السيناريو الأسود فى أزمة سد النهضة !!
محمد يوسف
يدرك صانع القرار المصري تماماً حجم الأخطار المترتبة على اقدام أثيوبيا على خطوة ملء خزان سد النهضة من جانب أحادي وفق الرؤية التي تحقق لأديس أبابا أقصى فائدة من توليد وبيع الكهرباء ، وتلحق في الوقت ذاته ضرراً بالغاً بالأمن المائي المصري حتى أن بعض التقديرات وصلت إلى أنها قد تتسبب في بوار 5 ملايين فدان من الأراضي الزراعية .
فإنشاء السد وفق "الرؤية الأنانية الأثيوبية" التي تصل إلى حد الوقاحة إلى انخفاض حصة مصر من المياه نظراً لفترة ملء الخزان بخلاف زيادة نسبة التبخر من خزان المياه، خاصة أن حجم الخزان يبلغ حوالي ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية “65,5 مليار متر مكعب”، فإذا افترضنا أن فترة ملء الخزان ستكون 5 سنوات فهذا يعنى استهلاك السد لـ 15 مليار متر مكعب من الماء سنويًا على مدار 5 سنوات، تخصم من مصر والسودان بنسبة حصتيهما “3 إلى 1″ بما يعنى تناقص حصة مصر السنوية بحوالي 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى “40-43 مليار متر مكعب سنويا”، وهو ما قد يمثل كارثة بالنسبة لمصر، حيث ستصبح حصة الفرد أقل من 650 متر مكعب من الماء سنويًا أي أقل من ثلثي المعدل العالمي “1000 متر مكعب للفرد”، كما أنه في مقابل كل مليار متر مكعب تنقص من حصة مصر المائية، فإنه من المتوقع أن تخسر مصر 200 ألف فدان زراعي .
وتدرك مصر أساليب المراوغة والالتفاف التي تمارسها أثيوبيا في سبيل توصيل المفاوضات إلى طريق مسدود ووقتها تضع العالم كله أمام أمر واقع بملأ سد النهضة وبالتالي أمام هذا الأمر فإنه من المستحيل توجيه أي ضربة عسكرية للسد الذي يهدد انهياره بغرق واندثار عدة مدن بالسودان ومثلها من محافظات دلتا مصر .
ولعله .. ومن هذا المنطلق فإن "آبي أحمد" ، رئيس الوزراء الأثيوبي ، ومن حوله من متخذي القرار في أديس أبابا يضع في بطنه "بطيخة صيفي" ، بحسب التعبير الشعبي الدارج الذي يدلل على أنه لا يحمل أي هم ولا يشعر بأي خطر من مصر أو غيرها ، وهو ما دفع وزير الري الأثيوبي منذ أيام لعمل بالون اختبار بتسريب أنباء عن قيام أديس أبابا بتنفيذ عمليات ملء السد دون انتظار انتهاء المفاوضات التي كانت لم تحسم بعد ، ثم عمد التليفزيون الرسمي الأثيوبي لنفي الخبر جملة وتفصيلاً ، ولكن الأرجح كان بدء عملية حجب مياه النيل بالفعل .
وفي واقع الحال فإننا إزاء هذا التلاعب والمراوغة الأثيوبية .. فإن على مصر أن تعدل من لغة المخاطبة ، فإذا كانت الدبلوماسية والحلول السلمية مطلوبة في معالجة مثل هذه المواقف ، إلا أننا وبكل تأكيد لا بد من عدم استبعاد أي خيار آخر في سبيل الحفاظ على حقنا التاريخي في مياه النيل .. وبدون إملاء مواقف بعينها ، فإنه حتما ولا بد أن تشعر أثيوبيا أنها ستواجه سيناريو أسود إذا ما أقدمت على الإضرار بشعب مصر .
ولا يستطيع أحد كائن من كان التقليل من شأن التحركات السياسية والدولية التي يجريها الرئيس عبد الفتاح السيسي لأجل المحافظة على كل قطرة مياه مصرية وكذلك الجهود الدبلوماسية لوزير الخارجية السفير سامح شكري ، لكن لا بد في الوقت ذاته الالتفات إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية .
حيث لا يخلو حديث بين اثنين أو أكثر حول نسبة احتمال لجوء مصر للخيار العسكري خصوصاً إذا ما وضعنا هذا السيناريو في ضوء تعزيز الترسانة العسكرية المصرية على نحو مشرف طوال الشهور الماضية .. وهل تجد مصر نفسها مدفوعة دفعا لاستخدام قوتها الضاربة إذا ما استشعرت خطر داهم حقيقي ربما يدخلنا في نفق مائي مظلم .. أو أن القيادة السياسية تجد أن الضرورة تقتضي توجيه ضربة عسكرية ضد أي طرف يتآمر على أمن مصر ليس المائي فحسب بل يقترب من حقها في الحياة خصوصاً إذا ما وضعنا في الحسبان أن الطرف الأثيوبي كان يلجأ لسلاح المراوغة والمماطلة طوال فترة المفاوضات حتى ينتهي من بناء السد .. الخلاصة يجب أن تعي أثيوبيا جيداً أن الصبر المصري له حدود وأن لنا أنياب يمكننا استخدامها بقوة للحفاظ على أمننا .