الأوقاف: حديث القرآن الكريم عن الوالدين عظيم الخصوصية
- هناء شلتوتقال وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، إن الحديث عن الكمال والجمال ومحاسن ومكارم الأخلاق الموجودة في كتاب الله عز وجل لم ولن ينقطع، وأن القرآن الكريم كما تحدث عن "الصبر الجميل "، و" الصفح الجميل "، و" الدفع الجميل "، و" القول الجميل "، و" العطاء الجميل "، و" التحية الجميلة "، ومكانة الرسول صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية الشريفة، تحدث أيضا عن بر الوالدين الذي هو عظيم الخصوصية ودعاءهما كنز في الحياة وبعد الممات.
وتحدث وزير الأوقاف، اليوم خلال حلقات برنامج" في رحاب القرآن الكريم " بعنوان: " كتاب الجمال والكمال" في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره قائلا:إن القرآن الكريم تحدث عن الوالدين حديثًا خاصًا، يقول سبحانه: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"، حيث جعلت الآية الكريمة الإحسان إلى الوالدين تاليًا للأمر بعبادته سبحانه.
وقال وزير الأوقاف إن هذا ليس قاصرًا على هذه الآية فحسب، أو في الإسلام وحسب، بل فيما سبق من الأديان ورسالات الرسل ( عليهم السلام)، يقول سبحانه: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، ويقول جل وعلا: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، ويقول تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، كل هذا تأكيد على حق الوالدين ومكانتهما وفضلهما.
وأضاف" كما حذر سيدنا رسول الله من عقوق الوالدين حيث يقول ( صلى الله عليه وسلم ): " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ؟ ثَلاثًا "، قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ( صلى الله عليه وسلم): " الإِشْراكُ بِاللهِ، وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ"، وَكانَ مُتَّكِئًا فجلس، وقالَ( صلى الله عليه وسلم): " أَلا وَقَوْلُ الزّورِ "، فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ "، فعقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله تعالى.
وأوضح وزير الأوقاف، أن الآية الكريمة في سورة الإسراء تناولت مرحلة خاصة يكون الوالدان في أشد الحاجة إلى العناية والرعاية فيها وهي مرحلة تقدم السن، قال سبحانه:" إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا "، سواء الأب أم الأم أم كلاهما، "فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُف"، فلا تؤذي مشاعر أي منهما ولو بكلمة "أف" التي يفهم منها التضجر، ولا تتجاوز أكثر من ذلك، "وَلَا تَنْهَرْهُمَا" وإنما تأدب بآداب الإسلام وأخلاق القرآن الكريم، " وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا".
وأضاف أنه إذا كان الإسلام والقرآن الكريم يأمران بالقول الحسن للناس جميعًا " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا "، فما بالنا بالوالدين أصحاب الفضل (الأم التي حملت وأرضعت وربت وسهرت وعلمت، والأب الذي كافح وتعب وناضل وربى وأدب وعلم )، "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ".
وقال لما سأل رجل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال الرسول(ص): "أمك"، قال: ثم من؟ قال(صلى الله عليه وسلم ): " أمك"، قال: ثم من؟ قال(صلى الله عليه وسلم ): "أمك "، قال: ثم من؟ قال(صلى الله عليه وسلم ):" أبوك"، وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) يستأذنه في الْجِهَادِ، فَقَالَ (ص):" أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ(ص):" فَفِيهِمَا فَجَاهِد"، وعندما جاء آخر وقال: يا رسول الله لقد أصبت ذنبًا عظيمًا، فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ(صلى الله عليه وسلم ): " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ " قَالَ: لَا، قال (ص): " هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قال (ص) "فَبِرَّهَا".
كما بين أن الإسلام أمر بصلة الرحم بصفة عامة، ونهى عن قطيعة الرحم، يقول تعالى:" فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، وفي الحديث القدسي يقول سبحانه:" أنا الرَّحمنُ خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ لها اسمًا مِن اسمي فمَن وصَلها وصَلْتُه ومَن قطَعها قطعته "، فإذا كان هذا في عموم الرحم فما بالنا بقطيعة الوالدين ثم ما بالنا بالإساءة لهما، فمن لا خير فيه لوالديه فلا خير فيه لنفسه، بل لا خير فيه أصلًا، يقول (صلى الله عليه وسلم):" لا يدخل الجنة عاق ".
وأضاف أن الوالدين يستحقان الشكر، ودعاء الأم ودعاء الأب كنز في الحياة وبعد الممات.
واشار وزير الأوقاف إلى أن الله تعالى قرن شكر الوالدين بشكره، قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"، حتى لو كان الوالدان كافرين، بل حتى لو حملاك على الكفر فلا تطعهما في ذلك، ولكن صاحبهما معروفا، وعاملهما معاملة حسنة، فعن ابن عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) أنه رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَامِلًا أُمَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَتَرَيْنِي جَزَيْتُكِ يَا أُمَّهْ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا): " ولا طلقة وَاحِدَةً من طلقات الولادة".
وأوضح أن بر الوالدين ممتد لما بعد وفاتهما، وذلك من خلال إكرام صديقهما، والوفاء بعهدهما، فعن ابن عُمَر (رضي الله عنهما ): أَنَّهُ كَانَ إِذا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمارٌ يَتَروَّحُ عَليْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وعِمَامةٌ يشُدُّ بِها رأْسَهُ، فَبَيْنَا هُو يوْمًا عَلَى ذلِكَ الحِمَارِ إذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابنَ فُلان بْن فُلانٍ؟ قَالَ: بلَى، فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ، فَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وأَعْطاهُ العِمامةَ وَقالَ: اشْدُدْ بِهَا رأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحابِهِ: غَفَر اللَّه لَكَ! أَعْطَيْتَ هذَا الأَعْرابيَّ حِمارًا كنْتَ تَرَوَّحُ عليْهِ، وعِمامَةً كُنْتَ تشُدُّ بِهَا رأْسَكَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) يقولُ:" إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ، وإن أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمر"، هكذا تعلم الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) آداب القرٱن الكريم.