الجمعة 22 نوفمبر 2024 03:39 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

دكتورة أمل مبروك أستاذ الفلسفة

الفلسفة وفن الموسيقى

 

دكتورة

أمل مبروك

أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة

ورئيس قسم الدراسات الفلسفية

بآداب عين شمس

 

هل هناك فلسفة للموسيقى؟ وإن كانت هناك، كيف يمكن أن ننفذ إلى معانيها وأسرارها وقوة تأثيرها؟ ما هي الشروط الضرورية والكافية لتصنيف شيء ما بأنه موسيقي؟ ما هي علاقة الموسيقى بالعقل؟ وما علاقتها باللغة؟ وما الصلة التي تربط بين الموسيقى والمشاعر الإنسانية؟

عرض "جوليوس يورتنوى" في كتابه القّيم: "الفيلسوف وفن الموسيقى" – وقام بترجمته الدكتور فؤاد زكريا – العلاقة بين آراء الفلاسفة وتطور الموسيقى على مر العصور، وذلك لأن من المألوف أن تجد دراسات تُكْتِب عن فلسفة الموسيقى، أو عن آراء فلاسفة معينين أو مدارس فلسفية خاصة في الموسيقى؛ أما تأثير الفلسفة ذاتها في مجرى الموسيقى، فهو موضوع لم يُكْتِب فيه الكثير من قبل. ولعل السبب الأكبر في ندرة ما كُتِبَ عن هذا الموضوع هو الاعتقاد السائد بأن تطور الموسيقى سار مستقلاً عن أفكار الفلاسفة ولم يتأثر بها على الإطلاق. إن تأثير الفلسفة في الموسيقى كان أقوى مما نتصوره للوهلة الأولى، وأن هناك مصيرًا مشتركًا يجمع بين هذين المجالين يعبر عن الجانب الروحي في الإنسان؛ وأن اللقاء بين الفيلسوف والموسيقى قد استمر طوال التاريخ ومازال قائمًا حتى اليوم.

.من هذا المنطلق يتضح، أن العلاقة بين الفلسفة والموسيقى قد تشكلت عبر العصور من خلال اهتمام الفلاسفة والمفكرين بالنظر في طبيعة الأنغام والمقامات الموسيقية وتأثيرها الأخلاقي، وقدرتها على دعم الجوانب السامية في الشخصية الإنسانية أو زيادة ميلها إلى ارتكاب الرذائل. وكذلك التأثير النفسي للموسيقى، وقدرتها على رفع معنويات الإنسان أو الهبوط بها؛ وشفاء أمراض معينة أو بعث الاضطراب والاختلال في النفس. كذلك كان الاهتمام منصبًا أيضًا على الربط بين الموسيقى والشعر.

وعلى الرغم مما تتضمنه هذه المبادئ السابقة من مواقف سلبية من الموسيقى، فإنها تنطوي على اعتقاد راسخ بقوة تأثير هذا الفن على الإنسان، وبأن الموسيقى قوة هائلة يستطيع الإنسان أن يستغلها في الخير والشر على السواء، ويمتد نفعها أو ضررها حتى يشمل المجتمع بأسره، وما يسوده من نظم اجتماعية وسياسية. لذلك كان الفلاسفة والمفكرون – منذ عهد أفلاطون – ينظرون بعين الحذر إلى هذه القوة السحرية الجبارة، ويحاولون وضع الضمانات التي تكفل استخدامها لأغراض تلائم القيم التي يدعون لها.

ويعرض "جوليوس يورتنوى" في كتابه: "الفيلسوف وفن الموسيقى"، الفلسفة اليونانية وفن الموسيقى، والموسيقى في العصور الوسطى وعصر النهضة، كما يعرض للموسيقى البروتستانتية والفلسفة الجمالية في عصر الباروك، كما يتناول المذهب العقلي والتنوير والعصر الكلاسيكي في الموسيقى. كما يتناول أيضًا الرومانتيكية وفن الموسيقى، والفلسفات الموسيقية في العصر الحاضر، كذلك يوضح معايير الفلسفة الجمالية في الموسيقى.

ومن أهم النتائج التي انتهى إليها "جوليوس يورتنوى" من بحثه عن تأثير الفلسفة في تطور الموسيقى نتيجتان: الأولى أن الفيلسوف – ومعه الكاهن – كانا في معظم الأحيان حائلاً يقف في وجه تطور التيارات الفنية على مر القرون. على حين أن الفنان لم تقتصر مقدرته على التبصر بحقيقة عصره، بل استطاع أن يستبق حاجات المستقبل ويتكهن بها. النتيجة الثانية، وهي مترتبة على الأولى: إن تاريخ الموسيقى يثبت أن الفيلسوف ومعه رجل الدين ليسا على حق في رفضهما التجديد الموسيقى، ومن المتوقع أن يفرض التجديد في الموسيقى المعاصرة نفسه على النحو ذاته. هكذا يدافع مؤلف الكتاب عن القيم الجديدة في الموسيقى المعاصرة، وعن الاتجاهات التجريدية الشكلية التي يعتقد أنها تمثل حركة التطور في الفن الموسيقي في المستقبل.

 

 

********

 

الموسيقى.فن الموسيقى. فلسفة