الجمعة 22 نوفمبر 2024 06:18 صـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

هناء شلتوت تكتب: رحلة البحث عن السلام العادل في الأرض المقدسة

تتلاقى حضارات وتتصادم مصائر، وتُرسم ملامح صراع إنساني متجذر في العمق، فقد شاب تاريخ البشرية وهو يلهث خلف صراعات ونزاعات اتخذت أشكالا مختلفة، بدءًا من الخلافات الفردية الصغيرة، وصولا إلى الحروب الكبرى التي هزت أرجاء العالم، والتي نبعت من جملة من العوامل المتداخلة، كالصراع على الموارد، والاختلافات الأيديولوجية، والتنافس السياسي، والظلم الاجتماعي، حتى حل النزاع محل السلام.

فمنذ فجر الإسلام نجد أن تعاليمه السمحة تنضح بالسلام والعدل واحترام حقوق الإنسان، لتلتقي مع مبادئ القانون الدولي الإنساني في مفترق طرق، حيث تتوافق تعاليم الإسلام مع مبادئ القانون الدولي الإنساني الهادفة إلى حماية الإنسان وكرامته، ويتناغم القانون الدولي الإنساني مع مجموعة من المبادئ الإسلامية التي تهدف إلى حماية الأفراد والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة وضمان احترام حقوق الإنسان والقيم الإنسانية الأساسية خلال الحروب والنزاعات.

ومن ينابيع الرحمة الإلهية، ينهل الإسلام قيمه الإنسانية النبيلة، رافعا راية التسامح والعدل بين البشر، فقد وضع الإسلام قيمة الإنسان وكرامته في صميم تعاليمه وأكد على أهمية السلام ومكافحة الظلم والعدوان، ولطالما كانت الإنسانية جوهرا للرسالة الإسلامية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية لتشمل كل البشرية، فالإنسان في الإسلام خليفة الله في الأرض، يحمل مسؤولية عظيمة وينعم بمكانة رفيعة.

ويتجلى تكريم الإسلام للإنسان في نصوصه الخالدة، ففي القرآن الكريم يقول الحق تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"(الإسراء: 70)، وهو تكريم يشمل جميع البشر بلا تمييز في الدين أو العرق أو الجنس، ويؤكد الإسلام على مساواة الجميع، ففي الحديث الشريف يقول النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم): "كلكم لآدم وآدم من تراب"، ولم يقف الإسلام عند الأحكام النظرية، بل حث على تجسيد هذه القيم في السلوك اليومي، فجعل الرحمة أساسا للتعامل مع الآخرين، فقال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(الأنبياء: 107)، رحمة تُغدق على الجميع دون تمييز، تنير دروب الخير وتساعد على حل الصراعات ونشر السلام.

اقرأ أيضاً

وباعتبار القرآن الكريم والسنة النبوية مصدرين رئيسيين للتشريع الإسلامي، فهناك الكثير من التوجيهات القرآنية والنبوية التي تحث على حسن المعاملة والعدل في النزاعات والحروب، فقد أكد القرآن الكريم والسنة على صلتهما بالقانون الدولي الإنساني، ومبادئ الرحمة والعدالة، حيث يشجع الإسلام على مبادئ الرحمة والعدالة في التعامل مع الأفراد، وهي قيم مشتركة مع القانون الدولي الإنساني الذي يسعى لحماية الضحايا وتقديم المساعدة الإنسانية، وكذلك أكد على حرمة الحياة واعتبر الحياة أساسية في الإسلام، وهي كذلك مبدأ يجده القانون الدولي الإنساني أيضاً أساسيا في حماية المدنيين والأفراد غير المشاركين في الصراعات.

وهنا يظهر تناغم القانون الدولي الإنساني مع تعاليم الإسلام، حيث تتأسس مواد القانون الدولي الإنساني على مبادئ أساسية، مثل احترام الكرامة الإنسانية، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وحماية المدنيين والمدن والممتلكات المدنية، وتشمل أيضا مبادئ أخرى مثل حظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وحماية المدنيين غير المشاركين في النزاع، ومن ثم فهناك قيما مشتركة تجمع الإسلام والقانون الدولي الإنساني وتؤسس لحماية شاملة، ويتجلى التوافق بين الإسلام والقانون الدولي الإنساني في العديد من النقاط تأتي في مقدمتها "الرحمة والعدالة" حيث يؤكد الإسلام على قيم الرحمة والعدالة، وهي قيم مشتركة مع القانون الدولي الإنساني الذي يسعى لحماية الضحايا وتقديم المساعدة الإنسانية.

كذلك حرمة الحياة التي يعتبرها الإسلام حقا أساسيا للإنسان، وهو ما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني الذي يشدد على حماية المدنيين والأفراد غير المشاركين في الصراعات، كما أن هناك أوجه اتفاق فيما أقره الإسلام في حالة الحرب بشأن معاملة الأسري وفيما أقره القانون الدولي الإنساني في النزاعات والحروب، فنجد الإسلام يحث على معاملة الأسرى بالإنصاف والإحسان، وهذا يتماشى مع مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تنص على حقوق الأسرى ومعاملتهم بإنسانية، كذلك يحظر الإسلام التعذيب والمعاملة السيئة، وهو مبدأ متوافق مع القانون الدولي الإنساني الذي يحظر بشكل قاطع التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية.

كما أننا نجد العديد من الدول الإسلامية قد انضمت إلى معاهدات واتفاقيات القانون الدولي الإنساني وأظهرت التزامها بهذه المبادئ، مما يدل على أهمية هذا القانون في السياق الإسلامي، هذا بالإضافة إلى الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي الإنساني بين الدول الإسلامية، والتي تعكس بدورها التفاني في تعزيز القيم الإنسانية وحماية الحقوق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها من المناطق ذات الأغلبية الإسلامية.

ولعل العالم وفى القلب منه فلسطين أحوج إلى تفعيل هذه القيم المشتركة لوضع حد للنزاع والاحتلال للأرض المقدسة والمحتل المتغطرس الذي يضرب ليل نهار بكافة قوانين حقوق الإنسان عرض الحائط، هذا إلى جانب الحاجة إلى تضافر الجهود لكتابة فصل السلام في حكاية الأرض العريقة والشعب الصامد، الذي طالما جسد معاناة إنسانية عميقة تلامس القلوب وتثير المشاعر.

وفي خضم هذا الصراع الدائر، يبقي السؤال: كيف يتقاطع الإسلام والقانون الدولي الإنساني في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق السلام المنشود؟ وكيف نسلط الضوء على القضية الفلسطينية من منظور إنساني شامل وعادل؟، والإجابة هنا تكمن في استكشاف آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لنستخرج منها مبادئَ سامية تنير لنا الدرب، ونبحر في ثنايا القانون الدولي الإنساني، ونحلل أحكامه ومبادئه، لنرى كيف تطبق على الواقع الفلسطيني المعاش لتقدم لنا هذه المبادئ السمحة والقوانين العادلة بصيص أمل في تحقيق السلام العادل والدائم على الأرض المباركة.

وختاما يمكننا القول إن هناك توافقا كبيرا بين القانون الدولي الإنساني والقيم والمبادئ الإنسانية في الإسلام، وبالتزامن مع الجهود الدولية لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في العالم الإسلامي، يمكن أن يكون للإسلام دور فاعل في تعزيز حماية الحقوق الإنسانية والقيم الإنسانية العالمية، وتقليل الآثار الإنسانية السلبية للنزاعات المسلحة الدائرة، بما يعكس الروح الإنسانية التي يؤمن بها الإسلام والقيم الأخلاقية العالية التي يدعو إليها، وعلى الرغم من قسوة الصراعات إلا أن الأمل في إحلال السلام سيبقى دائما هو فصل الخطاب.

الصراع الإنساني تعاليم الاسلام المبادئ الإنسانية فلسطين الحرب السلام