”الإفتاء”: توزيع التركة يتم بعد الوفاة نهائيًا وليس إكلينيكيًا
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: هل تحديد ورثة المتوفي إكلينيكيًا وتوزيع تركته تحسب من تاريخ توقف جميع أجهزة الجسم عن العمل ودخوله في الغيبوبة أو من تاريخ وفاته الحقيقي ودفنه؟.
وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن الموت هو عدم الحياة، أو هو مفارقة الروح للجسد انظر: «المجموع شرح المهذب» للنووي «5/ 105، ط. دار الفكر»، «أسنى المطالب» للأنصاري «1/ 64، ط. دار الكتاب الإسلامي».
يقول الإمام أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين» «4/ 477، ط. مصطفى الحلبي»: «ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها» اهـ.
وأوضح «علام» أن الروح ليست مُدْرَكة بالحسِّ، لكن لمفارقتها البدن بالموت علامات يُستَدَل بها على موت من ظهَرَت عليه، ويكون هذا الموت هو المعتبر شرعًا، وتكون تلك العلامات هي ما يترتب عليه أحكامه؛ من نحو: العدة لزوجة المحكوم عليه بالموت، واستحقاق الإرث، وغير ذلك من الأحكام التي تترتب على وفاة الإنسان.
اقرأ أيضاً
- ما حكم حقن البوتكس (Botox) واستخدامه في أغراض التجميل والزينة؟.. ”الإفتاء” تُجيب
- إحالة أوراق المتهم بارتكاب مجزرة ”طوخ” إلى مفتي الجمهورية
- أول تعليق لدار الافتاء على واقعة إهانة طبيب لممرض
- مفتي الجمهورية : صندوق الوقف الخيري يتفق مع الشريعة الإسلامية
- ما الحكم الشرعي في الحصول على جنين باشتراك فرد ثالث مع الأبوين ..الإفتاء تجيب
- ما حكم منع الرجل لزوجته من العمل .. الإفتاء تجيب
- حكم الشرع في المبيت عند أحد الوالدين حال مرضه..المفتي يجيب
- الإفتاء تجيب .. هل يجوز التطهر من الجنابة مع احتفاظ المرأة بشعرها دون غسل ؟
- هل يمكن للورثة عدم تنفيذ وصية الميت ..الإفتاء تجيب
- بعد إثارته ضجة كبيرة .. "الإفتاء" ترد على شرعية زواج ”البارت تايم”
- الزوجة وعشيقها تخلصوا من الزوج بـ13 طعنة قاتلة ..والمحكمة تعاقبهما بالإعدام
- جامعة القاهرة تكرم مفتي الجمهورية.. و بروتوكول لتجديد الخطاب الديني
وأشار إلى أنه قد ورد في السنة المطهرة ذكر علامة للموت الحقيقي؛ فقد روى الإمام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصره، فَأغمَضَهُ، ثم قال: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَر»، فضَجَّ ناسٌ من أهله، فقال: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ثم قال: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيه».
وفي بيان معنى شق البصر وتبعه للروح يقول الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم» «6/ 223، ط. دار إحياء التراث العربي»: يقال: شَقَّ بصرُ الميت، ولا تقل: شَقَّ الميتُ بصرهُ، وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه.. قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ»، معناه: إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يذهب اهـ، لافتا الي أنه قد ذكر الفقهاء في كتبهم بعض تلك العلامات التي يُعلم بها تحقق الموت المعتبر والذي تترتب عليه الأحكام الشرعية.
وقال الإمام ابن قدامة في «المغني» «2/ 337، ط. مكتبة القاهرة»: «وإن اشتبه أمر الميت، اعتبر بظهور أمارات الموت، من استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه» اهـ.
وقال الإمام النووي في «روضة الطالبين» «2/ 98، ط. المكتب الإسلامي»: «يستحب المبادرة إلى غسله وتجهيزه إذا تحقق موته، بأن يموت بعِلّة، أو تظهر أمارات الموت، بأن يسترخي قدماه، فلا ينتصبا، أو يميل أنفه، أو ينخسف صدغاه، أو تمتد جلدة وجهه، أو ينخلع كفاه من ذراعيه، أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلي الجلدة» اهـ.
وقد نص الفقهاء على أنه عند الشك في موت الإنسان ينتظر حتى يتيقن موته، وذلك عن طريق أمارات يتحقق بها الموت؛ كتغيير رائحته، أو ارتخاء رجليه وكفيه، ونحو ذلك؛ قال الإمام ابن عابدين الحنفي في «رد المحتار» «2/ 193، ط. دار الفكر»: قال الأطباء: إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرًا يدفنون أحياء؛ لأنه يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفاضل الأطباء، فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغير «إمداد»؛ وفي «الجوهرة»: وإن مات فجأة ترك حتى يتيقن بموته اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في «الشرح الصغير» «1/ 563، ط. دار المعارف»: «ومن مات تحت هدم أو فجأة؛ فإنه يؤخر ولا يسرع بتجهيزه حتى تظهر أمارات التغير وتحقق موته؛ لاحتمال أن يكون حيًّا ثم ترد له روحه» اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في «روضة الطالبين» «2/ 98»: «فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره، أُخّر إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيره» اهـ.
وأكد «علام» أن الذي يؤكد هذا أن الأصل هو الحياة، فلا يُعْدَل عن هذا الأصل إلا بيقين؛ والقاعدة الشرعية: «أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأن اليقين لا يزول بالشك»؛ كما أن المحافظة على النفس من مقاصد الشريعة الضرورية التي تجب المحافظة عليها.
واختتم المفتي فتواه «أن الموت الحقيقي المعتمد شرعًا هو مفارقة الروح للجسد مفارقة تامة بحيث تستحيل معها العودة إلى الحياة مرة ثانية؛ بأن تتوقف كل الأعضاء توقفًا تامًّا عن إدارة وظائفها»، وعليه وبعد الاطلاع على التقارير الطبية المرفقة فإننا نفيد أن وفاة الإنسان التي يترتب عليها تحديد ورثته وتوزيع تركته إنما تحسب من تاريخ التأكد من الوفاة، لا من تاريخ دخوله في الغيبوبة بمراحلها كلها.