الجمعة 22 نوفمبر 2024 05:40 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

تأملات عقلية في معجزة الإسراء والمعراج الحِسِّية

د. عبد الراضي رضوان

( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) النجم ١٨ ؛ لأنه الأعظم بين الأنبياء والمرسلين ، وكان يجب أن يُفضَّل بما لا يدانيه فيه مَلَكٌ مُقرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل ، فكانت الإسراء والمعراج لتتحقق البشرية جمعاء معاصرين ولاحقين من تلك المكانة السامية حيث لم يسبق لعين رأتْ ولا لأُذن سمعتْ بما لم يرْقَ رُقيَّه الأنبياء ولم يُساووه في عُلَاه بدعوة على البُراق من ربه ومولاه : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ) الإسراء ١.
ولله دَرُّ أمير الشعراء أحمد شوقي الذي صاغ ببلاغة العُرَفاء سُمُوَّ سماء رقي محمد صلى الله عليه وسلم بالمعراج سماءً ما طاولتها سماءُ :
بَلَغْتَ سماءً لا يُطارُ لها على جناح ولا يُسعى على قَدَم
قِيل كلُّ نبيٍّ عند رتبته
ويامحمدُ هذا العرشُ فاستلمِ.
فلم يكن من مغازي الإسراء والمعراج أجلّ من الإعلان الإلهي عن المقام الذي ارتقى إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وجاءت هذه المعجزة الكبرى في تاريخ الرسالات والنبوات كشفاً وبياناً وبلاغاً وتبليغاً لهذا المقام المحمود.

ولم يكن كما قد شاع أن الإسراء والمعراج جاء تطييباً لخاطره صلى الله عليه وسلم بسبب ما مَرَّ به من شدائد وآلام .
فأية شدائد تلك وأية آلام قادرة على كسر خاطره صلى الله عليه وسلم بعد أن تكفل الله تعالى بذلك ومَنَّ عليه به : ( ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذِكْرك ).

إنما كانت المعجزة الكبرى والأعلى مكاناً عُلْوياً يختص بها النبي الأرفع مقاما بين النبيين والمرسلين.
فكانت معجزته في الإسراء والمعراج سماوية فوقية حالَ سنا منه دونهم وسناءُ ، وكان قربه قاب قوسين أو أدنى وتلك السيادة الغرَّاء والعطية النعماء التى ما أدركها النُجباء ، فما وراءها وراء حيث ( مازاغ البصر وما طغى ) النجم ١٧ .

فهي المرتبة الأسمى سواء في تلقي الوحي وتكاليف التشريع المحمدي في هذا العُلُوّ والسُمُوّ المكاني والزماني الارتقائي إلى حيث الحضرة الإلهية أم في انكشاف مُعجز لآيات الغيب الكبرى بالملكوت الأعلى من سموات ، وعالم أرواح ، وحيوات نبيين ومراتبهم ، وعالم الملائكة وجند الرحمن في حراسة السموات ، ومشاهد الجنة ونعيمها ، ومرئيات النار وعذاباتها.

وذلك التشريف وتلك الخصوصية حتى وإن كان بعض النبيين قد نال طرفاً منها بالرفع إلى السماء لكنّ أحداً منهم لم يتلق فيها وحيا أو تشريعا أو تكليفا بإبلاغ تلك الآيات والتشريعات إلى العالم الأرضي.

فكان الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم هو الأوحد بين البشر الذي جمع له الله تعالى بين الرؤية العينية لعالَمَي الغيب والشهادة.
ليأتي يوم القيامة شهيدا علي الناس: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء ٤١.