الإتحاد وجمع الكلمة ضرورة لصلاح البلاد والعباد
الداعية عبد العليم قشطة
إن الإنسان التقي النقي الذي يسعى لجلب المنفعة ودفع المضرة يعلم أن عليه واجبا نحو دينه ووطنه ومجتمعه وهو العمل ضمن المجموع والحرص على التعاون على البر والتقوى، فإنما يأكل الذئب الشاة الشاردة الوحيدة، فاتحادنا قوة واختلافنا ضعف، فعلينا أن نسعى لما فيه صلاح أمر ديننا ودنيانا ولما فيه صلاح البلاد والعباد
ونسير نحو جمع الصف وتوحيد الكلمة ونبذ الفرقة ودرء الفتن،
يقول الله -جل وعلا- في كتابه العزيز؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102-103].
أيها الأحبة الكرام : إن كتاب الله هو حبله المتين، والحق المبين؛ من وقف عند حدود كتاب الله نجا، ومن تحلى بآداب القرآن سعد، ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً، إن أنتم أطعتم الله فيه، ونفذتم الأوامر، وقمتم بحقوق الله؛ نلتم من الخير ما تحبون، وبلغتم الغاية المثلى التي تطلبون، وذلك بأن تتحد القلوب، وتتآلف النفوس، ونتعاون على الخير فيما بيننا، ونرمي بالعصبيات والجاهليات عرض الحائط، وندفن القومية والعصبية والتفرق مع الجاهلية الأولى التي دفنها الإسلام.
إن الإتحاد هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي للمجتمعات والدول ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة والقدوة كما بين لنا ربنا سبحانه وقال :
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً}
فقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.متفق عليه.
إذاً، فالاتحاد -يا أحباب - هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي، والتاريخ الإسلامي يشهد لما جاء به الدين الإسلامي من أن الخير كل الخير في اجتماع الكلمة والتضامن، وتوحيد الصفوف، والتضحية بالمصالح الشخصية والرغبات الفردية في سبيل المصلحة العامة، فما نالت أمة من الأمم نصيباً من التقدم في شيء من شؤونها إلا باجتماع الكلمة.
فعلى كل فرد واجب يؤديه، ووظيفة يجب أن يقوم بها لصالح الجميع ، فيجب أن يقوم بوظيفته ويؤديها بأمانة وإخلاص ووفاء.
عباد الله: فحذارِ حذارِ من التنازع والتفرق؛ فإنهما والله لمن الجنايات العظمى، والجرائم الكبرى، التي قد يدخل ضررها على العجائز في أقصى بيوتهن.
نعم، والله إنهما لمؤذنان بوخامة العاقبة وسوء المصير، يقول الله -سبحانه- وهو أصدق القائلين: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
يا عباد الله: اتقوا الله، واجتنبوا التنازع والاختلاف والتفرق؛ فإن ذلك مبلبلٌ للأفكار، مهرقٌ للدماء، مؤججٌ لنار العداوة والبغضاء، وما أدراكم ما العدواة والبغضاء؟!
هي والله الغزو الموحش والحرب الطاحنة، التي طالما هزت أركاناً راسية، وأودت بمصالح، وكشفت عن خبايا.
الإخوة الكرام : اتقوا الله واعملوا على ما يجمع كلمتكم، ويقرب وجهاتكم، فذلك أول عدة تعتدونها في صلاح البلاد والعباد، وابتعدوا جميعاً عن مغريات الدنيا التي تفرق ولا تجمع وتضعف وحدة الصف ، فإن الشياطين تسعي كل السعي ليضلوكم عن سبيل الله وعن الحق ، ويبعدوكم عن دينكم الحنيف، وعن أخلاقكم، وعن المثل العليا التي جاء بها الإسلام.