المهندس محمد عبدالخالق الشبراوي يكتب عن فضائل شهر شعبان
بسم الله الرحمن الرحيم .. وبه ثقتى، اللهم بنور وجهك الأبهر, وبسر سر سر ذاتك الأقدس, وبنور جلال جمال كمال رحمتك أن تُصلى على حضرة سيدنا أحمد محمد وعلى آله صلاة تنجينا بنجواه بمحامد أُلقيت عليه فى سجوده لله, وبمعانى كلمات لا يعلمُها إلا حضرة الإله لحضرة سيدنا أحمد محمد الرسول الحبيب الذى أحبه واقتداه, صلاة الله وملائكته عليه. آمين
إلهى هذه أويقات تجلياتك ومحل تنزلاتك, ونحن عبيدُك الواقعون على أعتابك, الخاضعون لعزة جنابك, الطامعون فى سنى بهى شرابك, فلا ترُدنا على أعقابنا بعدما قصدناك متذللين, يا الله يا رحمن يارحيم.
إنه من فطنة المؤمن أن يحذر من فوات أيام العز, و أن يغتنم مواسم الخير, فما كل وقت تُقام المواسم, فالديوان إذا نُصب ينبغى أن يُبادر ذو الحاجة بعرض حاله, ليوقع الملك له بقضاها , ويصلح حاله بعرض حاله, فيُكتب من السعداء ففى الحديث:" إن لربكم فى أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها, لعله يصيبكم نفحة منها, فلا تشقون بعدها أبدا." وشهر شعبان وليلة نصفه من هذه المواسم. فما سمى بشعبان إلا لأنه يتشعب منه خير كثير. ففيها حول الله حال حبيبه إلى أحسن حال فسر قلبه حينما تقلب وجهه فى السماء بين يدى الحى القيوم بسرعة الإجابة ونعمة القبول بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام حيث قال المولى عز وجل :" قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ".البقرة 144
فكانت نعم البشارة والدعوة المستجابة من سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهم السلام بقبول الدعاء بعدما أعانهم الله على رفع قواعد بيت الله الحرام ودعائهما ببعث نبى من ذريتهما لهداية الناس إلى صراط الله المستقيم كما أخبر ذلك كتاب الله تعالى فى قوله:" رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ".البقرة 129,128
من هنا أشار الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى تزكية النفس وتخليها عن أدرانها فقد رُوى عن أبى أُمامة الباهلى رضى الله عنه أن رسول الهق صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دخل شعبان فطهروا أنفسكم و أحسنوا نيتكم فيه. فقام صلى الله عليه وسلم بتلبية الإشارة و أخذ بالسر الذى بين العبد وربه ألا وهو الصيام, وكذلك الجُنة التى تحول بين المرء وبين المعاصى إنه الصيام بكل معانيه, فقد روت السيدة عائشة رضى الله عنها:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يُفطر, ويُفطر حتى نقول لا يصوم, وكان أكثر صيامه فى شعبان". وما أجمل و أذكى الإشارات فى رفع الأعمال فى الصيام فتنال القبول وعطف الحبيب على حبيبه فقد روى من حديث أسامة رضى الله عنه :" قلت يارسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تقوم من شعبان. قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان, وهو شهر تُرفع فيه الأعمال لرب العالمين, فأُحب أن يُرفع عملى و أنا صائم."، وقد خص المولى عز وجل ليلة النصف من شعبان بعظيم البركة والإسعاد لمن وفقه الله لنيل كرمه ومبتغاه حيث أشار إلى ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يسِح الله الخير فى أربع ليالٍ سحًا, ليلة الأضحى, وليلة الفطر, وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من رجب." كما روى الديلمى عن أبى أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خمس ليالٍ لا تُرد فيها دعوة: أول ليلة من رجب, وليلة النصف من شعبان, وليلة الجمعة, وليلتا العيدين."، إن كرم المولى عز وجل وعطائه فى هذه الليلة عظيم لمن كان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أمامه فى كل أفعاله وحركاته وسكناته فلا يفعل إلا ما يرضى المولى عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان إلى عباده فيغفر لأهل الأرض إلا رجلين مشرك أو مشاحن."، إنها إشارات الحبيب صلى الله عليه وسلم لأُمته, فمن فطن لها دُرج فى مدارج السعداء, ومن غفل عنها فقد فاته حظ وفير إستغنى عنه بغفلته عن الأخرة والباقيات الصالحات. إنها ليلة ناجى فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم حبيبه فقال:" سجد لك سوادى وخيالى, و آمن بك فؤادى, وهذه يدى وما جنيت بها على نفسى, ياعظيمًا يُرجى لكل عظيم إغفر الذنب العظيم, اللهم ارزقنى قلبًا تقيًا نقيًا من الشرك بريًا, لا كافرًا ولا شقيا."، فلنتسابق فى هذه الليالى والأيام فى الوقوف على أعتاب الرحمن نُناجيه أن يُثبت الأقدام ويُصحح الإقبال والإقدام فى رتبة الإسلام لندخل حضرة السلام من باب السلام, حتى نصل إلى دار السلام بسلام، فاللهم بمنازل قربك إجعلنا مستمسكين بذيل شريعتك المرضية, مستمسكين بطيبها الفاتح للمسام القلبية. اللهم أعمر باطننا بإمداداتك, و أعمر ظاهرنا بالجلوس على بُساط مناجاتك, واجعلنا أهلاً للجلوس على موائد كراماتك, وانفخ فينا روحًا من عندك, كى نقهر ما استولى علينا من قبيح الصفات, وأزح عن عين بصائرنا مشهد الغير, و أفلق صبح وجودنا بنور شهودنا, وأبقنا بك لا بنا. ونجنا ونجى مصرنا ورئيسها وأمة حبيبك وخلقك أجمعين من كل كرب, ومكر الماكرين, وحقد الحاقدين, إنك على ما تشاء قدير.اللهم امين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم