الأزهر: ظاهرة الاستقطاب داخل السجون تلقي بظلالها مجددًا على إسبانيا في 2021
ياسر خفاجيقال مرصد الأزهر في تقرير له إن السجون في جميع أنحاء أوروبا أصبحت واحدة من البؤر المحتملة لانتشار الفكر المتطرف، وقد تسبب وجود عدد ممن ينتسبون إلي الإسلام في الجرائم العامة في السجون إلى ظهور إشكالية كبرى أمام المسؤولين عن تلك السجون، الأمر الذي جعل هؤلاء السجناء عرضة لتلقي الأفكار المتطرفة من خلال العناصر الإرهابية الذين يقضون عقوبات في تلك السجون. وفي هذا السياق لاحظت الأمانة العامة للمؤسسات الإصلاحية في إسبانيا وجود زيادة تدريجية في عدد المجرمين المتطرفين في السجون، الأمر الذي يشكل تهديدًا لأمن المجتمع، ويتطلب اهتمامًا خاصًّا وجادًّا.
و أشار مجموعة من الخبراء الإسبان في مكافحة الإرهاب إلى أن تنظيم داعش الإرهابي يختار السجناء أصحاب الأحكام القصيرة أو من هم على وشك الإفراج، وبمجرد خروجهم من السجن، يتم التواصل معهم؛ لمواصلة العمل لصالح التنظيم المتطرف. وقد سلطت مصادر عاملة في مجال مكافحة الإرهاب الضوء على الاستراتيجية الجديدة التي يتبناها تنظيم "داعش" الإرهابي في تجنيد عناصره من خلال استخدام أتباعه في السجون في استقطاب وتجنيد المعتقلين داخل السجون، والخطر الذي يشكلونه عند إطلاق سراحهم.
من جانبه، ذكر مكتب المدعي العام للمحكمة العليا الإسبانية في تقريره السنوي الأخير لعام 2020 أن السجون أصبحت أحد المصادر الرئيسة للاستقطاب والتجنيد والتطرف، كما أن الداخلية الإسبانية تراقب السجناء الأكثر تطرفًا منذ سنوات مراقبة صارمة، وتعمل على مكافحة التطرف فكريًّا داخل السجون، من خلال الدورات التي تنظمها مؤسسة السجون عبر الإنترنت لمسؤولي السجون، تدريبًا لهم على منع انتشار الفكر المتطرف داخل السجون، وتستغرق الدورة الواحدة 15 ساعة.
وثمن مرصد الأزهر هذه الخطوة التي تعزز نشر الوعي، ومنع انتشار ظاهرة خطيرة كهذه وسط مجموعة ممن لديهم خبرات إجرامية تمثل تهديدًا خطيرًا لأمن إسبانيا واستقرارها.
وفيما يخص المكافحة الأمنية، ففي الربع الأول من هذا العام 2021، تمكنت قوات الأمن الإسبانية من اعتقال العديد من المتطرفين داخل السجون، وكان من بين المعتقلين 3 سجناء متطرفين، كانوا يحرّضون السجناء الآخرين ويهددونهم للانضمام إلى خليتهم التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، كما قاموا بضرب سجين آخر رفض الانضمام إليهم، مما تسبب في إحداث إصابات خطيرة له.
واكد المرصد أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها قوات الأمن الإسبانية إجراءات ضد مجموعات من المتطرفين في السجون. ففي أكتوبر 2018، فكك الحرس المدني والمؤسسات الإصلاحية - فيما يُعرف بعملية Escribano - شبكة تطرف متواجدة في 17 سجنًا شارك فيها 26 سجينًا، معظمهم كانوا من المسجونين بسبب أنشطة إرهابية. وفي فبراير 2019، قامت الشرطة - فيما يُعرف بعملية "كافيغ" - بتفكيك خلية متطرفة داخل سجن "بالديمورو" (مدريد)، وبعدها تم القبض على 7 أشخاص، من بينهم 5 من السجناء العاديين الذين أصبحوا متطرفين داخل السجن، فضلًا عن العديد من عمليات الاعتقال الفردية المتفرقة داخل السجون خلال تلك الفترة.
وحاول تنظيم "داعش" الإرهابي التخطيط لعمليات هروب جماعية، مثل تلك التي تحققت خلال الأشهر الأخيرة في الكونغو وباكستان؛ لذا يكرس المتطرفون الذين صدرت بحقهم عقوبات طويلة جهودهم لمحاولة إقناع المجرمين العاديين بالانضمام للتنظيم وتنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين وزرع الرعب والإرهاب في المجتمع بين المواطنين.
ووفقًا لهذه المعطيات تولي الأجهزة الأمنية في إسبانيا اهتمامًا بهذا الملف، وتتعاون بشكل وثيق مع مؤسسات السجون؛ للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بعدما تبين أن فرص إعادة إدماج المتطرفين ضئيلة، بل على العكس من ذلك، فإنهم يتحولون بحرية أكثر إلى التطرف داخل السجون، ويعملون أيضًا على استقطاب آخرين.
وحذّر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مرارًا وتكرارًا من تفشي ظاهرة التطرف داخل السجون. فعلى الرغم من اتخاذ السلطات الإسبانية عدة تدابير للحد من انتشار الفكر المتطرف في المجتمع بوجه عام وفي السجون بوجه خاص، فإنها غير كافية حتى الآن، كما أن تضييق الخناق على هذه التنظيمات المتطرفة جعلها تكثف جهودها ونشاطها الخاص بالاستقطاب إلى داخل السجون، كما تبين من عرض هذه الظاهرة أن هدف التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي هو استقطاب عناصر إجرامية مدربة بالفعل على تنفيذ هجمات إرهابية، مما يسهل للتنظيم استغلالهم بشكل سريع وفعال.
واوصي مرصد الأزهر بضرورة عمل برامج تأهيلية مكثفة للمتطرفين على يد متخصصين، وأئمة معتدلين؛ لمراجعتهم فكريًّا، والعمل على إبعادهم عن المسارات المنحرفة، وكذلك عزلهم عن سجناء الجرائم العامة خلال قضاء فترة عقوبتهم؛ منعًا لانتشار هذا الفكر المتطرف والذي دائمًا ما تكون عواقبه وخيمة.