مصطلح المواطنة من المصطلحات التي ينبغي أن يتعامل بها الجميع وكان مصطلح (الأقليات – أهل الذمة) من المصطلحات التي اتخذتها الجماعات المتطرفة، بل وبعض من لا يحسن عرض الإسلام في هذا الزمان أعلنها مدوية – فضيلة الإمام الطيب – أنَّ مصطلح "المواطنة" هو مصطلحٌ أصيل في الإسلام، وقد شعَّت أنوارُه الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كُتُبٍ وعُهودٍ لنبيِّ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُحدِّدُ فيها علاقةَ المسلمين بغير المسلمين. وقد أكد الإمام الأكبر أن الأديان كلها بَراءٌ من الإرهاب بشتى صوره، وأنَّ حماية المواطنين في حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم وسائر حقوقهم، كل ذلك صار الواجب الأول للدُّوَلِ الوطنيَّة.
وبيَّن الإمام الأكبر أنه يسعى إلى توثيق التواصل بين المؤسسات الدينية في العالم العربي وفي العالم الأوسع وأنّ طموح الأزهر هو التأسيس لشراكةٍ متجددة أو عقدٍ مستأنَفٍ بين المواطنين العرب كافَّةً، مسلمين ومسيحيين وغيرهم من ذوي الانتماءات الأُخرى، يقوم على التفاهم والاعتراف المتبادَل والمواطنة والحريَّة. كل هذا يؤكد بيقين أن الإمام الأكبر قد وضع لبنة أخرى في بناء جسور التواصل بين أتباع الأديان، وسدَّ على الكيانات المتطرفة سبيلًا يدخلون من خلاله لزعزعة كيان الأمة الواحدة.
مؤتمر الأزهر العالمي للسلام
ومن اللقاءات التاريخية التي تُكتب بحروف من نور، ذلك اللقاء التاريخي الذي جمع بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر والبابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، هذا اللقاء الذي يعد بحقٍّ تدشينًا لمرحلة جديدة في إرساء دعائم السلام بين الديانات فكان "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام"
وقد بين الإمام الأكبر من خلاله نقطة غاية في الأهمية ترد على التكفيريين في قولهم بأن الإسلام أمر بقتال غير المسلمين لأجل كفرهم، وهي نفس الفرية التي تعلق بها غير المسلمين بأن الإسلام يأمر أتباعه بقتال من لم يكن مسلمًا جبرًا له على الدخول في الإسلام وهذا أمر غاية في الخطورة ويترتب عليه كثيرٌ من الأخطاء التاريخية.
وأوضح الإمام الطيب أن الإسلام لا يقاتل تحت بند الكفر، بل تحت بند العدوان، وتحت هذا البند لا يبالى القرآن إن كان يقاتل معتدين كُفارًا أو معتدين مؤمنين: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9 ].
مؤتمر "الأزهر العالمي لنصرة القدس"
ولمَّا كانت العنصرية البغيضة -وخاصة تلك العنصرية التي ينتهجها الكيان الصهيوني- تُمثِّل إرهابًا ممنهجًا ضد الشعب الفلسطيني صاحب الحقَّ، ووارث الأرض، كان مؤتمر "الأزهر العالمي لنصرة القدس" بارقة أمل أراد من خلالها فضيلة الإمام الأكبر أن يدقَّ جرس الإنذار، مخاطبًا ضمير العالم الذي يصبح ويمسي على تلك الانتهاكات الصارخة التي يعاني منها هذا الشعب المحروم المظلوم من عدوٍّ متسلطٍ غشوم.
وبيَّن الإمام الطيب أنه قد عقدت مؤتمرات عدة في الأزهر الشريف، تُعبِّر عن رفضِ العُدوان الصُّهيونى على مُقدَّسَات المسلمين والمسيحيِّين، واحتِلال المسجد الأقصى ثُم حَرقه وانتهاك حُرماته بالحفريات والأنفاق والمذابح في سَاحاته، واغتِصَاب الآثار المسيحيَّة وتدميرها، من كنائِس وأديرَة. وأعلن الإمام الطيب -بيقنٍ جازمٍ- أنَّ كل احتلال إلى زوال إنْ عاجلًا أو آجلًا.
لكن الحكيم يدرك الدواء بعد تشخيص الداء، فقد رأى فضيلة الإمام أن الأمة المسلمة في أمسِّ الحاجة إلى زيادة وعيها فيما يتعلق بقضية القدس، ومن ثمَّ فلا بد من إعادة الوعى بالقضيَّة الفلسطينيَّة عامَّة مع التأكيد على عروبة القدس، مهما طال ليل الاحتلال.
ندوة "الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل"
ومع يقين الإمام الأكبر التام بأنه ليس هناك ما يسمى بصراع الحضارات أو صراع الديانات، بل إن وجود هذه الديانات في العالم إنما هو من باب الاختلاف الذي خلقه الله تعالى؛ ولذلك دعى إلى عقد ندوة "الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل" مؤكدًا على أنه مقتنع بأن الشرق: أديانًا وحضاراتٍ ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب، سواء أخذنا الغرب بمفهومِه المسيحي المتمثل في مؤسَّساته الدينيَّة الكبرى، أو بمفهومِه حضارةً علميَّة ماديَّة، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقيَّة ومواقفها الثابتة في احتِرام الدِّين والعِلم أيًّا كان موطنهما، وكائنًا من كان هذا العالِم أو المؤمن.. وأكَّد على أن جامعة الأزهر هي الوحيدة التي تعتزُّ بدراسةِ التُّراث الإسلامي جنبًا إلى جنبِ المناهج التعليميَّة الغربيَّة الحديثة، وكل هذه براهين ساقها الإمام الأكبر في تلك الندوة؛ ليؤكد على عمق الترابط بين الغرب والشرق، وأنه لا ينبغي بحال من الأحوال أن نعتبر الأديان حائلًا بين التواصل بين الشعوب، خاصةً وأنهم من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ.
وما ذكره الإمام الأكبر جدير بالاحترام والتقدير، ولا يختلف اثنان في أننا بحاجة إلى التكامل، وأن هذا التنوع الذي نشاهده فيه دلالة على أن الإنسان مدني بطبعه، وأنه محتاج إلى غيره فيما لا يحسنه ويتقنه.
"مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر والعلوم الإسلامية"
وحين أصبحت مقولة التجديد في الفكر الإسلامي تعني في نظر البعض من أبناء جلدتنا معنىً يخالف المعنى الذي أرساه النبي - صلى الله عليه وسلم- حيث تعني في نظرهم الثورة على الموروث العقدي والشرعي لهذا الدِّين، هبَّ الإمام الأكبر مدافعًا وعازمًا على عقد مؤتمر عالمي للتجديد فكان "مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر والعلوم الإسلامية"
ولقد بيَّن الإمام الأكبر أمرًا مهمًّا يخص تلك القضية وهي أن أحكام الدِّين الإسلامي تنقسم إلى ثوابت لا تتغيَّر ولا تتجدَّد، وهي الأحكام القطعية الثبوت والدِّلالة.
ثم يأتي النوع الثاني من الأحكام القابلة للتبدُّل والتغيير، وهي الأحكام المختصة بمجالات الحياة الإنسانيَّة الأخرى، مثل الأحكام المدنيَّة والدستوريَّة والجنائيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والسيرة الاجتماعية والبيع والشراء.
وهو بذلك يضع أيدينا على أمور ربما خفيت على البعض، خصوصًا أولئك الذين يريدون تجديد العقائد والعبادات التي لا تجديد فيها، ثم هو يُبصِّر أولئك الذين لم يروا الإسلام إلا من خلال بعض الفتاوى الشاذة التي كانت مُسوِّغًا للتكفير والغلو ومن ثمَّ القتل والتفجير، وأن هؤلاء وأولئك بعيدون كل البعد عن روح الإسلام ومقاصده، وأنهم في بوتقة واحدة، أحدهما تميل ناحية التفريط، والأخرى تميل ناحية الإفراط!
واعترافًا بهذا الواقع وصف الإمام الحكيم الدواء بعد تشخيص الداء، فرأى أن التيار الإصلاحي الوسطي هو الأجدر بالقيام بمهمة التجديد، دون غيره من التيارات التي لا تملك أدوات التجديد.