من التاريخ.. مقتل "الحمار" يُنهي الدولة الأموية
- أحمد صوانيوافق اليوم ذكرى مقتل مروان بن محمد، آخر خلفاء الدولة الأموية، والذي كانت نهايته في أرض مصر شهادة وفاة للدولة الأموية، وإعلان قيام الدولة العباسية، التي ورثت مُلك بني أمية ما عدا الأندلس، التي فر إليها عبد الرحمن الفاتح ليُقيم دولته في الأندلس.
هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أبو عبد الملك؛ الملقب بـ"الحمار" لصبره الشديد على مواصلة القتال، وقيل لولايته على رأس مائة عام والعرب تسمي كل مائة سنة حمارًا، ويقلب أيضًا بـ"مروان الجعدي" نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم.
وُلد مروان سنة 70ه ونشأ فارسًا بطلاً شجاعًا شديد العزم والصبر في القتال، مداومًا على الغزو والحروب، فولاه أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك أذربيجان وأرمينية والجزيرة سنة 114ه، ففتح بلادًا كثيرة وقاتل البيزنطيين وكسرهم مرات كثيرة، وكان أثناء ولايته على أذربيجان وأرمينية لا يفارق المعارك.
اضطَّربت أوضاع الدولة كثيراً عند وفاة الخليفة الوليد بن يزيد، والذي تولى أخيه إبراهيم موضعه لكنه لم يحظ بقبول الناس، وتدخل مروان بن محمَّد وسارَ إلى دمشق على رأس جيش من ثمانين ألف رجل، وكان قد أتاها من قبل في أيام يزيد، لكن ذاك استرضاه ووعده بالإصلاح، ولكنه عزمَ هذه المرة على خلع الخليفة، ودخل المدينة في شهر ربيع الآخر سنة 127 ه، فهربَ منها إبراهيم، وبويع مروان بالخلافة.
كان مروان بن محمد خليفة قوياً ذو حنكة وكفاءة عاليتين في إدارة الدولة، وكان قائداً عسكرياً ذا خبرة عالية خاضَ حروباً طويلة مع البيزنطيين، وميَّزه ذلك عن الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه؛ غير أن الأوان كان قد فاتَ لإصلاح أمور الدولة، وكانت قد سقطت بالفعل في فوضى ونزاعات داخلية عارمة، ولذلك فقد كانت نهايتها في عهده هو..
عندما بُويع مروان بالخلافة كان من الأشياء الأولى التي فعلها هي نقل العاصمة من دمشق إلى مدينة حران في الجزيرة، إذ أنه لم يَثق بمن في الشام، وكانت ثقته محصورة بمساعديه وقادته الذين عرفهم وتعامل معهم لسنوات طويلة خلال ولايته على أرمينيا وأذربيجان، غير أن هذا التصرف جاء بعواقب وخيمة، حيث ثار عليه أهل الشام، فبدأت الثورة من فلسطين، ثم زحفت إلى دمشق فحمص، وبذلك خسرَ تأييد أهل الشام أنفسهم وهم أنصار الأمويين الأساسيين، مع أنه سُرعان ما سار وقمع الثورة.
لم تستكن الأمور، وقامت الثورات واحدة تلو الأخرى، مرة في الجزيرة واليمن سنة 127 ه، وأخرى في الموصل سنة 129 ه، ثم في أفريقيا في سنتي 131 ه و132 ه، فضلاً عن الانقسامات الداخلية بين القبائل العربية المختلفة وداخل البيت الأمويّ نفسه.
أنهكت الثورات المتتالية مروان، فأخذ يَتنقل من منطقة إلى منطقة يُحاول السيطرة على الدولة ومنعها من الانهيار، لكنه تفاجأ وهو غارق في صراعاته الداخلية يَقمعها واحداً تلو الآخر بالمدّ العباسي يأتي من المشرق ويكتسح خراسان ثم العراق، فسار إليهم ووقعت معركة "الزاب الكبير" في شهر جمادى الآخرة سنة 132 ه؛ وكانت هذه المعركة هي نهاية الدولة الأموية وسُقوطها، وقُتلَ مروان بعدها ببضعة شهور، بعدما لجأ إلى مصر.
بعدَ قيام دولتهم أخذ العباسيون بمُلاحقة بني أمية وقتلهم، ولذلك فرَّ الكثير منهم بعيداً محاولين النجاة بأنفسهم، وقد كان من بين هؤلاء عبد الرحمن الداخل، الذي فرَّ إلى الأندلس، وأعلنَ استقلاله بها وتأسيس ولاية أموية في قرطبة سنة 138 ه.