الأزهر: التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية ساهمت في صناعة الخوف من الإسلام
- ياسر خفاجيسلط مرصد الأزهر الضوء على المعالجة الإعلامية للأحداث الإرهابية و"صناعة الخوف" من الإسلام حيث لا تعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو "الخوف من الإسلام" من الظواهر حديثة المنشأ، لكن يمكن القول إن انتشارها واكتسابها بُعدًا جديدًا، جاء بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، وما رافقه من توجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي يتخذ من تأويله لنصوص الدين الإسلامي وفق أهوائه ستارًا لأعماله الإجرامية، وهو ما دفع البعض إلى ربط كل عمل إرهابي يرتكب في أي مكان في العالم بـ "الإسلام" فيما بعد، بشكل ملحوظ.
الأمر الذي ألقى بظلاله على المسلمين في أنحاء العالم خاصة مسلمي الغرب الذين أصبحوا في مرمى سهام بعض الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة المناهضة لكل ما هو إسلامي، ولم تكتف تلك الجبهات بالكراهية فقط بل عمدت إلى تغذية المشاعر العدائية ضد المسلمين عبر الخطابات الرنانة ذات الكلمات العنصرية المُحرضة ضدهم، والتي لاقت صدى لدى المتطرفين فكريًا.
الإعلام وتكوين الصورة الذهنية عن المسلمين
وما ساعد هؤلاء في تأجيج مشاعر الغضب والكراهية والخوف من الإسلام والربط المتواصل بينه وبين "الإرهاب"، هو الخطاب المُستخدم في بعض وسائل الإعلام العالمية وطريقة تغطيتها ومعالجتها للأخبار المتعلقة بأعمال إرهابية خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر. ولا تكمن خطورة وسائل الإعلام في تأثيرها الفوري فقط بل في تأثيرها على المدى الطويل على الثقافة الإنسانية وعملية تنظيم الحياة الاجتماعية؛ لدورها المتعاظم في تكوين الصورة الذهنية عن القيم والأفكار والأشخاص والأشياء.
وهذا ما أبرزه الصحفي "وولتر ليبمان" ــ أول من صاغ مصطلح (الصورة النمطية) ــ في كتابه "الرأي العام" عام 1922 عندما قال إن الإنسان لا يمكنه الإحاطة بالعالم كله عن طريق حواسه فقط بل يستخدم التصور في ذلك؛ لذا فالصورة الذهنية التي تتكون عن العالم الخارجي لدى الإنسان ما هي إلا تمثيل مُبسط لبيئة غير حقيقية؛ لعدم قدرته على التعرف بشكل مباشر على تلك الحقائق من حوله.
وبالتالي، فإن هذا الأمر هو ما يدفع الإنسان حاليا وبشكل كبير إلى استقاء معلوماته عن هذا العالم من خلال "وسائل الإعلام"، وهو ما أسماه الباحث "هاياكاوا" بـ "العالم المنقول"، حيث يضطلع الإعلام بدور رئيسي وواسع النطاق في إمداد الإنسان بالكثير من التصورات والمعلومات التي تشكل وعيه بالقضايا المؤثرة في حياته الفردية والاجتماعية.
وقد أشار عالم الاجتماع "س. رايت ميلز" إلى ذلك بوضوح عندما قال: "إن وعي الإنسان لا يُحدد بوجوده المادي، كما أن وجوده المادي لا يحدد وعيه، إذ تقف بين الوعي والوجود معان وأشكال ورسائل خلفها أناس آخرون، تتجلى أول الأمر في لغة البشر نفسها ثم تتضح في وقت لاحق في الرموز المستعملة، وهذه التفسيرات المُتلقاة والمتلاعب بها تؤثر تأثيرًا حاسمًا في وعي الفرد بوجوده، فهي تقدم له مفاتيح فهم ما يرى، وكيف يستجيب له، ومشاعره إزاءه، وكيف يستجيب لهذه المشاعر ..."، مضيفًا: "... وكل إنسان يعتمد اعتمادًا متزايدًا في معظم ما يسميه بالحقائق الصلبة والتفسيرات السليمة ومحطات الملاحظة ومراكز التفسير على ما يمكن أن نطلق عليه تعبير (الجهاز الثقافي)".
هذا الجهاز الذي ذكره "ميلز" هو المسؤول عن نقل صورة الإسلام إلى معظم الأمريكيين والأوروبيين بل والعالم بأسره، ويعتمد على الصحف اليومية والمجلات وشبكات الراديو والتليفزيون والأفلام السينمائية، وحديثًا مواقع التواصل الاجتماعي.
على سبيل المثال، توصل الباحث "جاك شاهين" ــ أحد الباحثين المهتمين بدراسة صورة العرب في الإعلام الأمريكي ــ، بعد تكريس جهده لدراسة 250 كتاب هزلي خلال 50 عامًا بدءًا من "دونالد داك" وحتى "سوبر مان" بالإضافة لتحليله لمئات البرامج والرسوم الكاريكاتيرية التي عرضت على شاشات التليفزيون مثل "بوباي" و"ميجورداد" إلى جانب أفلام الرسوم المتحركة التي يفوق عددها 450 فيلمًا منذ عام 1893 حتى فيلم "علاء الدين" الذي قدمته مؤسسة "والت ديزني" عام 1993، إلى أن "كلمتي عربي ومسلم تثيران ردود فعل عدائية يصعب معها على الجمهور التمييز بين الحقيقة والخيال".
أما الأستاذ "إدوارد سعيد" فأظهرت دراساته المُقدمة في كتابه "تغطية الإسلام" أن الفكرة المركزية التي تنقلها وسائل الإعلام الغربية دومًا هي أنَّ: "الإسلام يمثل تهديدًا للغرب"، ويستشهد على ذلك بما فعلته مجلة "تايم" عندما خصصت موضوعها الرئيسي عن الإسلام في عددها المنشور بتاريخ 16 إبريل 1979، وزينت غلافها بلوحة للفنان الفرنسي "جيروم" تصور مؤذنًا يقف على مئذنة ويدعو المسلمين بوقار إلى الصلاة ثم وضعت وصفًا أسفلها لا يعبر عن معناها الحقيقي، مما حول هذه اللوحة الهادئة التي كانت تعتبر في أوروبا جزءًا من الثقافة العامة لا أكثر إلى صورة قادرة على بث الخوف والفزع في قلوب الأمريكيين.
هذا المحتوى الغير موضوعي المُقدم على مدار سنوات طويلة، ساهم في تشكيل (صورة نمطية سيئة) عن المسلمين في ذهن المواطن الغربي، كما جعل "المسلم" هدفًا لأعمال التمييز والعنصرية، مثل الاعتداءات اللفظية، والجسدية خاصة على المسلمات المحجبات، وعلماء الدين والمساجد.
وقد عبّر الكاتب "جان دانيال" Jean Danielفي تصريح لمجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" Le Nouvel Observateur بعددها الصادر يوم 26 نوفمبر 1979 عن ذلك بقوله: "إن الولايات المتحدة تشعر أن الإسلام يحاصرها"؛ نتيجة لحالة الخوف التي تصنعها وسائل الإعلام الأمريكية عبر موادها.
صناعة خطاب الكراهية
هذا المحتوى المسيء لصورة المسلمين الذي قدمته بعض وسائل الإعلام العالمية عبر السنين، يمكن تصنيفه ضمن ما يعرف بـ "خطاب الكراهية" الذي كان ولا يزال محل جدال؛ لاصطدامه مع مبدأ "حرية التعبير" وعدم تفريق العديد من تلك الوسائل بينهما في كثير من الأحيان.
ووفق التشريعات الوطنية والدولية فإن "خطاب الكراهية" هو: (مجموعة من العبارات المُحرضة على إلحاق ضرر ما مثل التمييز أو العدوانية والعنف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر)، ويمتد هذا المفهوم ليشمل: "العبارات التي تُمهد الجو من الإساءة وعدم التسامح على افتراض أن ذلك قد يشعل فتيل الهجمات التمييزية والعدوانية والعنيفة المنشودة".
وتعتمد صناعة "خطاب الكراهية" على تأجيج مشاعر التوتر من خلال إعادة إنتاج المواد المستخدمة في صناعته وتضخيمها، فهو يوحد ويفرق في نفس الوقت لكونه يقوم على (صيغة "نحن" و"أنتم")، ويمكن القول إن هذا الخطاب يرتبط بـ "خطاب الخوف" الذي تم طرحه مؤخرًا للتركيز على اللغة التي تقدر على صُنع "عقلية إقصائية" بشكل تدريجي، تلك العقلية التي تُضفي الشرعية على أعمال العنف والتمييز التي ترتكب باعتبارها وسائل دفاعية للحفاظ على أمن وسلامة المجتمع ــ من وجهة نظر مُنفذها ومؤيديه.
وحسب "قاعدة الكراهية" HateBase 2015، وهي تطبيق يعتمد على جمع حالات من خطاب الكراهية المنتشر على الإنترنت في دول العالم،ـ فإن التشجيع على الكراهية بناء على الدين أصبح في تزايد مُضطرد، وهو ما يستدعي الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الخاصة للتفاعلات التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا وسرعة انتشارها والآثار السلبية التي قد تسببها "تغريدة" ما تضم كلمات مُحرضة ضد فئة من الناس وتحولها إلى تهديد حقيقي ضمن حملة منظمة للكراهية.
ونتيجة لطبيعة خطاب الكراهية "المتنقلة" و"المتحركة" فإن بقاءه في المنصات المنتشرة عبر شبكة الإنترنت لمدة طويلة أيا كان شكله سواء نصي أو مرئي أو مسموع ... إلخ، يؤدي إلى تكرار الربط فيما بين هذه المواد ــ كما قال أندري أوبولر Andre Oboler المدير العام لمعهد الوقاية من الكراهية على الإنترنت 2015 ــ ، مما يزيد من مخاطر إلحاق الضرر بالفئات المستهدفة من هذا الخطاب، إلى جانب تقوية مبررات مرتكبي الهجمات العنصرية، أما إزالة هذا المحتوى في مرحلة مبكرة يساعد في الحد من الآثار السلبية له فالأمر أشبه بعملية تنظيف مستمرة، وعلى الرغم أن هذا لن يوقف نشر هذه الخطابات لكن عدم الاهتمام بها يؤدي إلى تراكمها وتفاقم المشكلة.
التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية وانتشار "الإسلاموفوبيا"
ومع تزايد الاتهامات الموجهة إلى الكثير من وسائل الإعلام العالمية جراء ارتفاع مؤشرات العداء والكراهية للإسلام خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبح هناك حاجة ماسة للاقتراب أكثر من التغطية المتبعة بتلك الوسائل عند وقوع الهجمات الإرهابية ورصد كيفية تناولها إعلاميًا.
وهنا تم التركيز على اللغة المستخدمة بعدد من الوسائل الإعلامية المنتشرة بالدول التي سجّلت نسب متزايدة في مظاهر "الإسلاموفوبيا" مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، خلال تغطيتها لهجوم الطعن الإرهابي الذي نفذه "سوديش أمان" جنوب العاصمة البريطانية لندن وتحديدًا في منطقة "ستريتهام" يوم الأحد الموافق 2 فبراير 2020.
الولايات المتحدة: نبدأ من تغطية صحيفة "الواشنطن بوست" للهجوم، والتي نشرت تقريرًا بعنوان
"London stabbing suspect was recently released from prison, police say "
"الشرطة: إطلاق سراح المشتبه به في طعن لندن مؤخرًا من السجن" ..
ونجد أن الصحيفة استخدمت مسميات تربط بين مصطلح "الإرهاب" ودين "الإسلام" في فقرات التقرير مثل: "جرائم إرهابية ذات صلة بالإسلاميين"، "... مرتبط بالإسلاميين" في إشارة إلى الإرهابيين. وقبل هذا الحادث بثلاث سنوات، لم يختلف الأمر كثيرًا عند رصد الصحيفة لمخاوف المسلمين من خطاب الكراهية المتصاعد ضدهم، بعد حادث دهس عدد من المصلين بواسطة إحدى الشاحنات خارج مبنى دار الرعاية الإسلامية الواقع في شارع سِفين سيسترز، قرب مسجد "فينسبري بارك" شمال لندن، وذلك في تقريرها المنشور بتاريخ يونيه 2017 بعنوان:
" Terror in London seems to confirm Muslim growing dread"
"الإرهاب في لندن يؤكد مخاوف المسلمين المتزايدة" ..
فعلى الرغم من أن التغطية هنا تنصب على المسلمين والآثار السلبية للعمليات الإرهابية على أوضاعهم الحياتية، إلا أن الصحيفة الأمريكية استخدمت نفس المسميات التي تربط بين الإسلام والإرهاب؛ وهو ما يساهم في ترسيخ مشاعر الكراهية في الأذهان ويزيد من معاناتهم لا يخفف حدتها، أي أن الهدف من التقرير لم يتحقق بل حدث العكس.
ومن هذه المسميات المستخدمة في مقدمة التقرير: "سلسلة من الهجمات المستوحاة من الإسلاميين" حيث جعلت "الإسلاميين" مرادفًا لـ "الإرهابيين"، وفي فقرات أخرى تضمنت "الهجمات التي تنفذ باسم الإسلام" وهنا جعلت الدين موضع الاتهام لا الشخص المنفذ للهجوم!!، إلى جانب مسمى "التطرف الإسلامي".
وبالانتقال إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، لمتابعة تغطيتها أيضًا لنفس الحادث الإرهابي جنوب لندن، نجد تقريرها الذي جاء بعنوان:
"U.K. Police Kill Man in aTerrorist Related Incident"
"شرطة المملكة المتحدة تقتل رجلًا في حادثة مرتبطة بالإرهابيين"
نجد أن هذه التغطية اشتملت على مسميات تربط بين الحادث الإرهابي والإسلام بشكل واضح ومباشر في التقرير مثل: "له علاقة بالإسلاميين" على الرغم من وضع مسمى آخر في الفقرة الخاصة ببيان الشرطة البريطانية هو: "هجوم ذو طبيعة إرهابية"، أي كان بإمكان الصحيفة استخدام مصطلح "الإرهاب" دون الالتفاف عليه وإضفاء صبغة دينية عليه .. لكن هذا لم يحدث!.
وفي سردها لتاريخ منفذ الهجوم الإرهابي تم استخدام مسمى "an Islamic flag" أي "العَلَم الإسلامي" في إشارة إلى "علم تنظيم داعش" وهذه مغالطة كبيرة تُحدث التباسًا في ذهن القارئ الغربي.
كما قامت في تغطية أخرى مرتبطة بالحادث بعنوان:
"London Stabbing Prompts Questions on Policies for Terrorism Convictions"
"طعن لندن يطرح أسئلة حول سياسات إدانة الإرهاب"
وقامت الصحيفة بتسمية "المواد المتطرفة" بـ "Islamist material" أي "المواد الإسلامية" وهذه مغالطة أخرى تضاف إلى سوء استخدام الصحيفة الأمريكية للمصطلحات المتعارف عليها والالتفاف عليها وإضفاء صبغة دينية عليها بهدف توصيل رؤية خاصة بها إلى القارئ أيًا كان مدى صحتها، إلى جانب التعبير عن الحادث بمسمى "الإرهاب الإسلامي".
ولم تختلف هذه المسميات كثيرًا عن التي استخدمت في إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي أحد أشهر المواقع الإخبارية الأمريكية "USA TODAY" نُشر تقرير بعنوان
"15 years after sept.11, the questions that still remain in our minds"
"بعد مرور 15 عامًا على أحداث 11 سبتمبر لا تزال هذه الأسئلة في أذهاننا"
تم استخدام مسمى "Islamic terrorists" "الإرهابيين الإسلاميين" في وصف المنفذين للهجمات. وفي نفس الموقع خلال تقرير لمناقشة وضع المسلمين في أمريكا بعد مرور 15 عامًا على أحداث 11 سبتمبر بعنوان: "years after 9/11, unwelcome spotlight returns to Islam15" تم استخدام نفس المسمى في أولى فقراته.
وبناء على ذلك؛ فإن المسميات المستخدمة في بعض وسائل الإعلام الأمريكية لم تختلف في عام 2020 عن ما جاء في عام 2001 عقب هجمات 11 سبتمبر أو حتى في إحياء ذكراها، وهو ما ساهم في صياغة "خطاب الكراهية" ضد المسلمين من خلال إسقاط "الجزء على الكل" أو بمعنى أكثر دقة تعميم العقاب على الفعل الفردي ليشمل كل المسلمين في الدولة وهو ما يطلق عليه "العقوبة الدينية" ، إلى جانب تركيز تلك الوسائل على واحد من أشهر أساليب التضليل الإعلامي وهو "أسلوب التكرار" الذي ظهر جليًا في تكرار تلك المسميات في فقرات التقرير الواحد؛ لترسيخها في الأذهان.
هذا التحول الملموس في وسائل الإعلام الأمريكية رصده مركز "بيو" للأبحاث “The Pew Research Center” في تقريره عن التغييرات التي شهدتها نشرات الأخبار المسائية بعد أحداث 11 سبتمبر، والذي جاء بعنوان "How 9-11 Changed the Evening News"، حيث كشف عن زيادة واضحة في تغطية السياسات الخارجية والصراع العالمي مقارنة بالقضايا المحلية، وذلك بعد فحص نتائج 8 سنوات قبل عام 2001 من 1997 إلى 2000 وبعده من 2002 إلى 2005.
ووفق تقرير مركز "بيو" للأبحاث، فقد ارتفعت نسبة تغطية قضايا الإرهاب إلى 135% وكذلك الدقائق الممنوحة للنشرات الإخبارية الخاصة بالأحداث الصعبة مثل الإرهاب بنسبة 2% في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر، وتوافَقَ هذا الارتفاع مع اهتمامات الأمريكيين الذين تم استطلاع رأيهم من قبل المركز، فـ 51% منهم رأوا أن هذه الأحداث غيرت الحياة في البلاد بينما اعتبر 82% أن هذه الهجمات أخطر من هجوم "بيرل هاربر" عام 1941 الذي دفع الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، وهذا دليل على الأثر السلبي لاستخدام تلك الوسائل لأسلوبي "التضخيم" و"التكرار" خلال تغطية أي حدث إرهابي.
كل ذلك يفسر الأرقام التي رصدها مكتب التحقيقات الفيدرالية عقب هجمات 11 سبتمبر مباشرة حيث تم الإبلاغ عن 481 حادث اعتداء ضد المسلمين في الولايات المتحدة، ولم يتوقف الأمر عند عام 2001 بل ارتفعت وتيرة الهجمات العنصرية خلال السنوات الأخيرة، فقد سُجل 257 حادث اعتداء ضد المسلمين في عام 2015، بزيادة تصل إلى 67 % عن عام 2014.
ولم يختلف الأمر في عام 2016، حيث أكد استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" أيضًا على عينة مكونة من (1001 مسلم)، تعرض 48% منهم لحادث عنصري واحد على الأقل على أساس الدين خلال عام 2016، مقارنة بـ 40% منذ عقد مضى، كما قال ثلث المسلمين المشاركين أنهم تمت معاملتهم بالشك مرة على الأقل خلال 2016، وهى النسبة الأعلى في استطلاعات مركز الأبحاث "بيو" منذ عام 2007. وأرجع ستة من كل 10 من المشاركين هذا الأمر إلى التغطية الإعلامية غير العادلة تجاه المسلمين.
وفي تقريره السنوى الصادر عام 2015 رصد مركز Southern Poverty Law Center، ــ وهو أكبر مركز أبحاث قانونية متخصص بمتابعة مجموعات الكراهية في أنحاء الولايات المتحدة ــ، نموًا كبيرًا في عدد مجموعات الكراهية المُنظمة المناهضة للمسلمين، كما صُنفت المشاعر المعادية للإسلام في طليعة جرائم الكراهية الموثقة في جميع أنحاء البلاد.
وهنا يبرز دور المعالجة الإعلامية للأحداث الإرهابية والخطاب المباشر وغير المباشر تجاه المسلمين في إعطاء الضوء الأخضر لجماعات الكراهية للتمييز وممارسة العنف ضدهم، فاللغة المستخدمة في إعداد التقارير الإعلامية مما لا شك فيه لعبت دورًا جوهريًا في صياغة الصورة الذهنية السلبية عن المسلمين في عقل المواطن الأمريكي.
بريطانيا:
وبالاقتراب أكثر من مكان وقوع الحادث الإرهابي جنوب لندن، نجد أن صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقريرها المنشور بعنوان:
"Sudesh Amman: how did science student become Streatham jihadist"
وفي تقرير آخر بعنوان: "London attack: PM says terrorism sentence changes may be applied retrospectively"
ربطت الصحيفة العنف والإرهاب بـ "الإسلام" أكثر من مرة، واستخدمت مسميات مثل "مهاجمين إسلاميين". وقبل هذا الحادث بسنوات نجد أن الأسلوب المُتبع في تحرير تقارير الصحيفة البريطانية لم يختلف، ففي تقرير لها بعنوان "قصة الدولة الإسلامية من الداخل" والمنشور بتاريخ ديسمبر 2014 لـ "مارتن تشولوف" Martin Chulov، ربطت بين العنف والتشدد والإرهاب وبين "الإسلام" أكثر من (30) مرة في فقراته.
وتنوعت المسميات داخل التقرير ما بين: "الدولة الإسلامية"، و"الإسلاميين"، و"المتطرفين الإسلاميين"، و"المتشددين الإسلاميين"، ووضح جليًا تعمد التكرار والربط مع الاكتفاء أحيانًا بكلمة "الإسلاميين" تعبيرًا عن "الإرهابيين"! وهذا ما يفهمه القارئ من سياق الجمل المُصاغة في التقرير.
ونستمر في رصد المعالجات الإعلامية المستخدمة في بعض وسائل الإعلام البريطانية ودورها في انتشار "الإسلاموفوبيا"، وننتقل إلى صحيفة الإندبندنت "INDEPENDENT"، وعن نفس الحادث الإرهابي جاء تقريرها بعنوان:
"London terror attack – live: Man wearing hoax suicide vest shot dead by police after three injured in ‘Islamist-related’ stabbings in Streatham"
"هجوم إرهابي في لندن ـ على الهواء مباشرة: رجل يرتدي سترة ناسفة مزيفة قُتل برصاص الشرطة بعد جرح ثلاثة في طعنات مرتبطة بالإسلاميين في ستريتهام".
ويظهر في هذه التغطية ربط الصحيفة الواضح بين "الحادث الإرهابي" و"الإسلام" من خلال مسميات مثل: (التشدد الإسلامي، والهجمات الإرهابية الإسلامية ـ طعنات مرتبطة بالإسلاميين)، كما تضمن التقرير هذه الجملة: (أحبطت أجهزة الأمن البريطانية 24 مؤامرة ، 16 إسلامية، و8 من اليمين المتطرف منذ مارس 2017) وهنا قامت الصحيفة بالإشارة إلى "الهجمات الإرهابية" بـ "الإسلامية" في حين اكتفت بتعبير "اليمين المتطرف" دون تحديد انتماءه الديني، وهذا تعمد واضح للربط بين الأعمال الإرهابية والإسلام وإسقاط لـ "الجزء" وهو الفعل الفردي على "الكل" وهو الدين الإسلامي.
أما صحيفة ديلي ميرور "Daily Mirror" في تغطيتها لنفس الحادث تحت عنوان:
"Streatham incident: Man shot by police after 'multiple stabbing' is being treated as terror-related"
"حادثة طعن ستريتهام: إطلاق النار على رجل من قبل الشرطة بعد عمليات طعن مرتبطة بالإرهاب"
استخدمت الصحيفة كلمات موضوعية مثل: "حيازة وتوزيع مواد إرهابية"، "رسائل متطرفة"، كما أنها في نقلها لبيان الشرطة عن الحادث وصفت الحادث دون ربطه بالإسلام: " .... الحادث باعتباره مرتبطًا بالإرهاب"، و"حادث إرهابي"، وكل هذا يقودنا إلى مدى التزام الصحيفة البريطانية بالمهنية في تغطيتها لهذا الحدث، مما يبرز إمكانية التغلب على المسميات المصطنعة التي تسلط الجزء على الكل وتجعل العقاب للجميع لا للفرد وهو السبب المباشر في تصاعد حدة "الإسلاموفوبيا".
وعمومًا، فإن هذه المعالجات الإعلامية المستخدمة في تغطية الهجوم الأخير الذي نفذه المدعو "سوديش أمان" يوم الأحد 2 فبراير 2020 في منطقة "ستريتهام" جنوب لندن، بهذه الصحف البريطانية السالف ذكرها، نجدها تسلط الضوء على كلمتي "الإسلام" و"الإسلامي" كإطار دائم لوصف أي عمل إرهابي أي وضع المجموعة ككل في (قوالب نمطية جماعية) عند أي تصرف فردي، فيكون العقاب جماعي.
كما يظهر جليًا تزايد الميل لدى هذه الصحف البريطانية لـ "الأحكام الاستباقية" وإلقاء اللوم على "الإسلام" عند وقوع أي عمل إرهابي، والاستخدام المتكرر لعدد من المسميات المُركبة المصطنعة التي أصبحت "كليشيهات صحفية" مثل "التطرف الإسلامي" و"الإرهاب الإسلامي".
ولا أدل على التأثير السلبي لمثل هذه التغطيات الإعلامية غير الموضوعية، من الهجمات التي تستهدف المسلمين خلال الآونة الأخيرة مثل حادث طعن إمام مسجد لندن المركزي البالغ من العمر 70 عامًا وهو يؤذن لصلاة العصر في 20 فبراير 2020 أي في نفس الشهر الذي وقع فيه حادث الطعن الإرهابي الذي نفذه "سوديش أمان" جنوب لندن وبنفس الأسلوب (الطعن).
هذه الواقعة سبقها على مدار السنوات الأخيرة حوادث تستهدف المسلمين، وهذا ما أكدته التقارير التي تصدر عن الجهات المتخصصة في تتبع جرائم الكراهية في بريطانيا، فقد سجل موقع "ميتروبوليتان بوليس" "Metropolitan Police" ٨١٦ بلاغًا عن اعتداءات ضد المسلمين في لندن خلال عام ٢٠١٥ مقابل ٤٧٨ بلاغًا في عام ٢٠١٤ بزيادة بلغت ٧٠,٧%.
وفي عام 2016، جاءت بريطانيا في المركز الأول على مستوى أوروبا في إحصائيات عن مظاهر "الإسلاموفوبيا" على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما "تويتر" حيث بلغ المعدل اليومي لتغريدات "الكراهية" الصادرة في بريطانيا في الفترة من مارس إلى يوليو فقط (367) تغريدة يوميًا، بزيادة بلغت 33% في شهر يوليو مقارنة بشهر يونيو من العام ذاته.
كما سجّل إحصاء لـ (قياس الهجمات ضد المسلمين) في بريطانيا عام 2017، (141) حادث كراهية ضد المسلمين عقب هجومي مانشستر، وجسر لندن، واللافت للنظر أن الضحايا كانوا يرتدون ملابس إسلامية تقليدية وقت وقوع جرائم الكراهية. وفي سبتمبر 2019، رصدت مجموعة المراقبة "Tell Mama" ارتفاع حوادث "الإسلاموفوبيا" بنسبة 375 % نتيجة لتصريحات عدد من الساسة البريطانيين والتي تناقلتها بعض وسائل الإعلام على نطاق واسع.
ألمانيا
نرصد هنا طبيعة المعالجة الإعلامية المستخدمة ببعض وسائل الإعلام الألمانية، ونبدأ من مجلة "دير شبيغل" "DER SPIEGEL" الأوسع انتشارًا، التي لم يختلف تناولها للهجوم الذي وقع يوم الأحد الموافق 2 فبراير 2020 في منطقة ستريتهام جنوب لندن كثيرًا حيث استخدمت في تقريرها المنشور بتاريخ 4 فبراير 2020 بعنوان: "Britenwollen Anti-Terror-Gesetzeverschärfen " أي "البريطانيون يريدون تشديد قوانين مكافحة الإرهاب"، وقد جاء في الخبر مسميات مشابهة لما تم رصده ببعض الصحف البريطانية والأمريكية، مثل "الإسلامي"، و"الجهاد الإسلامي"، و"الإسلاميين"، و"هجمات إسلامية"، "الدعاية الإسلامية"، بما يرسخ في ذهن المواطن الألماني أو المتابع للمجلة في العالم أن مرادف "الهجمات الإرهابية" هو "الهجمات الإسلامية"، أما "الإرهابيين" فهم "الإسلاميين"؛ وذلك نتيجة للإسقاط الذي استخدمته المجلة في تغطية الحادث الإرهابي.
وقبل هذا الحادث بأربع سنوات، وتحديدًا في مارس 2016، نشرت المجلة تقريرًا بعنوان "الدولة الإسلامية تتبنى استراتيجية جديدة في أوروبا"، وعلى الرغم من استخدامها لمصطلح "داعش" في متن التقرير إلا أنها عمدت إلى وضع تعبير "الدولة الإسلامية" في العنوان لتحديد الانتماء الديني للتنظيم الإرهابي أمام القارئ وربط الإسلام بتهديد محتمل الوقوع في المستقبل، بشكل يساهم في "صناعة الخوف من الإسلام".
كما نرصد عددًا من الملاحظات في تقريرها المنشور في 2016 بعنوان: "Ins Fleisch geschnittene Botschaften sind wirkungsvoller als der Koran" عن محادثات برلين الدينية الرابعة والتي طرحت عددا من التساؤلات حول أسباب الإرهاب والتطرف والعلاقة بين الأديان والعنف.
ونبدأ من العناوين الفرعية للتقرير التي تطرقت فيها "دير شبيغل" إلى ما أسمته بـ "هل هناك في القرآن ما يدعو إلى القتل؟ الاستعداد للقتل باسم الإله" واضعة صورة لـ "مصحف محترق من أحد التفجيرات الانتحارية في بغداد" أسفلها، وهنا عمدت الصحيفة إلى تصدير "الإسلام" في واجهة النقاش.
وبالتوغل في فقرات التقرير نجدها تطرح تساؤلًا حول آية السيف في القرآن، وعلى الرغم من تأكيد أحد الخبراء المشاركين بالندوة إساءة هؤلاء الإرهابيين لاستخدام آيات القرآن من خلال نزع النصوص من سياقها إلا أن المجلة عمدت إلى وضع السؤال في شكل عنوان بارز بخط أكبر بحيث يكون أكثر وضوحًا للقارئ. وظهر هذا التعمد من جانب المجلة في ربط الإسلام بالإرهاب من خلال طرح تساؤل آخر في بداية التقرير عن (دور القرآن باعتباره كتاب المسلمين المقدس في حروب "الدولة الإسلامية!") حيث ربطت تساؤلها باسم التنظيم الإرهابي غير مستخدمة مسمى "داعش" بل "الدولة الإسلامية" كإقرار مسبق بوجود دور للقرآن في هجمات التنظيم الإرهابية.
كما شملت مقدمة التقرير إقرارًا بفشل هذه الندوة في إعطاء إجابات وافية ومحددة حول "دور الدين في العنف" أي أن التقرير لجأ إلى "الأحكام الاستباقية" ولم يترك للقارئ فرصة التوصل إلى أي نتيجة بعد قراءة تصريحات الخبراء المشاركين في الندوة. وعلى الرغم أن الهدف الرئيسي من الندوة هو تحديد وجود علاقة بين الأديان وممارسة العنف من عدمها إلا أن المحور الذي ارتكز عليه تقرير المجلة الألمانية كان "الإسلام وترويجه للعنف" ــ حسبما رغبت في إظهار الأمر ــ مما أحدث خللًا واضحا في التناول الإعلامي وأظهر أن "الإسلام" الدين الراعي للعنف مقارنة بباقي الأديان.
وبالنسبة لتغطية صحيفة "Taz.de" لنفس الهجوم الإرهابي جنوب لندن، نجدها تفرد تقريرًا تفصيليًا عن الحادث تحت عنوان: "Attentätererschossen .. Terror in Großbritannien" ومعناه " حادث إرهابي في المملكة المتحدة .. وإطلاق النار علي الجاني"، استُخدمت فيه مسميات مثل "الجناة الإسلاميين"، "المتعصبين الإسلاميين" في آخر فقرات التقرير وذلك بالتزامن مع الحديث عن الضحايا أي استخدمت طريقة "الإرباك العقلي العاطفي" وهو ما يعقب الصدمة لإخضاع القارئ عن طريق إرباك تفكيره وقت وقوع الحادث الإرهابي من خلال تأجيج "مشاعر الخوف" و"الكراهية" معًا، وهذا ما حدث بالفعل عندما عممت المسمى على كل المنتمين لدين منفذ الهجوم "الجناة الإسلاميين" وجعلت المسلمين جميعًا أمام القارئ في موضع الاتهام، وفي نفس الوقت تذكر هذا القارئ بضحايا هذا الهجوم؛ مما يشحن النفس بمشاعر الخوف والكراهية في آن واحد.
هذا التناول الإعلامي من جانب الصحيفة الألمانية كفيل بإحداث تغييرات عاطفية ونفسية وعقلية في سلوك القارئ قبل وبعد الحادث الإرهابي، حيث يبدأ في الابتعاد عن قيمه السابقة مثل التسامح والود ويتحول شيئًا فشيئًا إلى شخص أكثر تعصبًا وعنصرية، نتيجة لما تلقاه من معلومات متلاعب فيها ومع تكرار تلك المسميات المصطنعة والربط الزائف بين الإرهاب والإسلام يبدأ عقل القارئ في تصديق ما يراه، حيث لا يعطى هذا التكرار لعقله الفرصة لتحليل الأمور والتفكر والتدبر بها، مما يحدث تحول جذري في سلوكه وممارساته اليومية تجاه الآخرين ونخص هنا "المسلمين" المحيطين به.
وعن آثار تلك المعالجات الإعلامية على المستوى الألماني. لا يختلف الأمر كثيرًا هنا عن بريطانيا والولايات المتحدة، فقد شهد يوم الأربعاء الموافق 19 فبراير 2020، إطلاق نار على اثنين من المقاهي ذات الطابع الشرقي في مدينة "هاناو" الألمانية، وأسفر ذلك عن مقتل 11 شخصًا وإصابة العديدين، في هجوم وصفه وزير الداخلية الألماني بـ "الهجوم الإرهابي ذات الدافع العنصري"، في نفس الشهر الذي وقع فيه هجوم الطعن بلندن.
وخلال السنوات الأخيرة، برزت حركات مناهضة لتواجد المسلمين في ألمانيا أبرزها حركة "بيجيدا" Pegida، التي نظّمت العديد من المظاهرات التخريبية المعادية للمسلمين، ونجحت في حشد مظاهرات وصلت أعدادها في بعض الأحيان إلى ٢٠ ألف متظاهر كما حدث في مدينة "دريسدن"، وبعد تأسيسها تم رصد حوالي ١٧٣هجومًا على مقار خاصةباللاجئين خلال النصفالأول من عام ٢٠١٥م، و٢٣ اعتداء على مساجد، وتنظيم ٦٤ مظاهرة ضد ما أسمته بـ "أسلمة أوروبا".
ما استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "فريدريش إيبرت شتيفتونغ" عام 2016، وُجد أن حوالي 40% من المواطنين الألمان يرون أن الإسلام يشكل خطرًا على مستقبل بلادهم.، وهذا من أبرز الآثار السلبية الناتجة عن المعالجة الإعلامية المتبعة في بعض وسائل الإعلام الألمانية والتي صورت الإسلام كعدو يهدد حياة الألمان من خلال (صيغة الجمع) المستخدمة في تحرير تقاريرها.
ومؤخرًا، أعلنت الحكومة الألمانية في تقرير لها ردًا على طلب الإحاطة المقدم من قبل الكتلة اليسارية بخصوص العنصرية المعادية للمسلمين، عن حصر 184 اعتداء ضد المسلمين خلال عام 2019 بما يمثل اعتداء كل يومين تقريبًا، وتنوعت أعمال العنف تلك ما بين استهداف المساجد والمؤسسات الإسلامية والتلويح بإلحاق أذى جسدي بالمسلمين وتوجيه الإهانات وإلحاق أضرار مادية. كل هذا دفع "هيلجي ليند" عضو الحزب الاجتماعي الألماني في كلمته أمام البرلمان الألماني، إلى تقديم اعتذار للمسلمين عن الخطابات المعادية التي تتسم بالتمييز والحقد، والتي تلقوها على مرأى ومسمع من الجميع خلال العقود الأخيرة، وهو الأمر الذي لاقى استحسان المسلمين في ألمانيا.
فرنسا
ونبقى في القارة الأوروبية وتحديدًا في فرنسا حيث نشرت صحيفة "لو فيجارو" Le Figaro، تقريرًا عن نفس حادث الطعن الذي وقع على يد "سوديش أمان" جنوب لندن، يوم 3 فبراير 2020 بعنوان: L'État islamiquerevendiquel'attaque au couteau à Londres""، أي "الدولة الإسلامية تعلن مسئوليتها عن هجوم لندن بالسكين"، وآخر بعنوان: "Attaqueterroriste à Londres : l'assaillantsortait de prison pour des «délits de nature islamiste”"
أي "هجوم إرهابي بلندن: الإفراج عن معتدي بتهمة جرائم ذات طابع إسلامي"
ونلحظ فيهما استخدام إشارات واضحة تربط بين الحادث الإرهابي والإسلام مثل مسمى "الدولة الإسلامية" و"جرائم ذات طبيعة إسلامية".
وتكرر الأمر في الخبر المنشور خلال شهر يناير 2020 بعنوان: " Terrorismeislamisteune menace hideuse et protéiforme" ومرفق به عنوان فرعي آخر " Depuis le 7 janvier 2015, la France a subiune suite d’attentatsininterrompue"، أي (الإرهاب الإسلامي: تهديد بشع ومتعدد الأوجه .. منذ 7 يناير 2015 عانت فرنسا من سلسلة متواصلة من الهجمات)، حيث تم استخدام مسميات تربط العنف والإرهاب بـ "الإسلام" بشكل صريح وتعمل على بث مشاعر "الخوف" و"الكراهية" معًا في نفوس الفرنسيين، مع تعميم الحكم على الدين الإسلامي ككل من خلال إسقاط فعل فرد متطرف على الكل وهو ما يؤكد ما يطلق عليه "العقوبة الدينية".
وللاقتراب أكثر من السياسة التحريرية للصحيفة الفرنسية، نرى تعمدها ربط الإسلام بمصطلح الإرهاب من خلال مسميات مثل "الإرهاب الإسلامي" كما جاء في الخبر المنشور خلال نوفمبر 2019 عن "المؤتمر الدولي لضحايا الإرهاب في نيس" بعنوان: " À Nice, un congrès international pour les victimes de terrorisme"، وهنا استخدمت طريقة "الإرباك العقلي العاطفي" أيضًا مثلما فعلت صحيفة "Taz.de" الألمانية، من خلال ربط الإرهاب بالإسلام والحديث عن ضحايا الهجمات الإرهابية في آن واحد.
لذا يمكن القول إن التوجه العام لـصحيفة "لو فيجارو" هو جعل الدين الإسلامي موضع اتهام بشكل صريح من خلال تلك المسميات المصطنعة، وإسقاط الجزء على الكل، وظهر هذا جليًا في توجه مقالات الرأي المنشورة بها.
ويؤدي تكرار هذا الربط بين الإرهاب والإسلام في مقالاتها وموضوعاتها إلى حدوث ربط تلقائي في أذهان القراء الذين يتابعون موضوعاتها بانتظام، ويصحب ذلك مشاعر خوف وعداء وكراهية في آن واحد، وهنا استطاعت الصحيفة الفرنسية عبر موادها المنشورة "صناعة الخوف" من الإسلام وتحويله إلى عدو للمواطن الفرنسي.
وعن نفس الحادث الإرهابي في جنوب لندن، نُحلل المعالجة الإعلامية المستخدمة بصحيفة "لو موند" Le monde، حيث نشرت تقريرًا بعنوان "L’organisation Étatislamique revendique l’attaque au couteau qui a fait troisblessés à Londres "أي "تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسئوليته عن هجوم الطعن الذي أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص"، على الرغم من استخدام الصحيفة لمسمى "داعش" في الفقرة الأولى من التغطية إلا أنها وضعت "تنظيم الدولة الإسلامية" قبلها للتعريف بالانتماء الديني لداعش، إلى جانب وضع توصيف للحادث بأنه "ذو طبيعة إسلامية" متماشية في ذلك مع أغلب التغطيات المُتبعة.
وفي تغطيتها لتداعيات الحادث الإرهابي تحت عنوان "Après l’attaque au couteau à Londres, le gouvernementveutdurcir la loienvers les djihadistes " أي "الحكومة تريد تشديد القانون ضد الجهاديين بعد هجوم الطعن في لندن" وفيه استخدمت مسمى "إعادة تأهيل الإسلاميين" في إشارة إلى المتطرفين والإرهابيين، مما يُحدث ربطاً تلقائيًا في أذهان القراء بين المسلمين والإرهابيين واعتبارهم كيانًا واحدًا.
هذا يقودنا إلى نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام "IFOP" في الفترة من 26 أغسطس إلى 18 سبتمبر 2019 على عينة تبلغ (1007 شخص) بعنوان "حالة التمييز والاعتداء نحو المسلمين في فرنسا"؛ للوقوف على وضع المسلمين في المجتمع الفرنسي وطبيعة العلاقة بين المسلمين والفرنسيين، والتي كشفت عن ارتفاع وتيرة أشكال التمييز والعنصرية ضد المسلمين في فرنسا خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث تعرض واحد من كل ثلاثة مسلمين لشكل واحد على الأقل من أشكال التمييز في السنوات الخمس الماضية.
ومن أشكال التمييز العنصري "الاعتداء اللفظي" الذي شهد نموًا بين صفوف المسلمين الذين يذهبون عدة مرات في الأسبوع إلى المسجد بنسبة 36٪ ، مقارنة بـ 20 ٪ للمسلمين الذين لا يذهبون إلى المسجد. كما لوحظ تعرض النساء للتمييز أكثر من الرجال خاصة "المحجبات"، وذلك نتيجة للتمييز القائم على الشكل حيث يمثل "الحجاب" علامة دينية واضحة في الإسلام، وشمل التمييز أيضًا استهداف المسلمين خلال عمليات البحث عن فرص عمل أو أماكن سكن أو الدراسة، أو غيرها من التعاملات.
وبالنظر بعين فاحصة في المعالجات الإعلامية للأحداث الإرهابية التي تقع على الأراضي الفرنسية وخارجها، نجد إن دور المؤسسات الإعلامية في "صناعة الخوف من الإسلام" وانتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في فرنسا أمرًا جليًا.
مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار "الإسلاموفوبيا"
من العوامل التي ساهمت في انتشار "الإسلاموفوبيا" - أيضًا - التطور التكنولوجي الذي جعل من العالم قرية صغيرة يعلم كل فرد فيها ما يحدث مع غيره ولو كان في أقصى بقاع الأرض. ومن مظاهر هذا التطور ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت تزايدا ملحوظا في عدد المستخدمين، مما دفع وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها إلى السعي لإيجاد مكان لها على تلك المواقع لنشر موادها أولًا بأول، لزيادة عدد المتابعين لها على مستوى العالم.
وأدّى الانتشار السريع للمواد الإعلامية إلى ترسيخ خطاب الكراهية الذي تستخدمه بعض تلك الوسائل، واتخاذه لأبعاد أكثر خطورة على الصعيدين الإنساني والاجتماعي؛ أنها أصبحت مصدرًا أساسيًا لاستقاء المعلومات والأخبار لدى الملايين في العالم. فعلى سبيل المثال كشف تقرير أعده كل من "جيفري غوتفيرد" Jeffry Gottfried و"إليسا شيرر" Elisa Shearer عام 2016، بعنوان “News Use Across Social Media Platforms2016 ”، أن 6 من كل 10 أمريكيين يتلقون الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقعي "الفيسبوك" بنسبة 66% و"تويتر" بنسبة 59%، إلى جانب النمو الملحوظ في عدد المعتمدين على تلك المواقع في استقاء الأخبار في عام 2016 مقارنة بعام 2013.
وبالنسبة للفئات العمرية (18 ـ 29) و(30 ـ 49) لوحظ أن الفارق بين نسب الاعتماد على أخبار تلك المواقع في عامي 2013 و2016، لم تختلف كثيرًا. بينما انخفضت فرصة التأكد من صحة هذه الأخبار نتيجة اعتماد معظم مستهلكي أخبار مواقع التواصل الاجتماعي على موقع واحد فقط للحصول عليها.
وللإقتراب أكثر من التأثير الذي يحدثه انتشار المواد الإعلامية عبر تلك المواقع على صورة المسلمين في العالم وتصاعد خطاب الكراهية، نبدأ برصد عدد المتابعين للصحف محل الرصد على موقعي التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" و"تويتر":
نلحظ هنا مدى الانتشار الذي يمكن أن تحققه مادة إعلامية واحدة تغطي حدث إرهابي ما، يتم فيها استخدام مسمى يدمج الإرهاب مع الإسلام ويضعهما في موضع واحد أمام عقل القارئ.
فالاستخدام الملتوي للغة والمصطلحات كوضع صبغة دينية على مصطلح مثل "الإرهاب" وتكراره في جميع الأخبار والتقارير عند وقوع أي حدث إرهابي أو عند مناقشة أي قضية ذات صلة بالإرهاب يشكل خطورة تمتد آثارها إلى سنوات قادمة. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى التطور التكنولوجي الهائل الذي مكَن تلك الصحف وغيرها مننشر موادها الإعلامية أولًا بأول، مما يجعل مثل هذا الربط الزائف بين الإسلام والإرهاب ينتشر كـ "انتشار النار في الهشيم"، ويزيد من قابلية تصديق القارئ له.
فإذا قلنا أن صحيفة "الجارديان" استخدمت مسميات تربط بين الإرهاب والإسلام أكثر من (30) مرة في أحد تقاريرها، فهذا يعني أنه تمت قراءة تلك المسميات من قبل 18 مليون شخص نتيجة المتابعة الواسعة لموادها على موقعي "الفيسبوك" و"تويتر"، مما يرسخها في أذهان هؤلاء القراء إلى جانب تناقلها عبر خاصية "الشير" share واتساع رقعة انتشارها وتداولها، هذه النتيجة لم تتضمن عدد المتابعين لموقعها الإلكتروني وعدد النسخ المطبوعة .. وبناء على هذا يتكرر الأمر ذاته مع كل الصحف السالف ذكرها.
وقياسًا على ما ذكره "جورج جربنر" Gerbner George مؤسس نظرية "الغرس الثقافي"، حول تأثيرات "التراكم" (accumulation) فإن تراكم المواد الإعلامية التي تربط بين الإسلام والإرهاب وتكرار المسميات المستخدمة في صناعة تلك المواد، له تأثيرات قوية على القارئ تفوق تأثير النص الواحد؛ نتيجة ترسيخ القالب النمطي السلبي المعتاد عن الإسلام والمنتمين له في الأذهان. مما يفسر زيادة وتيرة الهجمات العنصرية ضد المسلمين عقب كل حادث إرهابي جراء هذا الربط الدائم بين "الإسلام" كدين للملايين حول العالم وبين "الإرهاب" كمصطلح يطلق على كل عمل متطرف خارج عن القانون؛ وهو ما يزيد من تعقيد الأمر والعبء الواقع على كاهل المسلمين في البلدان الغربية على الأخص.
ختامًا
في نهاية هذا العرض لدور اللغة المستخدمة في التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية في "صناعة الخوف" من الإسلام، يمكن القول إن الدور الذي يلعبه الإعلام في تعريف المواطنين بالقضايا السياسية والاجتماعية وغيرها من قضايا تطرح داخل مجتمعاتهم وخارجها، يساهم في تكوين الرأي العام والتأثير في اتجاهاته ومعتقداته.
ومن ضمن القضايا التي ساهم الإعلام في تكوين تصور عنها قضية "الإرهاب" التي دخلت مرحلة جديدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة، وتحولت بسبب الثورة التكنولوجية إلى عمل مُنظم.
ورغم الجدال الطويل بين العاملين في مجال الإعلام حول حجم وكيفية تأثير المواد الإعلامية في الجمهور، والذي بدأ في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، وبلغ أوْجَه مع محاولة العالم الأمريكي "جوزيف كلابر" عبر كتابه "تأثير وسائل الإعلام" في عام 1960 تفنيد ما تردد حول قدرة الإعلام على التأثير المباشر في المتابعين، حيث اعتبر أن اكتساب الإنسان لسلوك ما يجب أن يسبقه استعداد فطري لممارسة ذلك السلوك.
إلا أن هذه المحاولة لا تنفي أن وسائل الإعلام وإن كانت لا تؤدي إلى تكوين السلوك العنيف ــ وفق رأي " كلابر"فإنها تعزز ذلك السلوك لدى الأفراد الذين لديهم الاستعداد لممارسة ذلك السلوك أي أن الادعاء بمحدودية تأثير وسائل الإعلام على سلوك الأفراد تقليلًا لدور تلك الوسائل في التأثير على القيم وأسلوب الحياة في المجتمعات. وهو ما أكده "فردريك ورثام" عالم النفس الأمريكي في كتابه "إغواء الأبرياء" حين قال في معرض رده على الذين يشككون بقدرة وسائل الإعلام على التأثير في الناس الذين يتعرضون لها:
"كلما وقع نظري على كتاب من هذا النوع (كتب مصورة للأطفال فيها مشاهد عنف) في يد صبي في السابعة من عمره، وكأنما عيناه ملتصقتان بغراء في الصفحة المطبوعة، أشعر وكأني أبله حين أطالب بأن آتي بالدليل على أن مثل هذا الشيء ليس غذاءً عقليًا صالحًا للأطفال".
لذا فالخطاب المُتبع في الكثير من وسائل الإعلام يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في إحداث تغييرات بمواقف ومعتقدات وقناعات وحتى سلوكيات المُتلقين، خاصة مع قدرة تلك الوسائل على الانتشار حاليًا مقارنة بالماضي. وإسقاطًا على ما رصدناه من مسميات مصطنعة تربط بين "الإرهاب" و"الإسلام" بعدد من الصحف العالمية نجد مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه في أذهان وسلوكيات المتابعين لها، ويظهر لنا جليًا أيضًا مدى تحيز تلك الصحف ضد الإسلام.
ومع ندرة الدراسات التي تقيس الآثار النفسية للاعتداءات على المسلمين وتأثيرها على اندماجهم في المجتمعات الغربية قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، إلا أن الدراسة المنشورة بعنوان "Perceived islamophobia: Scale development and validation" بالمجلة الدولية للعلاقات بين الثقافات لـ "جوناس آر كونست" "Jonas.R.kunst"، بقسم علم النفس بجامعة أوسل بالنرويج وآخرين، أثبتت وجود تدهور واضح في ذلك الشأن.
ومن شأن هذا التدهور في تأقلم المسلمين أن يحدث تأثيرات ليست على المستوى الشخصي للأفراد فحسب بل على المنظومة المجتمعية ككل إلى جانب تأثيره على الاقتصاد أي أن التأثير لن يكون فرديًا بل جماعيًا؛ وهو ما دفع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مرارًا وتكرارًا إلى المطالبة بوضع حد للمظاهر العدائية ضد المسلمين وتشريع قوانين تعاقب مرتكبي الأفعال العنصرية لردع كل من تخول له نفسه ارتكابها.
لذا يدعو المرصد كافة وسائل الإعلام إلى العودة للمصطلحات المتعارف عليها دون إضفاء صبغة دينية عليها تجردها من معناها الحقيقي، والتي من شأنها أن تحدث التباسًا في ذهن المتابع لتلك الوسائل وهو الذي برزت آثاره السلبية على مدار السنوات الماضية جراء الأساليب المُتبعة في صياغة المواد الإعلامية، مؤكدًا أن التركيز على الجاني نفسه دون ربطه بالمجموع ككل؛ سيساهم في الحد من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وتصحيح الصورة الذهنية السلبية التي تم صياغتها عبر سنوات عن الإسلام والمنتمين له.