أحد أهم قرارات السيادة خلال القرن العشرين..
الذكرى الـ64.. ”ديليسبس” كلمة السر فى تأميم قناة السويس (فيديو وصور)
- مروة عباس"تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية"... قرار أعلنه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثاني رؤساء جمهورية مصر العرية من ميدان المنشية بالإسكندرية ليسجلها التاريخ كواحدة من أهم قرارات السيادة والاستقلال الوطني في تاريخ مصر والشعوب العربية والإفريقية والآسياوية التي كانت تتطلع للاستقلال عن الاستعمار.
ويحتفل المصريون اليوم 26 يوليو، بالذكرى الـ 64 لتأميم قناة السويس عام 1965، عندما أعلن الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، بميدان المنشية فى محافظة الإسكندرية قراره بتأميم قناة السويس، حيث لم يستغرق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الكثير من الوقت لاتخاذ قراره التاريخي بتأميم قناة السويس فكان ظهيرة يوم السبت الموافق 21 يولية 1965 ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، في ذلك الوقت شاهدًا على هذه اللحظة التاريخية التي سطر التاريخ بعدها فصلاً من فصول العزة والكرامة المصرية.
كانت عملية تأميم قناة السويس التي قامت بها مصر في 26 يوليو 1956 ردا على قرار القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي بسحب مشروع تمويل السد العالي.
عقب ثورة "23 يوليو"، 1952 قرر مجلس قيادة الثورة ومن بعد رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر إطلاق مشروع قومي يتمثل في بناء السد العالي وكان احتياج مصر لهذا المشروع كبيرا للغاية.
الحاجة للكهرباء:
وبحسب الإحصائيات حينذاك كان أكثر من 70% من بيوت مصر تعاني من الظلام ولم يصلها الكهرباء بالإضافة إلى احتياج مصر للطاقة الكهربائية وذلك لإنجاز المشروعات الاقتصادية كمشاريع مصانع الحديد والصلب وغيرها من المشروعات التي أرادت بها مصر أن تتحول من دولة زراعية إلى دولة صناعية.
لم يكن الاحتياج المصريلبناء السد العالي مقتصرا على توليد الطاقة الكهربائية وإنما كان لزيادة حجم الرقعة الزراعية أيضا مع تزايد أعداد المصريين إلى جانب إنقاذ محافظات مصر من موجات الفيضان التي كانت تهدم قرى بأكملها في موسم الفيضان.
كان لكل هذه الأسباب أن وضعت مصر ثورة "23 يوليو"، مشروع بناء السد العالي كمشروع قومي ذا أولوية بالغة وهو ما عرضت الولايات المتحدة في بادئ الأمر تمويل المشروع ثم انسحبت منه عقب دخول الرئيس جمال عبد الناصر في مواجهة مع الدول الاستعمارية من خلال تشكيل منظمة دول عدم الانحياز إلى جانب دعم مصر لحركات التحرر الوطني في المنطقة العربية والإفريقية والآسياوية.
الموقف الغربي:
على خلفية الصدام بين ناصر والولايات المتحدة انسحبت واشنطن من مشروع تمويل بناء السد العالي، وعقب انسحاب واشنطن بأيام انسحبت بريطانيا والبنك الدولي من المشروع بعد محاولتهم فرض وصايا على الدولة المصرية في قراراتها السياسية والاقتصادية.
قرار الانسحاب الغربي من مشروع بناء السد العالي اعتبرته مصر إهانة لا يمكن القبول بها، وعلى خلفية هذه الإهانة قرر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس البحرية لتكون شركة مساهمة مصرية لتمويل مشروع بناء السد العالي.
وتطلب اتخاذ القرار دراسة أبعاد الموقف الدولي حيال تأميم القناة واحتمالات التدخل العسكري علاوة على جمع البيانات والمعلومات الكاملة عن قناة السويس لاتخاذ التدابير اللازمة لأحكام السيطرة عليها دون خسائر.
مسؤول التأميم:
وقع اختيار الرئيس جمال عبد الناصر على المهندس محمود يونس، رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول ليكون هو المسؤول الأول عن عملية تأميم القناة وخول له كافة السلطات والصلاحيات وحرية اختيار رجاله والمعاونين له ووضع خطة التأميم خلال فترة وجيزة لا تتجاوز55 ساعة.
بدأ المهندس محمود يونس في اختيار رجال التأميم من دائرة الثقة المحيطة به من زملاء السلاح والكفاح أقرانه من ضباط سلاح المهندسين والعاملين المدنيين بهيئة البترول، وذلك بالتوازي مع وضع الإطار العام لخطة التأميم والتصديق عليها خلال اجتماعه مع الرئيس عبد الناصر بمجلس قيادة الثورة.
وشرع يونس في التواصل مع رجال التأميم والاجتماع بهم لإبلاغهم بالمهام المطلوبة منهم دون إبداء معلومات واضحة عن طبيعة العملية ذاتها مع التأكيد على الالتزام بالسرية التامة وتنفيذ التعليمات بحذافيرها.
تحرك عناصر التأميم:
تحركت عناصر التأميم في مجموعات كل مجموعة تتكون من خمسة أو ستة أفراد على رأسهم قائد من العسكريين يحمل مجموعة من الخطابات التي تحمل كل منها اسم الجهة التي سيقصدها وبكل منها التعليمات المطلوب تنفيذها.
وفي معسكر الجلاء بالإسماعيلية كان رجال التأميم ممن تحركوا على دفعات في وجهات مختلفة على موعد للقاء مرة أخرى والاجتماع بالمهندس محمود يونس الذي فاجئهم بحقيقة المهمة وهى تأميم "قناة السويس".
ساد الصمت أركان المكان وسط حالة من الذهول والدهشة التي يغمرها فرحة عارمة لا تخلو من خوف وقلق وارتباك أصابت مجموعة التأميم التي أنصتت باهتمام إلى خطة تنفيذ عملية تأميم القناة.
كلمة السر:
"ديليسبس" هى كلمة السر وإشارة البدء سننتظر سماعها في خطاب الرئيس عبد الناصر بالمنشية بالإسكندرية مساء اليوم 26 يولية في ذكرى رحيل الملك فاروق هكذا جاءت كلمات المهندس محمود يونس.
تم تقسيم عناصر التأميم إلى ثلاث مجموعات تنفيذية أما المجموعة الأولى فستتولى أمر الإدارة الرئيسية للقناة بالإسماعيلية كان على رأسها المهندس محمود يونس وضمت كل من عزت عادل وعبد الحميد أبو بكر وسعيد الرفاعي وفؤاد الطودي ومشهورأحمد مشهور وإبراهيم زكي ونبيه يونس وحسن إسماعيل ومحمد حسان وأحمد فؤاد عيد الحميد وقاسم سلطان ومصطفى نيازي وعبدالله شديد.
فيما اتجهت المجموعة الثانية إلى محافظة بورسعيد وكان على رأسها توفيق الديب وضمت كل من شوقي خلاف ويوسف محمد يوسف وحسني مسعود وحسن جلال حمدي وعصام العسلي وعبد السلام بهلول وعبد الحميد بهجت.
واتجهت المجموعة الأخيرة إلى السويس وكان على رأسها الشافعي عبد الهادي وضمت محمد الزفتاوي وجلال ثابت وحسام هاشم وعمرعزت وعباس أبو العز وسيد خليفة ومحمد بهجت، وذلك بخلاف المجموعة التي تركت في القاهرة لتأميم مكتب الشركة في القاهرة ومحطات الإرشاد المنتشرة على طول القناة وعددها 11 محطة تولى تأميمها سلاح الإشارة بالقوات المسلحة.
وفي الساعة الثامنة والنصف مساءً كان الجميع على أهبة الاستعداد يستمعون بإنصات إلى خطاب الرئيس عبد الناصر وينتظرون كلمة السر "ديليسبس" للتحرك إلى مواقعهم وهى الكلمة التي تكررت في خطاب الرئيس الراحل سبع عشرة مرة خوفًا من أن تفلت كلمة السر من أسماع فريق عملية التأميم.
وهكذا وقبل الساعة العاشرة والربع مساءً كانت جميع المقار الرئيسية للهيئة تحت سيطرة فريق التـأميم الذي أعطى "التمام" إلى المهندس محمود يونس عبر هواتف الشركة الداخلية إيذانًا بنجاح عملية تأميم القناة.
تاريخ فكرة إنشاء قناة السويس:
فكرة إنشاء قناة السويس لتربط بين البحرين المتوسط والأحمر لم تكن فكرة وليدة عهد سعيد باشا نجل محمد علي باشا في منتصف القرن التاسع عشر، وإنما هي فكرة قديمة إعادة الحملة الفرنسية طرحها مع احتلالها مصر في عام 1798 إلا أن المشروع توقف بعد توصية من مهندسي الحملة استندت إلى أن منسوب البحر الأحمر أعلى من نظيره المتوسط بحوالي متر ونصف المتر الأمر الذي قد يترتب عليه أن تغرق مصر في حالة حفر تلك القناة.
وعقب نجاح محمد علي في تثبيت أركان حكمه في مصر أعاد عدد من المهندسين الفرنسيين طرح الفكرة عليه وحينها وافق محمد علي بشرطين الأول أن تضمن القوى الدولية حيادية الملاحة في قناة السويس وأن تكون بعيدة عن كل الصراعات.
ثاني شروط محمد علي تمثل في أن تقوم مصر بتمويل مشروع القناة من خزانة الدولة ال مصر ية وتكون القناة مصر ية خالصة بنسبة مئة في المئة وهو ما رفضته القوى الغربية الرفض الغربي رد عليه محمد علي بعبارته التاريخية "لا أريد بسفورا في مصر ".
ويعتبر مضيق البسفور واحدا من أهم المضايق المائية في العالم وشهد صراعا كبيرا بشأنه بين القوى الاستعمارية على عهد ترنح الدولة العثمانية وبداية انهيارها".
وبعد وفاة محمد علي ووصول محمد سعيد باشا إلى الحكم نجح صديقه ديليسبس في إقناعه بفكرة إنشاء قناة السويس وتم إنشاء القناة بسواعد مصر ية حيث اشترك في حفر القناة نحو 25 في المئة من أبناء مصر .
وعقب افتتاح القناة التي سال في مجراها المائي دماء 120 ألف شاب مصر ي قبل أن تسيل في المياه بدأت الضغوط الدولية على نظام الخديو إسماعيل والذي استدانت مصر على عهده مبالغ طائلة من القوى الغربية تتزايد وترتب على ذلك بأن باعت مصر حصتها في قناة السويس لتسديد ديونها.
وفي مطلع القرن العشرين وفي عام 1910 حاولت الشركة مد امتياز سيادتها على قناة السويس، وهو ما تصدت له القوى الوطنية بزعامة محمد فريد، وتم على أثار ذلك اغتيال بطرس غالي الذي كان يدعم فكرة مد الامتياز للشركة الأجنبية لمدة 50 عاما تنتهي في عام 2008.
وكلف البرلمان حينها كلا من طلعت باشا حرب وسمير باشا صبرى بوضع تقرير حول مد الامتياز وقام حرب وصبري بالتصدي لهذه الجريمة بحسب تعبيرها وأجهدا المشروع بعد الحملة التي قام بها محمد فريد في أوروبا ضد تلك الفكرة.
نضال الشعب المصري:
وتستمر حلقات نضال الشعب المصري للحفاظ على حقوقه المسلوبة وفق إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس حاول القوى الغربية عقد العديد من المؤتمرات في أغسطس وسبتمبر عام 1956 لحصار مصر اقتصاديا وإجبارها على إلغاء قرار التأميم وهو ما رفضه ناصر مرددا أعمال التأميم من أعمال السيادة ولا يحق لأي شخص التدخل في السيادة المصرية.
وفي نهاية أكتوبر 1956 شنت كلا من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عدوان على مصر وهو ما عرف بالعدوان الثلاثي وانتفضت مصر جيشا وشعبا ليتصدوا لذلك العدوان وإجهاض المؤامرة الفرنسية البريطانية الإسرائيلية على مصر .
ومع صمود مصر في مواجهة العدوان عليها أعلنت روسيا أنها سوف تتدخل لإجبار كل من بريطانيا وفرنسيا على إنهاء العدوان على مصر وهنا تحركت الولايات المتحدة لتجبر حلفاءها على قبول وقف إطلاق النار ووقف العدوان على مصر لإضاعة الفرصة على الاتحاد السوفيتي كي لا يوقع هزيمة نكراء بحق واشنطن.
وبذلك تكون عبارة الراحل جمال عبد الناصر "تأمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، واحدة من أهم العبارات في التاريخ المصرى.
خطاب جمال عبد الناصر وقرار تاميم قناة السويس 1956