الجمعة 22 نوفمبر 2024 11:50 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

موسيقى كريستوف فون جلوك

د . أمل مبروك

"عندما عزمت على تلحين أوبرا مسرحية آلشستي –)Alcesteالتي كتبها يوربيدس)، قررت أن أجردها تمامًا من تلك المبالغات التي جلبها غرور المغنين الكاذب، أو تهاون المؤلفين الموسيقيين المفرط والذي كان سببًا في تشويه الأوبرا الإيطالية منذ عهد بعيد. لذلك اجتهدت في أن أقصر الموسيقى على موضعها الدرامي الحقيقي، وهو أن تخدم الشعر عن طريق التعبير وزيادة الاهتمام بالأسطورة دون تقاطع الحوادث أو تشوهها عن طريق زخارف عميقة جوفاء. لقد رأيت أن جهدي الأعظم ينبغي أن ينصرف إلى التماس البساطة الجميلة، وتجنب التظاهر بالتعقيد على حساب الوضوح. لذلك فإن الموسيقى التي سعيت – بقدر طاقتي – إلى جعلها طبيعة بسيطة لا تتجه إلا إلى التعبير عن معنى الشعر ودعمه إلى أقصى حد ممكن".

تُصور هذه الكلمات أساس النظرية الجمالية لملحن الأوبرا الألماني "كريستوف فون جلوك" وتحديه لتقاليد الأوبرا الإيطالية الجادة، حيث خلق أسلوبًا جديدًا للأوبرا مبنيًا على المزيد من الواقعية الدرامية. درس "جلوك" الفلسفة والموسيقى والعزف على الكمان في جامعة "براج"، وبلغ عدد الأوبرات التي ألفها سبعًا؛ وكانت أوبرا "أورفيو Orfeo" الأولى التي طبق فيها ما أسماه ب "إصلاحات الأوبرا" وهي عمل سابق لموسيقى "فاجنر" الدرامية. كذلك حاول دمج الدراما بالموسيقى بعد أن كانت الأخيرة تصويرًا مرافقًا لها فحسب، وصار النص الأوبرالي – بعد جلوك – يُكتب لمؤلف موسيقى واحد فحسب. وقد كان "جلوك" حريصًا على إصلاح الأوبرا الفرنسية بتطهيرها من تفاهات الأوبرا الإيطالية ونقائصها الفنية، غير أن أنصار الأوبرا الإيطالية قاوموا محاولته هذه التي تهدف إلى القضاء على قوالبهم التقليدية.

وقد اكتسبت نظرية المحاكاة القائلة: "إن الفن تقليد للطبيعة" أهمية كبيرة في الأبحاث الفلسفية في القرن الثامن عشر – كما ذكرنا من قبل – حيث تأثر "جلوك" بمفهوم المحاكاة اليوناني، واعتقد أن الفن ينبغي أن يُصور الطبيعة والظواهر الطبيعية تصويرًا واقعيًا، وأن في وسع الموسيقي – كأي فن آخر غيرها – أن تقوم بهذه المهمة. وفي هذا الصدد كان "جلوك" متفقًا مع الآراء الجمالية السائدة في عصره، والقائلة إن الفنون يمكن أن يحل كل منها محل الآخر، وأن ما يمكن أن يعبر عنه أحد الفنون يمكن أن يعبر عنه الآخر. وقد انتهى – على أساس هذا المنطق – إلى أن في استطاعة الموسيقى أن تًصور الواقع تصويرًا دقيقًا عن طريق تجميل الكلمة المنطوقة حتى تعبر عن معناها بدقة. وإذا كان "روسو" في اهتمامه بالجانب النظري أكثر من الجانب العملي في الموسيقى، قد أوضح الصعوبات الجمالية التي يتضمنها تحويل اللغة إلى أغنية والموسيقى إلى كلام؛ فإن "جلوك" – الذي كان موسيقيًا أكثر منه باحثُا نظريًا – قد بنى حركته الإصلاحية على إخضاع الموسيقى للنص. وكانت تلك طريقته الخاصة في تقويم عيوب الأوبرا الإيطالية التي أتاحت للمغنين حرية استخدام الكلمات أو تغيير المقاطع من أجل زيادة التأثير النغمي. وكان يعتقد أن الأداء الأمين للنص هو الذي يضمن للموسيقى أن تكون طبيعية. لكنه عّدل موقفه الجمالي القائل إن الشعر له الأولوية وإن وظيفة الموسيقى هي تصوير البيت الشعري وتأكيد معناه؛ فذهب إلى أن الموسيقى والشعر ينبغي أن يكونا سواء، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.

 

موسيقى. فلسفة. كريستوف فون جلوك