تحقيق العدالة للرئيس الأول
محمد ثروتتحقيق العدالة للرئيس الأول
اسمه محمد نجيب..
ولقبه الذى أجمعت عليه وسائل الإعلام منذ رحيله " أول رئيس لجمهورية مصر ".
أكان ذلك فحسب ؟
ولكن لابأس.. فهذا اللقب بملابساته ينطوي في نصوع على كل ما يستحق من ألقاب البطولة والتعظيم والتكريم.
لقد حجب عنا تاريخه ، وحجبت عنا بطولاته .. ولكن:
حقائق التاريخ لا يمكن إخفاؤها حتى لو امتد الزمن وأهيل التراب على الصفحات الرائعة للشخصيات المؤثرة في تاريخ الأمم والشعوب ،..
الرئيس محمد نجيب ظلمه التاريخ المصري كثيرا عندما تم حذف اسمه من كتب المدارس، وحاول البعض إلغاء تاريخه الوطني، بعد أن جمدوا حركته ونفوه داخل الوطن بقسوة(1954-1981) منذ انقلب عليه جمال عبد الناصر و مجلس قيادة الثورة وقرروا نفيه في منزل مهجورة بلا أثاث سوى غرفة واحدة، بمنطقة المرج شمال شرق القاهرة، عقب ما عرف بأزمة مارس أو أزمة الديمقراطية، والذي ظهر فيها الصراع بين معسكر محمد نجيب ومعه من مجلس الثورة خالد محي الدين ويوسف صديق يدعون لمشاركة الأحزاب في الحياة السياسية وعودة الجيش لثكناته، وبين تيار قاده جمال عبدالناصر وباقي اعضاء مجلس الثورة المصرية يدعو لاستمرار الثورة في طريقها، بهدم النظام القديم، وتصفية الحياة الحزبية. و قام عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة بدعم مظاهرات اتحاد عمال النقل، التي خرجت لتهتف دون وعي،" تسقط الديمقراطية.. يسقط نجيب" ..حتى أصبح الجيل الحالي يجهل الكثير عن حياته وإنجازاته الوطنية، بسبب قلة فرضت سيطرتها على الوطن وادعت أنها تحمل الحقيقة المطلقة وأنها صاحبة الحكم العادل دون غيرها .
ومن يشاهد اليوم صور الضباط الأحرار مع اللواء محمد نجيب، يتأكد له أنهم كانوا يعتبرونه أبا روحيا لهم، وكان يعتبرهم أولاده ، لكن ماخفى في داخلهم كان فظيعا وخطيرا .. أكل بعضهم البعض وأقاموا المحاكمات للكثيرين وفتحت السجون، وكثرت المصادرات، وغاب المبدأ السادس الذي قامت من أجله ثورة 23 يوليو 1952 "إقامة حياة ديمقراطية سليمة".
ولم يكن محمد نجيب يرغب في ذلك، فأبعدوه عن سلطة القرار، لينفردوا بقيادة البلاد على منهج الشرعية الثورية، وليس الشرعية الدستورية ودولة المؤسسات .. وظهرت مصطلحات هيمنت على أسلوب الحكم في تلك الفترة ومنها .. "الاستعانة بأهل الثقة وليس أهل الخبرة، والولاء مقدم على الكفاءة" .
فكرت كثيرا في رد الاعتبار للرئيس محمد نجيب ، رغم ما كتب عنه من كتب ومذكرات ، لأنني تأكدت أن هناك الكثير من المعلومات الهامة التي لم يكشف عنها النقاب ، خاصة ما يتعلق بحقيقة دور اللواء محمد نجيب في ثورة يوليو 1952 ، وهل كان نجيب زعيما لحركة ضباط الجيش الشبان أم كان مجرد واجهة لها ؟ وما طبيعة الصراع بين نجيب وعبد الناصر ؟ وهل كان صراعا من أجل الديمقراطية أم كان صراعا على السلطة ؟ ولماذا تعامل مجلس قيادة ثورة يوليو مع الرجل الذى وافق على تصدر حركة الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو1952 بهذه القسوة التى وصلت إلى حد نفيه وراء الشمس طيلة 29 عاما ؟
ذلك أن فترة الرئيس الراحل محمد نجيب ، لم تكن مجرد سنتين عابرتين في تاريخنا القومي المعاصر ، بل تمثل مرحلة مهمة في التطور السياسي لمصر " .
فقد شهد عصر محمد نجيب انطلاق ثورة 23 يوليو 1952، وقيادته لها في مرحلة عصيبة من تاريخ مصر المعاصر .
وكان لتصدي محمد نجيب لقيادة الثورة ، لتاريخه في حرب فلسطين 1948، وفوزه برئاسة نادي الضباط ضد حسين سري عامر مرشح الملك فاروق، وقيام الملك بإقالته. أثر كبير في إنجاحها ، على مستوى الجيش والشعب في مصر والسودان ، وارتبط عهد محمد نجيب ( 1952 – 1954 ) بمجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد ، خاصة بعد تنازل الملك فاروق عن العرش ، والتحول من الملكية إلى الجمهورية التي كان محمد نجيب أول رئيس مصري لها تجري في عروقه دماء وطنية خالصة بعد حكم أسرة محمد على باشا ، وكذلك شهد عصر نجيب ، صدور قوانين خطيرة مثل الإصلاح الزراعي ، وحل الأحزاب السياسية ، وقيام هيئة التحرير ، وتوقيع اتفاقية السودان ، والبدء في دراسة مشروع السد العالي، ووضع دستور جديد لمصر " ، يحمل ملامح ديمقراطية وبرلمانية.
كان محمد نجيب بحكم دراسته للقانون، وحصوله على درجة الدكتوراه في القانون المدني من جامعة القاهرة- أول رئيس مصري يحمل مشروعا متكاملا للدولة المدنية التي بدأها محمد على( باشا ) ، بما تحمله من قيم البناء والتحديث والمواطنة والاستقلال الوطني . وقد قام بتوثيق ذلك في كتابه "مصير مصر"، الذى صدر بالإنجليزية عام 1955 ، بمساعدة الصحفي الأمريكي "لي هوايت "، وقد كان حظ هذا الكتاب من حظ صاحبه ،فتمت مصادرته وحرق نسخه بعد خروج محمد نجيب من السلطة في 14 نوفمبر عام 1954 لولا أن احتفظ مساعد نجيب السوداني أحمد مدثر حجاز بنسخة منه ، وقام بترجمته إلى اللغة العربية حيث أعيدت طباعته في السودان .
مازال تاريخ محمد نجيب مجهولا، رغم سعي الدولة المصرية منذ عام 2014 لتكريم ذكراه، وتسمية أحد محاور القاهرة باسمه و إطلاق اسمه على قاعدة عسكرية كبرى بمنطقة مرسى مطروح على الحدود المصرية الليبية. باعتباره كان قائدا سابقا لسلاح الحدود، إلا أن اسم وسيرة محمد نجيب تظل مجهولة لدى أجيال كثيرة، فلم يذكر اسمه طول عصر عبد الناصر، ثم أصبح يذكر اسمه على استحياء في كتب التاريخ في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحاليا لا توجد وثائق مسموح بخروجها عن تلك الفترة في دار الكتب والوثائق الحكومية.. و رغم محاولات رد اعتباره أكاديميا إلا أن هجوما من بعض التيارات على ندوة علمية عنه في جامعة عين شمس، لمحاولة تعطيلها. و تعطيل جهاز السينما التابع لوزارة الثقافة لأي عمل سينمائي عنه. يدفعنا للتساؤل متى يتم تحقيق العدالة للرئيس الأول؟