الجمعة 22 نوفمبر 2024 02:02 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

أخبار تهمك

المبخراتى مهنة في طريقها للاندثار بعامل الزمن !

المبخراتى
المبخراتى

منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ، وإلى يومنا هذا وكل إنسان لديه مهنة أو حرفة يعمل بها ، ولكل عصر من عصورنا مهنته وثقافته الخاصة به، والتي مع انتهاء هذا العصر، ومع التطور العلمي والتكنولوجي الهائل، تختفي بعضها ويظهر البعض الآخر، فتصبح المهن التي اختفت من تراثا خاصا بنا، نتحاكى ونفتخر بها أمام الأجيال الجديدة التي لم تعاصرها.

ومن أشهر المهن التي بدأت في الاختفاء ، ولم نعد نسمع عنها إلا في الحكايات والأفلام القديمة مهنة المبخراتى ، وبائع البخور التى كانت توجد فى مصر قديما لها أهميتها ومكانتها.

وبائع البخور كان لهم شهرة واسعة، حيث كان هناك بائعى البخور فى يوم عاشوراء، حيث يحمل الواحد منهم على رأسه صينية مستديرة من الخشب عليها أصناف من البخور، فينادى على بضاعته : “عاشورة البركة”.

كما كان هناك “المبخراتى” الذى يرتدى جلبابا أبيضا، وله حزام وطاقية خضراء، ويبدأ بتبخير السلالم، فيصعد إلى الطابق الأول من البيت ثم إلى الطوابق العليا، وعندما يتصاعد دخان البخور يصيح: “بخروا السلالم من عين أم سالم”، و”وبخروا المرتبة من عين مسعدة”، و”وبخروا المخدة حتنام وتهدى”.

اقرأ أيضاً

كما يوجد بعض الأشخاص الذى يمتهنون لمهنة المبخراتى، يقوم بالمرور على المحلات وفى يده مبخرة كبيرة وقديمة ليبخر المكان عند فتح ونجد رائحة البخور تخرج منه، وذلك اعتقاد منهم بمباركة البخور والتفاؤل ، ويدعو لصاحب المحل ويتقاضى أجر الذي يعتبر مصدر رزقه الوحيد.

وتحتل البخور اهمية كبيرة في حياة الكثير من الشعوب من جنوب شرق آسيا وافريقيا والجزيرة العربية وقد استعملت العرب العود الهندي الُمطري الذي جاء ذكره في الحديث الشريف (عليكم بالعود الهندي)، إضافة إلى أنواع عدة توارثها جيل بعد آخر إلى أن وصلت إلينا، وباتت إحدى الطقوس والعادات العربية الأصيلة التي تقربنا من الماضي العريق وتكون امتدادا لحاضرنا وتولد فينا إحساسا بالأصالة والعراقة.

وبين العرب والبخور قصة طويلة ولغة خاصة وتاريخ حافل بالأساطير والمعتقدات، بدأت منذ القدم إثر استخدام البخور من قبل العرب وغيرهم ، حيث اقترن استعمال البخور بممارسة الطقوس الدينية فباتت الرائحة العطرة تفوح من المساجد والكنائس والمعابد، كما سادت اعتقادات عديدة بمزايا الأبخرة من طرد الأرواح الشريرة وإبطال السحر وإضفاء الراحة النفسية والصفاء الروحي.

هذه المعتقدات التي جعلت للبخور دلالات اخرى بالاضافة الى انه مصدر للروائح الزكية، جعلت المواد المكونة للبخور باهظة الثمن فنجد الناس يتهافتون على محلات العطارة لشراء البخور مهما غلا سعرها لفك السحر أو لشفاء شخص مصاب بالعين أولجلب الحظ.

وتبعا لاستعمالات البخور المختلفة تتعدد أنواعها وتتفاوت اسعارها، فالانواع التي تباع لفك السحر وهي الفاسوخ والفكوك والفارة والجنزارة والفرفارة والشب وغيرها ليست بالغالية وهو ما يفسر إقبال الناس عليها.

ونجد في المرتبة الثانية البخور العطري والتي يمكن حرقها لوحدها كما يمكن خلط أنواع متعددة منها للحصول على تركيبة فريدة ورائحة عطرة تبقى في المكان لفترة طويلة، أسعارها متوسطة وهي في متناول أغلب الناس.

وفي المرتبة الثالثة نجد أنواعا من البخور رائحتها تفوق رائحة العطور الحديثة العالمية وأهمها العود والعنبر والمسك وهي نادرة وباهظة الثمن يستخدمها بالخصوص الأثرياء واصحاب الجاه.

واصبحت طقوس استعمال البخور تثير الكثير من الدهشة والاستغراب حيث تجمع بين الفرح والحزن والموت والحياة، فهناك شعوب تستعمل الأبخة في مناسبات الزواج والولادة والعزاء والموت فكما تتبخر العروس ليلة زفافها والأم يوم احتفالها بسبوع مولودها، تُبَخر ثياب الكفن وتحرق الأبخة في بيت العزاء، كما تفوح المنازل بالرائحة الزكية للأبخرة في الأعياد الدينية ورمضان وليلة السابعة والعشرين من رمضان الكريم ويوم عاشوراء.

اما طريقة استعمال البخور فتوضع قطعة متوسطة منه في الجمر المُتقد ويكبو الشخص فوق المبخرة فيبخر جسده وملابسه، وقد تضاف قطعة اخرى حسب الحاجة. وقد شهدت عملية خلط البخور تطورا كبيرا مستفيدة من الآلات التي تمزج بها المكونات، والمواد الكيماوية التي أصبحت تضاف لها، فبعد أن كانت هذه العملية تضطلع بها كبيرات السن وسيدات متخصصات في صناعة أخلاط البخور باتت دكاكين العطارة متخصصة في خلط البخور واستخلاص خلاصتها. تجارة العطارة تستلزم الخبرة والمعرفة الكبيرة لمختلف المواد واستعمالاتها وتشكل الأبخة والمواد المعطرة أغلب هذه المواد.

وأشهر البلدان التي تصدر البخور هي الهند وكمبوديا والمغرب واليمن والسودان والعراق، ويكون شكل البخور على هيئة عيدان طويلة او على شكل حجارة صغيرة وقد يكون على هيئة رماد.

ويؤمن أكثرية العطارين بفكرة فعالية البخور في علاج الكثير من الحالات فما إن يقبل الزبون ويشرح حالته حتى يبادر العطار بجمع المواد وتصنيفها وشرح تفاصيل استعمالها. أما المشترين فتنقسم آراؤهم بين مؤيد ومعارض، فاطمة وهي من السيدات اللائي يترددن دائما على محل العطارة تؤمن بفعالية الأبخرة في طرد الأرواح الشريرة وفك السحر فهي تأتي دائما للمحل لشراء البخور خاصة حينما تشعر بضيق او تعترضها مشاكل في منزلها الذي لا يخلو من رائحة البخور. أما عائشة فهي تشتري البخور لغرض الرائحة الزكية ولأنه تقليد ترسخ في الأذهان وترافق مع المناسبات السعيدة والأعياد، وليس من أجل تهدئة المشاكل التي لا تحل من خلال رائحة البخور.

ولانتقاء عود البخور يفضل شراءه بكمية كبيرة لأنه أوفر من الناحية الاقتصادية، كما يجب الابتعاد عن البخور المطلي لأن الصبغ يغير رائحة البخور وعن الأعواد التي تحتوي على مادة الرصاص أو غيرها من مواد أخرى يقصد عرضها بهذا الوضع لزيادة الوزن. وهناك عدة طرق للتأكد من جودة عود البخور كحرق قطعة صغيرة منه ثم ملاحظة لون الدخان المتصاعد، فالعود الجيد يميل لون دخانه إلى الأزرق وتكثر فقاعات الدهن عند احتراقه، كما تتميز قطع البخور الجيدة بكثرة العروق التي يميل لونها إلى البني الغامق أو الأسود.

استنشاق البخور كذلك يساعد على تمييز جودته فإذا كان لدى صاحب عملية الاستنشاق إحساس بألم وضيق في التنفس فالبخور رديء. كذلك يمكننا وضع قطعة صغيرة من البخور في ماء فإن طفحت فالبخور جيد وإن بدا لون الماء مائلاً إلى الاصفرار فإن عود البخور مطلي.

الجذير بالذكر ان المصابين بضيق التنفس والحساسية الصدرية يصعب عليهم تحمل استنشاق البخور فترة طويلة، لكن المحافظة على الموروث وعبق الماضي الممزوج بعبق البخور تتغلب على كل ضرر قد ينجم عن حرق البخور كما أنه وبالمقابل ثبت علميا أن الخواص المضادة للميكروبات والمتواجدة بكثرة في الزيوت العطرية تشكل درعا وقائيا صحيا مدهشا يحمي الذات ويطهر المكان.

المبخراتى مهنة طريقها للاندثار بعامل الزمن