الجمعة 22 نوفمبر 2024 08:17 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

تقارير وقضايا

بعد مرور 365 يوما علي حكم تونس .. كشف حساب قيس سعيد !!

- صورة أرشيفية
- صورة أرشيفية

 

وصل قيس سعيد إلى قصر قرطاج بعدما حصل على 72 في المئة من أصوات شعبه في مثل هذا اليوم قبل عام واحد بعدما خالف التوقعات وهزم 24 مرشحًا من ذوي الأرصدة السياسية والدبلوماسية الثقيلة، كانوا مدعومون بترسانات مادية وحملات دعائية قوية، لكونه المستقل «الأقرب لطموحات الشعب التونسي»، وعقب يوم واحد من اعتلائه رئاسة تونس، توجه إلى المقهى الذي اعتاد ارتياده في حيه الشعبي، متمردًا على البروتوكولات الرئاسية، لكن الرئيس الناقم على الأحزاب السياسية والمناهض لها، لم يكن يعلم أن ثمة تحديات ثقيلة تنتظره على أعتاب قصر قرطاج؛ إذ شهد العام الماضي حلقات من التجاذب السياسي بين أطراف السلطة التنفيذية الثلاثة، فتارة يجري خلاف بينه وبين البرلمان، وتارة أخرى بينه وبين رئيس الحكومة، على وقع أحداث يراها البعض مخاضًا متوقعًا لمسار الانتقال الديموقراطي للسلطة في تونس فيما يراها البعض الآخر نتاج «غموض» في مشروع الرئيس.

 

 

وبعد مرور عام على وجود قيس سعيد في قصر قرطاج، جولة على المشهد السياسي التونسي، وكيف يرى التونسيون أداء رئيسهم اليوم، وهل لبى طموحات من صوتوا له أم لا، وما تفسير التجاذب السياسي الذي شهدته تونس، وهل أثر سلبًا على شعبية قيس سعيد، وسط اتهام البعض له بـ«الشعبوية»، و«تجاهل الأزمات السياسية» أم أنه لايزال الأقرب إلى طموحات الشعب؟

 

 

هل تعيد «النيران الصديقة» تونس لأزمتها الأولى؟

 

 

عقب ابتلاعه صناديق الاقتراع، لم يكن قيس سعيد، غير المحسوب على أي من الأحزاب السياسية يعلم أن ثمة تحديات ثقيلة تنتظره على أعتاب قصر قرطاج؛ إذ شهد العام الماضي حلقات متتابعة من التجاذب السياسي بين أطراف السلطة التنفيذية الثلاثة (البرلمان، رئاسة الجمهورية، رئاسى الحكومة).

 

 

في منتصف يوليو، استقال رئيس الحكومة السابق، إلياس الفخاخ، بطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد،الذي حاول تدارك الأزمة السياسية في بلاده بعدما تبين أن حركة النهضة لم تعد تقبل استمراره في منصبه، ثم شهدت قبة البرلمان صراعات بين الكتل النيابية أدت إلى تعطيل أعماله لأسبوعين متتاليين، على إثر اشتباكات بالأيدي جرت بين نواب حركة النهضة وكتلة ائتلاف الكرامة من جهة، ونواب الحزب الدستوري الحر من جهة أخرى، ما دفع الرئيس التونسي بالقول آنذاك أن «تونس تعيش أخطر وأدق اللحظات في تاريخها» داعيًا الأحزاب السياسية كافة للتحلي بروح المسؤولية.

 

 

واستكمالًا لدوره التوفيقي، كلف قيس سعيد، هشام المشيشي، رئيس داخلية حكومة الفخاخ بتشكيل حكومة جديدة؛ لانهاء الأزمة السياسية، في نهاية يوليو، لكن خلافًا جديدًا نشب بين قيس سعيد وبين المشيشي عقب أقل من شهرين؛ ففي سبتمبر نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، لقاءًا جمع، قيس سعيد، برئيس الحكومة الجديدة هشام المشيشي، بدا فيه خلافًا واضحًا بينهما، بعدما وجه قيس سعيد جملًا «توبيخية» للمشيشي، حول التعيينات الأخيرة التي كان المشيشي ينتوي إقرارها بتكليف توفيق بكار والمنجي صفرة كمستشارين في الحكومة، حيث اعتبرهما رئيس الجمهورية أسماء أجرمت في حق الشعب التونسي على إثر انتمائهما لنظام، بن على البائد، مؤكدًا أن ليس لهما مكان في الدولة؛ إذ شغل توفيق بكار محافظا للبنك المركزي في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن على (1987-2011) كما شغل منجي صفرة مستشارا خاصا له لمدة عشر سنوات.

 

 

الأزمات السياسية المتلاحقة بين أطراف السلطة التنفيذية الثلاثة دفعت بعض المحللين السياسيين للقول بأن «عنترية القوى السياسية» ستؤدي إلى انزلاق تونس إلى أزمة اقتصادية مفتوحة، وربما ستعيد تونس إلى أزمتها الأولى.

 

 

قيس سعيد ومحاولات تحجيم دور الأحزاب

 

 

هنا يرى صلاح الجورشي، الكاتب والمحلل السياسي التونسي، أن التجاذب السياسي الذي تشهده الساحة السياسية في تونس هو نتاج سعي الرئيس قيس سعيد لتحجيم دورالأحزاب السياسية، والدفع نحو تغيير النظام السياسي في تونس وإعادة الانتخابات القائمة على الأفراد، إذ لا يزال مقتنعًا بأن الأحزاب فقدت دورها التاريخي وأصبحت الأضرار التي تخلفها صراعاتها الأيديولوجية أكثر من جدوى من وجودها.

 

 

ولفت الجورشي أن النزاع بين قصر قرطاج وقصبة أو بين قرطاج وبارو سيظل قائمًا؛ إذ سيظل التنازع بين قيس سعيد وبين الأحزاب قائمًا، لكونه لن يتمكن من تحجيم دورهم لا سيما في ظل استحواذ الأحزاب على 95% من كتلة البرلمان الحالي، ما يشير لصعوبة تغيير النظام الانتخابي الراهن، لكون ذلك مرهونًا بموافقة البرلمان.

 

 

وتشهد تونس نظامًا شبه لا مركزي، تتقاسم فيه الجهات التنفيذية الثلاث وهي البرلمان ومؤسسة الرئاسة والحكومة الصلاحيات، ويعير دستوور 2014 رئيس الحكومة صلاحيات أعلى من صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

 

مرشح «نظيف» يطهر الدولة من «لوبيات الفساد»

 

 

وحول أداء الرئيس التونسي يرى عبدالرحمن شعبان، الناشط المحسوب على الثورة التونسية، والباحث المختّص في التيارات النقابية والسياسية في الوطن العربي، أن بعض ثوار تونس ذهبوا للتصويت لقيس سعيد،في الجولة الثانية بعد مقاطعتهم جولة الانتخابات الأولى لكونه مرشحًا «نظيفًا» يقطع الطريق على «لوبيات الفساد» ويطهر الدولة منهم، وهي الصورة الذهنية التي كونها التونسيون عنه ولم تتغير، إلا أن أداءه السياسي لا يزال أقل من المتوقع، فلم يلبي طموح ثوار تونس بعد.

 

 

بعد عام في الحكم.. هل لبى طموحات ثوار تونس؟

 

 

ويضيف شعبان أن التونسيين لا يزالون في انتظار تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والدستورية التي تعهد بها قيس سعيد، وإرثائه الحكم المحلي الذي وعد به، مؤكدًا أن أداءه على الصعيدين الاقتصادي والسياسي كان أقل من المتوقع بإستثناء قدرته على مجابهة «غطرسة» حركة النهضة الإسلامية، وكبح جماح محاولاتها للاستحواذ على السلطة، وسعي أي من الفصائل الانفراد بالسلطة، هو ما برز خلال وأثناء مفاوضات تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ.

 

 

في الإطار ذاته، يؤكد المحلل السياسي التونسي، وليد مرجي، أن الرأي العام التونسي ينظر لقيس سعيد كونه رئيسًا وطنيًا يرفض المساومات، خاصة مع تلك الصور الدعائية التي تنشرها صفحة الرئاسة لدى استقباله الشباب المحتجين المعطلين عن العمل واستماعه لهم، لكنه يرى أن المشهد السياسي في تونس لا يزال يراوح مكانه؛ إذ لم يحقق قيس سعيد انجازات اقتصادية ولم يقدم حلول للمشاكل الكبرى في البلاد، فكما لا تزال تونس تعول على القروض للانفاق على الاستهلاك اليومي، ويرجع مرجي ذلك إلى محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية مقارنة بصلاحيات رئيس الحكومة وهو ما يجعل هامش قدرة سعيد على التغيير والإصلاح منفردًا ضعيفا.

 

 

ضريبة الانتقال الديموقراطي للسلطة

 

 

وأضاف مرجي، أنه رغم أن المشهد التونسي لن يتقدم كثيرًا على المستوى الاقتصادي، إلا أن تونس تشهد واقعا سياسيا جديدا قوامة التعدد الحزبي وحرية التعبير والتنظم، وأن التجاذب الذي بين السلطات التنفيذية الثلاثة( البرلمان، رئاسة الجمهورية، رئاسى الحكومة ) علامة صحية ومخاضًا طبيعيًا للانتقال الديموقراطي للسلطة، نظرًا لطبيعة النظام السياسي الذي يوزع السلط بين المؤسسات الثلاث وهو ما يؤدي إلى صدام حول مشاريع أو برامج، أو حتى محاولات أي من هذه الأطراف الثلاثة توسيع سلطاته.

 

 

«رغم العثرة.. لا يزال يحافظ عللى شعبيته»

 

 

فيما يؤكد صلاح الجورشي، المحلل السياسي التونسي أنه رغم التعثرات التي تشهدها الساحة السياسية التونسية ورغم التجاذب بين رؤوس السلطة التنفيذية في كل من قرطاج وقصبة أو قرطاج وبارو، على وقع الخلافات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة تارة، أو رئيس الدولة والبرلمان تارة أخرى، لا تزال شعبية قيس سعيد قوية وعالية، إذ تمنحه أحدث استطلاعات الرأي 67%، وهو أمر لن يستطع السياسيين فهمه، فلم يحقق اقيس نجازات فعليةعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي بعد، كما لم يطرح مشروعًا اقتصاديًا متكاملًا يمكن من خلاله تغيير السياق السياسي التونسي.

 

 

يحلق منفردًا في صدارة استطلاعات الرأي

 

 

ويرى كل من المحلل السياسي صلاح الجورشي، وعلي مرجي أن فرص سعيد لنيل جولة رئاسية ثانية كبيرة، إذ يعد قيس سعيد، الشخصية الأكثر شعبية بمقاييس استطلاعات الرأي التونسية المنشورة في عام 2020؛ بل يحلق منفردًا في صدارة الاستطلاعات بعيدًا عن كل منافسيه وخصومه بشكل غير مسبوق منذ انطلاق استطلاعات الرأي السياسية في تونس إثر الثورة، بنسب لغا تقل عن 55% في اقل مستوياتها ولا تزيد عن 80% في حين لم تتخطى أي شخصية سياسية أخرى عتبة العشرة في المائة منذ انتخابات 2019.

 

 

وأشار استطلاع للرأي أصدرته مؤسسة «سيغما كونساي» بالتعاون مع صحيفة المغرب التونسية، في منتصف سبتمبر الماضي إلى تصدر رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد نوايا التصويت بـ67%، يليه نبيل القروي بـ7.6%،

 

 

ما الذي ينقص تونس

 

 

ويذهب كل من الناشط التونسي، عبدالرحمن شعبان، والمحلل السياسي التونسي، صلاح الجورشي، إلى أن ما ينقص تونس، هو التفات الرئيس لأوليات ثلاثة هي، تجاوز أزمة كوفيد 19 والتي أجهزت على ما تبقى من الاقتصاد التونسي، وإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي عبر برنامج اقتصادي متكامل وعاجل لاحتواء اتساع دائرة الاحتجاجات التي نشبت في تونس على إثر تأثير الأزمات الاقتصادية الخانقة، والسعي لإخراج البرلمان التونسي من حالة الصراع الأيدولوجي التي وقع بها، وأيضًا تفاعل الرئيس مع رؤوس السلطة التنفيذية التونسية والتي يمثلها البرلمان والحكومة للوصول بتونس إلى مبتغاها.

 

سعيد قيس الرئيس التونسي قيس سعيد الثورة التونسية أحزاب تونس أحداث تونس