الجمعة 22 نوفمبر 2024 10:20 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

د.ممدوح العربي

الإنسان وإرادة الجهل

د . ممدوح العربى

خلق الله الانسان وجعله كائنا فريدا عن باقى مخلوقاته ،ميزه باللغة وبالقدرة على التفكير العاقل وزرع بأعماقه الوانا شتى من الخير والشر.

قد يتغلغل الخير فى قلب انسان ما فيرتفع به الى اعلى سماء للانسانية وقد يحتل الشر انسان اخر ويهبط به الى اعمق اعماق جحيم الارض ، والاعم الاغلب ان يكون الانسان مزيجا من هذا وذاك وينعكس ذلك فى شتى افكاره وسلوكياته ومشاعره ، ومنذ بدء البدء والانسان تنتابه الحيرة.

تلك الحيرة التى منبعها ذاته، ومنبعها ايضا الاخر ولكى نمعن النظر فى علاقة الانسان بنفسه علينا ان نطرح تساؤلا.. هل حقا يريد الانسان فهم نفسه ؟؟ تاريخ العلم قد يعطينا الاجابة فقبل نشأة العلوم كانت توجد الفلسفة ورويدا رويدا مع تزايد حاجات الانسان عبر العصور بدأ العلم تلو الاخر فى الانفصال عن الفلسفة الام.

كان اول علم يفطم عن علاقته بالفلسفة علم الفلك وكان اخرها هو علم النفس.

اقرأ أيضاً

دعونا نتأمل فى هذه الحقيقة التاريخية .. هل من الصدفة ان يكون اول العلوم انفصالا هو اكثر العلوم بعدا عن الانسان؟؟ وان يكون اخرها انفصالا هو العلم الذى يتناول النفس الانسانية ؟؟

ان ذلك يدعونا بيقين ان الانسان اراد منذ الازل الا يفهم ذاته واراد الا يدرك

رفع ارسطو قديما شعار "اعرف نفسك" وبديهى لو كان الانسان يعرف نفسه حقا ما كان ارسطو بحاجة الى هذه الدعوة .

وفى اواخر القرن التاسع عشر يظهر فرويد بأفكار عن الانسان تهدينا طريقا منيرا للوعى بالذات . فماذا كان استقبال معاصرى فرويد لافكاره؟؟ كان استقبالهم دهشة فاستنكارا فرفض فهجوم حاد فى اغلب الاحوال.

وذلك يرينا ان الانسان حقا يريد الجهل بالذات ،إذا ما استخدمنا لغة التحليل النفسى يتسنى لنا ان نقول ان الانا تريد المجهلة وذلك يتطلب بالضرورة ان يقوم الانسان بتزييف رؤيته للذات وذلك ينعكس بالقطع على رؤية الانسان للواقع الذى يصبغ هو ايضا بالزيف كنتيجة منطقية لتزييف الذات.

 

علينا ان نتأمل فى سببية قيام الانسان بتزييف وعيه بذاته… الا ينطوى ذلك على ان الانسان لا يستطيع تحمل رؤية ذاته على حقيقتها؟ ان ذلك يقودنا بالضرورة الى الحقيقة التى ذكرناها فى المقدمة من ان ذات الانسان تحمل بين ثناياها كثيرا من بذور الشر الذى منبعه تلك العلاقة الفريدة بين الرغبة والنرجسية.

إذا تأملنا سيكولوجية اكثر الناس شراً على وجه البسيطة منذ المهد وحتى الان فلن نجد اياً منهم يدرك ذاته على انه شرير ، بل سنجده بالضرورة يحتمى خلف ميكانزمات الدفاع ( تزييف الوعى بالذات)، فها هو يبرر سلوكياته والطرائق التى يتخذها لتحقيق اهدافه بتبريرات تحجب عنه الحقيقة ، وها هو يسقط ما به نوازع هى خليط من نرجسية وعدوانية على الاخرين.

اخيرا ماذا ايها القارئ ان اردت ان تسير فى الطريق المضاد واردت ان تكتسب وعياً حقيقياً بالذات؟ ان سرت فى هذا الطريق المضاد واستطعت اجتياز المشقة الناجمة عن السير عكس الاتجاه ستجد انك فى النهاية سوف تكتسب الحكمة التى ستمكنك من تقبل الذات والاخر.

ممدوح العربي الإنسان وإرادة الجهل