الجمعة 22 نوفمبر 2024 05:58 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

هبة صلاح تكتب: الفتوى وتحقيق العدالة بين الجنسين

ساعات وتنطلق فعاليات المؤتمر العالمي السابع لدار الإفتاء المصرية، تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بعنوان: "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة"؛ بمشاركة وفود من 91 دولة ممثلين عن دور الفتوى حول العالم، وهو حدث كبير، برعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، يأتي قبل أسبوعين من عقد قمة المناخ في شرم الشيخ.
يتضح من عنوان المؤتمر أنه قد حان وقت تفعيل دور المؤسسة الدينية في هذا الإطار من خلال طرح أهداف التنمية المستدامة الـــ 17 على مائدة الحوار بين القادة الدينيين اعترافًا وإيمانًا أن الأديان السماوية كافة هدفها تحقيق مصلحة ورفاهية الإنسان على هذه الأرض.

هنا سؤال يطرح نفسه: أين بيت القصيد؟ فكل هدف من أهداف التنمية المستدامة له غاياته المرتبطة به ووسائل تنفيذه! نقول إن الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المعني بتحقيق العدالة بين الجنسين يعد من أهم ما تضمنته هذه الأهداف التي تخاطب حياة الإنسان في جوهرها.

لا ينكر عاقل أن أحكام التشريع الإسلامي أسست لدستور كامل ينظم العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، وتبقي فقط أن نفعل بنوده من خلال آلية تنظم ذلك، يأتي على رأسها دور الفتوى باعتبارها إنعكاس لأحوال الناس في كل زمان ومكان.

<<إنما النساء شقائق الرجال>>

بهذه الكلمات أسس النبي (صلى الله عليه وسلم) أساس العلاقات الاجتماعية بين الجنسين وجعل آخر كلماته للناس في حجة الوداع "استوصوا بالنساء خيرا"، فلا نجد خيرا من هذه الكلمات لنؤكد أن الممارسات التي خلقت فجوة بين الجنسين في مجتمعاتنا وأسست للتميز بين الرجال والنساء كانت جُلها صناعة اجتماعية من واقع العادات والتقاليد التي تعمدت أن تغض الطرف عن هذه الوصية، ولذا يأتي مؤتمر الإفتاء هذا العام ليعيد إلى الأذهان وإلى الخطاب الديني هذه الوصية.

الفتوى تعيد إلى الأذهان مجتمع مدينة رسول الله

تميز مجتمع المدينة بكونه مجتمع متعدد الثقافات والأديان جمع بين المهاجرين والأنصار ممن آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وجود النصارى واليهود والذي جمعهم العيش المشترك تحت مظلة وثيقة المدينة، فكان المجتمع متطور واختلف الخطاب القرآني الموجه للنساء في هذا المجتمع الجديد عما جاء به الوحي في الفترة المكية، فنجد على سبيل المثال الإشارة إلى "يا نساء النبي" وأصبحت المرأة هي الشخصية الأساسية في بعض السور المدنية التي اشتملت على آيات مطولة تسرد قصصا عن النساء وأمورهن مثل سور (الأحزاب، المجادلة، الممتحنة).

فكان للنساء صوت ومشاركة فاعلة في المجتمع بطبيعته الجديدة التي فتحت الآفاق للجميع رجالا ونساء على حد سواء، فاهتمت النساء على سبيل المثال في مجتمع المدينة بالقرآن الكريم وتفقهن في التفسير والدراسة وطرح الأسئلة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يفتح أبواب بيته ومسجده للجميع وعلى رأسهن السيدة عائشة (رضي الله عنها) زوج النبي وبعض النساء حفظن القرآن عن ظهر قلب.

وكان لنساء النبي جميعا (رضي الله عنهن) مشاركة واضحة في الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية، وكان لكل منهن تجارة وعمل أو بلغة العصر Business فكانت السيدة زينب بنت جحش (رضي الله عنها) صوامة قوامة كثيرة الصدقة “تعمل بيدها” وتتصدق كما قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصحبهن معه في سفره أو غزواته وكن يشاركن في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

فإذا كان القرآن يقول "الرجال قوامون على النساء" فإنه بالمقابل يقول "وعاشروهن بالمعروف"، فهذه المنهجية هي التي دعت دار الإفتاء المصرية اعتمادها لتحقيق العدالة بين الذكر والأنثى في غالب فتاويها وأن المعيارية هي الكفاءة وليست الذكورة أو الأنوثة فمثلا جاءت الفتوى بجواز أن تتقلد المرأة المناصب القيادية في العصر الحديث لأنه كما قلنا إن الشرع لم ينظر إلى النوع وإنما اعتبر العبرة في الكفاءة والقدرة على إنجاز الأمور على أتم وجه.

وعلى ذلك فإن ثنائية المجالين العام والخاص أو علاقات القوى في مجتمعاتنا الحديثة تخلق مساحات اجتماعية تتسع للرجال والنساء على حد سواء، وهذا هو ما يتحقق به الهدف الخامس من اهداف التنمية المستدامة في إطار خطاب ديني متوازن.


هبة صلاح
باحثة بدار الإفتاء المصرية

الفتوى تحقيق العدالة بين الجنسين