الوجه الآخر لـ «المُضْحِك الحَزِينْ».. قصّة إسماعيل يس التي لم تُروَ
أحمد واضح- قفز من نافذة قطار صونًا لكرامته !!
- عمل قهوجيًا وتباعًا وبات في مسجد السيدة زينب.
- تعاون مع الدولة في ترغيب الشباب للانضمام للجيش ومات بدون تكريم.
- عاش حزينًا وتلقى الصدمات تلو الأخرى أبرزها من الجنس الآخر.
عُدَّ أكثر من أضحك الشعب المصري بل والشعوب العربية؛ فرسم الابتسامة على وجوه الكبار والصغار، حيث قدم نحو 400 فيلم، منها 17 فيلمًا في عام واحد فقط -1954-، و61 مسرحية، و300 مونولوج، وثقت لتاريخ مجيد للتليفزيون المصري والسينما العربية.
إسماعيل يس، الذي تحل علينا ذكرى وفاته الثامنة والأربعين، ولد عام 1912 في مدينة السويس، حياته الفنية قصة صبر ومثابرة انطلق من مسجد السيدة زينب، والذي كان ينام بداخله؛ نظرًا لفقره وضيق ذات يده.
«مرمطة طريق»
عمل إسماعيل يس، في صغره "قهوجي"، و"تباعًا" في موقف السويس؛ كي يتكسب طعامه وهو يعيش بدون أب -مسجون-، وأم متوفاه، حتى تملّكه حب الفن، فراح يعمل في فرقة "الست سعاد"، التي رفضته حين طالعت وجهه غير الوسيم، ولكنها وافقت بعد أن أخذ يرجوها وينشد إنسانيتها في تحقيق حلمه، فذهب في أول رحلة عمل معها لإحياء حفل زفاف بمحافظة الشرقية، وحين وصلوا ألغي حفل الزفاف، فاتهمته بالنحس، وفي طريق العودة انزلقت قدمها فاتسخ "فستانها"، فعرض العاملون عليها قيام إسماعيل يس بتنظيف الفستان داخل القطار، وبالفعل أخذ إسماعيل الفستان ينظفه، وبعد تنظيفه اراد أن يجففه، فوق في عقله، أن يخرج يده من نافذة القطار فيمر الهواء الشديد داخل الفستان ليجففه؛ ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيمر قطار مقابل، وتتسبب قوة انعكاس الهواء في سقوط الفستان من يد إسماعيل.
وبين استعجال العاملون بالفرقة لإسماعيل، سرعة الانتهاء من تنظيف الفستان؛ فالست سعاد تنظر في كبينتها "بالملابس الداخلية"، خشي إسماعيل أن يخرج ليقول لهم ما حدث؛ فعندها سيهان ويسب بل قد يضرب جزاء إهماله -غير المقصود طبعًا-؛ ولكونه يحمل كرامة عالية واعتزازًا بنفسه؛ آثر أن يقفز من القطار، على أن يهان من الست سعاد أو رجالها، فسقط من القطار وكسرت ضلوعه وقدميه؛ ومكث في القصر العيني ثمانية أشهر يتلقى العلاج، ويماثل الشفاء.
معاناة عاطفية
وفي حياته العاطفية، لم تكن أقل معاناةً من العملية، فارتبط بفتاة تدعى سعاد، كانت تعمل معه في فرقة فنية، وذهب يطلب يدها للزواج والتقى بشاب قدمته له باعتباره شقيقها، ثم ما لبث أن اخذ يقدم لها الهدايا؛ مدللًا على حبه لها، وبعد فترة انتظار مع تسويفها، واجهها مطالبًا إتمام الزواج؛ وكان الرد صادمًا حين أخبرته أنها متزوجة بالفعل من الشاب الذي قدمته له باعتباره شقيقها، فتلقى الصدمة تلو الأخرى، واللاتي كن ليحطمن أي رجل مهما كانت قوته على تحمل الصعاب، ويقضين على أمله وحلمه في إكمال طريقه؛ لكن إسماعيل أكمل طريقه ووصل إلى القمة التي مكث عليها نحو 20 سنة.
إنسانية إسماعيل يس، تجلت في مواقفه التي رويت عنه، ولم يذكرها، فكان يخرج وصديقيه أبو السعود الإبياري، وأنيس منصور، دبر كل تعاقد فني على عمل؛ ليخرج من ماله صدقات للفقراء، الذين عاش مر حياتهم، واكتوى بنيران معاناتهم؛ فكانت حياته الخاصة مؤلمة على عكس ما كان يصدر لنا من كوميديا مضحكة تدخل علينا السرور والبهجة، في درس يعلمنا أن لا نحكم على الأمور بظاهرها، وأن من نظنه أسعد الناس قد يكون أتعسهم.
يس إسماعيل يس، يحكي عن والده،: "رغم أدواره الكوميدية وإضحاك وإسعاد الملايين في مصر، والوطن العربي؛ إلا أن شخصيته كانت تتميز بالحزم والجدية، وكانت تشبه شخصية عاصم الإسترليني التي جسدها في فيلم المليونير".
تاريخ فني
قدم إسماعيل، 70 مسرحية خلال مشواره الفني، سجل منها 52 مسرحية، إلا أنه لم يتبق منها سوى "يا قاتل يا مقتول"، وفصلان من مسرحية "كل الرجالة كده"؛ بعد أن مسح القائمون على التليفزيون معظم شرائطه التي تحوي مسرحياته، وسجلوا عليها مباريات كرة قدم.
عام 1939 شهد انطلاقة إسماعيل يس السينمائية، عندما اختاره فؤاد الجزايرلى ليشترك في فيلم "خلف الحبايب"، وقدم العديد من الأفلام لعب فيها الدور الثاني من أشهرها في تلك الفترة "لي بابا والأربعين حرامي"، و"نور الدين والبحارة الثلاثة" و"القلب له واحد"، وقدم أكثر من 400 فيلم في حياته أكثر من نصفها بطولته المطلقة، والمشتركة، وأهمها تلك الأفلام التي قدمها للجيش؛ وبدعم من الرئيس جمال عبد الناصر؛ لتحبيب وترغيب الشباب في الانضمام للجيش بعد أن بدأ عزوفهم عنه، خوفًا من ذويهم عليهم في ظل حالة الحرب التي كانت فيها مصر بين عامي 1953 و 1973.
وفاة محزنة
فوجئ إسماعيل يس، بتراكم الضرائب عليه؛ وهو الذي لا يملك معارف وعلاقات ومسئولي الدولة حينها كما هو حال نجوم الفن الذين كانت تقدر قيمة الضرائب عليهم بمبالغ هزيلة؛ فأصبح بين عشيّة وضحاها مطاردًا بالديون، وحجز على المبنى الذي بناه بكفاح عمره؛ ليباع أمام عينيه، ويخرج من رحلة كفاحه الطويلة خالي الوفاض، فأخذ يقول لائمًا،: "أنا أربعين سنه شغل وتعب وجهد، مثلت 400 فيلم وعملت 300 مونولوج ومثلت 61 مسرحية كنت عامل زي الدواء للإنسان المهموم عشان أضحكه، وأنسيه همه، وغمه، مش دي تكون نهايتي أبدًا".
اضطر إسماعيل يس، إلى حل فرقته المسرحية عام 1966، ثم سافر إلى لبنان وعمل في بعض الأفلام القصيرة منها "فرسان الغرام"، "كرم الهوى"، "لقاء الغرباء"، "عصابة النساء"، وعمل مرة أخرى منولوج كما بدأ؛ ثم عاد إلى مصر محطمًا كسيرًا، وعمل في أدوار صغيرة لا تتناسب وما قدمه من تاريخ حافل؛ ولم يرحمه أحد أو تقدره الدولة التي قدم لها الكثير، ووافته المنية في 24 مايو 1972، إثر أزمة قلبية حادة قبل أن يستكمل تمثيل دوره الأخير، والصغير في فيلم بطولة نور الشريف، فسمي "المضحك الحزين"؛ فرغم أن غالبية أفلامه كوميدية، ومضحكة، إلا أنه كان يعيش حزينًا وخاصة آخر أيام عمره.