الأحد 24 نوفمبر 2024 12:08 صـ 21 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

محافظات

هنا أرض الشهداء

«البهنسا».. طقوس فرضتها شمس «البقيع الثاني» ورمال ارتوت بدماء الصحابة

تضم قبور ورفات مئات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم 70 من أهل بدر
ابرز معالمها شجرة مريم ومسجد السبع بنات والحسن بن صالح وضريح سيدي فتح الباب ومسجد سيدي علي الجمام
الزوار يذهبون إليها بقصد التبرك والشفاء وقضاء الحاجات وغسل الذنوب ومحو الهموم
محمود أبو السعود
هنا فى قلب مدينة المنيا أنت في حضرة صحابة رسول الله، أجواء رائعة تشعر وكأنك في زيارة لمكان مقدس، لأول وهلة تشعر بارتياح شديد وطمأنينة تجعلك تشعر بالأمان وأشياء تدفعك لطرق كل باب ضريح في تلك المنطقة، رواد المنطقة يطلقون عليها البقيع الثاني، وأرض الشهداء كما يحب أن يطلق عليها قاطنيها، بها شجرة مريم ومسجد السبع بنات ومسجد الحسن بن صالح وضريح سيدي فتح الباب ومسجد سيدي علي الجمام.
البهنسا تقع غرب مدينة بني مزار بنحو 5 كيلو مترات وبالقرب من الطريق الصحراوي الغربي القاهرة أسيوط وبحسب التقسيم الإداري في عهد الفراعنة والرومان فإن التقسيم الإداري للمنيا ينقسم إلى 3 مناطق أولها المنطقة الشمالية وهي البهنسا ثم المنطقة الوسطى وهي «طحا الأعمدة» التابعة حاليا لمركز سمالوط والمنطقة الثالثة هي منطقة «الأشمونية» التابعة لمركز ملوي جنوب محافظة المنيا بـ«50» كيلو مترا.
وبحسب مخطوط أفلاطون وأشعار وإقليدس يعود تاريخ البهنسا إلى الأسرة الـ26 من عهد الأسرات الفرعونية وتمت معرفة ذلك بعد اكتشاف مقبرتين كبيرتين تعودان لهذه الأسرة ومجموعة أخرى من المقابر ترجع إلى العصر القبطي عليها نقوش ملونة يظهر عليها الاسم اليوناني للبهنسا «أوكسرنيكوس».
وكانت البهنسا إحدى محطات رحلة العائلة المقدسة بأرض مصر التي جاوزت الأعوام الثلاثة هربا من الاضطهاد الروماني واستظلت خلالها السيدة مريم وابنها السيد المسيح تحت شجرة تعرف بشجرة مريم ولاتزال موجودة حتى الآن بجوار البئر التي شربوا منها ويتوافد على المكان آلاف الأقباط لأخذ البركة والدعاء في هذا المكان المقدس.
كما تمثل البهنسا صفحة مجيدة من تاريخ الفتح الإسلامي لمصر فهي تمثل «البقيع الثاني» وقال عنها الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود ان هذه الأرض لايخلو شبرا فيها من دم شهيد وذلك لما حدث في عام 21 هجرية، حين استعصى الصعيد على عمرو بن العاص، فأرسل في طلب المدد من الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب فأرسل له مجموعة من البدريين عددهم 600 ممن شاركوا في غزوة بدر وغزوات أخرى، بالإضافة إلى مجموعة من المقاتلين ووصل عدد هؤلاء على حدود البهنسا 600 أمير بصحبة 8 آلاف مقاتل استشهد منهم 5 آلاف تم دفنهم بهذه المنطقة وعلى رأس هؤلاء الشهداء محمد بن أبي ذر الغفاري وعثمان بن آيات بن عثمان بن عفان ويحيى بن الحسن البصري وخوله بنت الآزوا، وإلى جانب مقابر هؤلاء الصحابة من البدريين يوجد مسجد الحسن بن صالح بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو المسجد الوحيد في مصر الذي له قبلتان كذلك ضريح سيدي فتح الباب أحد أبطال الفتح الإسلامي ومسجد سيدي علي الجمام قاضي قضاة البهنسا وإمام المالكية كما يوجد مسجد السبع بنات، وهن بنات قبطيات ساعدن جيش عمرو بن العاص ضد الرومان وتعود قصتهن إلى اكتشاف دماء على الزلط في مكان يسمى مجرى الحطب وبعد انتهاء المعارك وانتصار جيش عمرو اكتشف المسلمون جثث البنات السبع القبطيات فأقاموا لهن 7 مقابر مجاوره لبئر أثري، وبعدها تم إنشاء مسجد باسم السبع بنات بجوار البئر التي توجد بها مياه حتى الآن على عمق 20 مترا وإلى جانب هذه الآثار ضريح سيدي عبدالله الدكروري أحد المجاهدين الذين استشهدوا أثناء الفتح الإسلامي للبهنسا مدينة الشهداء.
لقبت بـ بيقع مصر نسبة لمنطقة البقيع بالسعودية، حيث تضم قبور ورفات مئات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم 70 من أهل بدر.
عادات وتقاليد قديمة، تتوارثها أجيال وراء أجيال، فرضتها قدسية دولة الشهداء “البهنسا”، تلك المدينة الغراء التي ارتوت رمالها بشهداء الفتح الإسلامي من الصحابة والتابعين والأولياء والصالحين، وتحيطها روايات وقصص مثيرة، لم تنجُ من مزج الحقيقة بالأسطورة والمغالطة.

العادات والتقاليد والممارسات الطقسية المختلفة والمتنوعة تمارس بشكل أكبر يوم الجمعة من كل أسبوع، خاصة على قباب مقابر الصحابة وآل البيت، حيث يفد الأهالي والمحبون من شتى المحافظات ومن خارج مصر، وتعددت وجهة الزوار حول أسباب ممارسة الطقوس تلك، غير أن جميعها بقصد التبرك والشفاء وقضاء الحاجات وغسل الذنوب ومحو الهموم.
ويقول سلامة زهران مدير عام آثار المنطقة لـ"صوت البلد " إن البهنسا هي إحدى قرى مركز ومدينة بني مزار وتقع على بعد 15 كيلومترا من بني مزار على الجانب الغربي لبحر يوسف، وتشتهر بمقابرها وتلالها الأثرية ومقابر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عاصمة المقاطعة 19 ولها ثقل إداري وتجاري حيث تقع على رأس الطريق الرابط بين وادي النيل والواحات عن طريق درب البهنساوي.

كانت المنطقة في مصاف المدن من الدرجة الثانية بعد الإسكندرية عاصمة مصر في ذلك الوقت، وبها العديد من المظاهر الحضارية، أهمها المسرح الروماني أكبر معبد في مصر وشمال إفريقيا حيث كان يتسع لأكثر من 8000 مشاهد.
ويقول سلامة زهران لقد دل على ذلك القباب الموجودة على أرض البهنسا والتي تنسب إلى شهداء الصحابة مثل محمد بن عقبة بن عامر الجهني، وزياد بن الحارس بن عبد المطلب، وحفيد الإمام علي بن أبي طالب، وحفيد عثمان بن عفان وعبادة بن الصامت.

ويضيف "لقد ارتقى هؤلاء الصحابة شهداء عندما انتهى عمرو بن العاص من فتح مدن الوجه البحري والقاهرة والجيزة والإسكندرية، حيث توجه لفتح الصعيد فأرسل إلى عمر بن الخطاب يطلب منه الإذن في السير لفتح الصعيد فأشار عليه بن الخطاب قائلا إن أردتم فتح الصعيد فعليكم بالبهنسا وإهناسيا حيث يوجد بهما بطريرك ظالم يسفك الدماء وهما من أهم معاقل الروم فإن سقطتا سقط الروم جميعا ولن تقم لهم قائمة بعد ذلك".
وأرسل عمرو بن العاص قيس بن الحارس المرادي لفتح البهنسا وحاصرها وعسكر قرية القيس التي سميت باسمه، ولما علم الروم بذلك جمعوا كل فلول حاميتهم، واشتدت المعركة وتم الدفع بقوات كبيرة من المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وعبد الله الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وضرار بن الأزور وعبد الله بن عمر وعقبة بن عامر الجهني ومعهم قوات كبيرة وقام المسلمون بفتح المدينة في النهاية لكن سقط منهم عدد كبير من الصحابة والتابعين وتم دفنهم بالمنطقة، ومن عاش منهم استقر بها وانحدرت من نسله قبائل عربية بها مثل قبيلة غفار التي تنتمي إلى أبو ذر الغفاري وقبيلة بني الزبير من أبناء الزبير بن العوام.
ويطالب مدير عام آثار المنطقة بوضعها على خريطة السياحة الدينية، خاصة أنها لا تضم مقابر ورفات الصحابة فقط، بل تضم كذلك معابد وآثارا قبطية يمكن أن تجعلها مدينة السياحة الدينية الأولى في مصر.

اقرأ أيضاً