الجمعة 22 نوفمبر 2024 04:01 صـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

المرأة والمنوعات

حج المرأة.. هل تتساوي النساء مع الرجال في الثواب؟

الحجّ هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب على المسلمين من الرجال والنساء على حد سواء إذا تحققت شروطه الموجبة له من العقل والبلوغ والقدرة الجسدية والمالية، يقول الله تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ]آل عمران:97[.

الحج هو جهاد المرأة
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلتُ يا رسول الله! على النِّساء جِهاد؟! قال: "نعم، عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ، الحج والعُمرة"، والجِهاد هُو بذْل الجُهد واستفراغ الوسع في طاعة الله -عزَّ وجل- لا سِيَّما ما فيهِ مَشَقَّة، والحج والعُمرة فيهما بَذْل جُهد ومَشَقَّة فهو جهاد، وكُلّ ما يحتاج إلى مُعالجة مع النَّفْس ومُجاهدة فهو جِهاد؛ هذا البيان العميق يؤكد على المكانة الرفيعة للحج بالنسبة للنساء في الإسلام، مُعَادِلًا للجهاد في سيبيل الله بالنفس والمال، كما أنه يسلط الضوء على الأهمية الروحية للحج في حياة المرأة المسلمة.

وعندما ننتقل للسفر إلى أداء فريضة الحج او العمرة، هناك العديد من المسلمات حول العالم لم يتمكن من الحصوص على إذن ولي الأمر أو حتى توفير رفقة المحرم لأسباب مختلفة أو ظروف متنوعة، وهذا أدعى ليصيبهن بالإحباط، غير أن القرار الذي أعلنته إدارة الحج في المملكة السعودية من السماح للنساء بالسفر وأداء هذا الركن يسلط الضوء على جانب حاسم يتعلق بالأحكام الشرعية والثواب المرتبط بمشاركة النساء في هذه الشعائر، فمن خلال رحلة الحج المقدسة، تشارك المسلمات في رحلة روحية، كما أنهن يواجهن تحديات فريدة على طول مسار تحقيق واجباتهن الدينية، ومن بين هذه التحديات الطبيعية البيولوجية التي خلقهن الله عليها المتمثلة في الحيض أو النفاس، التي تقيد بعض الشعائر مؤقتًا أثناء الحج، ومع ذلك، بدلاً من الإحباط، تستمد المعتمرات من النساء الراحة من الفهم أن طاعتهن لأوامر الله خلال هذه الأوقات تحمل نفس الثواب لا ينقص منه شيء، وهذا من رحمة الله التي تشمل عباده رجال ونساء.

الحج ومفهوم العبودية
الحج في اللغة العربية يعني الهدف أو الغرض، فالحج هو رحلة لإظهار الانقياد إلى الله سبحانه وتعالى التي يتوجه فيها المسلم إلى بيت الله - الكعبة -بالجسد والقلب، وجوهر الانقياد يكمن في الطاعة لأوامر الله، أما بالنسبة للنساء، يتجلى هذا الانقياد ليس فقط في أعمال العبادة مثل الصلاة والصوم، ولكن أيضًا في الامتناع عن هذه الطقوس خلال فترة الحيض، فالله الخالق يعلم ما خلقه ولذا جاءت تشريعات دينه متوافقة مع ما يعتري المرأة من تغيرات بيولوجية ونفسية، ومن خلال الامتناع عن الصلاة والصوم أثناء الحيض، تُظهر المرأة التزامها وحرصها على تحقيق والطاعة لأوامر الله (الشارع) مما يوضح أن العبادة الحقيقية في تنفيذ الأوامر الإلهية، وهذا يثري رحلتهن الروحية ويعمر قلوبهن بالإيمان.

العدل والإحسان في الثواب
الشارع الحكيم سبحانه يعطي من الثواب ما يكفل الطمأنينة والعطاء الوفير من فيض رحمته وإحسانه لعبادة المؤمنين والمؤمنات، يقول سبحانه في القرآن الكريم ما يؤكد هذا المعنى من غير غبن أو ظلم أو انتقاص في الثواب لأي من عباده: "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" [النساء، 124]، وتعتبر هذه الآية تذكيرًا بأن قيمة الفرد لا تُحدد من قبل الجنس بل بصدق إيمانه وصلاح أعماله.
كذلك احتفت السُنة النبوية بهذا المعنى الجليل، روى أبو هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ" (البخاري).

إن من جمال ورحمة هذا الدين ما فرضه الله من رُخص لاستيعاب احتياجات الحجيج من النساء أثناء هذه الرحلة المباركة (رحلة العُمر)؛ ومن خلال التعرف على الطبيعة البيولوجية لأمر الحيض، حيث أجاز الفقه الإسلامي إعفاء النساء من بعض شعائر الحج خلال فترة الطمث، لذا لابد للمرأة المسلمة أن تغير نظرتها إلى هذه الرخصة من كونها عائق أمام التمتع بمناسك الحج وإشباع الجانب الروحي، وينبغى لها أن تنظر إليه على أنه مظهر من مظاهر رحمة الله وإحسانه تجاه عباده من النساء، فرحلة الحج في جوهرها لا تتعلق فقط بالأعمال البدنية للعبادة بل أيضًا بالرحلة الداخلية للإيمان والمرونة والنمو الروحي، وعلى الرغم من أن العقبات المؤقتة قد تنشأ، إلا أنها لا تقلل من أهمية حرص المرأة أو قدرتها على تحصيل الثواب، بل تُعتبر فرصًا للصبر والمثابرة والثقة في حكمة الله، وهذا هو جوهر العبادة والخضوع الصادق لله العلي القدير، فالعبادة هو عين الامتثال لأوامر الله ونواهيه.

ومن هذا المنطلق يؤكد الفقهاء المسلمون للمرأة الحائض أو النفساء جواز ممارسة جميع شعائر الحج باستثناء الطواف وأداء الركعتين المرتبطتين بالطواف، وبناءً عليه يمكن للمرأة في حالة الحيض أو النفاس أن تُحرم، ويستحب لها الاغتسال قبل ذلك، وعليه فإنها تؤدي المناسك من الوقوف بعرفات وأداء الشعائر الأخرى، كما حدد النبي (صلى الله عليه وسلم) لزوجته السيدة عائشة (رضي الله عنها) لما فاجئها الحيض أثناء الحج: "افعَلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غير ألَّا تطوفي بالبيتِ حتى تطهُرِي"، وفي الحالات التي تخشى فيها المرأة أن يغادر مرافقوها قبل أن تتمكن من إكمال الطواف، ولا تستطيع الانتظار حتى ينتهي الحيض، يجوز لها على رأي بعض العلماء أن تؤدي الطواف وتتأكد من الحفاض لمنع تلوث المسجد، أما طواف الوداع فيجوز لها ألا تؤديه إذا كانت في عجلة من أمرها.

بناءً على ذلك، يتعين على الحجيج من النساء الدخول في رحلة الحج بروح الامتنان والتفاؤل، وأن يكن على يقين بأن جهودهن في عين الله ذات شأن ولهن الثواب برحمته وحده، بدلاً من الشعور بالإحباط أو الاستبعاد بسبب الأعذار المؤقتة، كما يجب عليهن استغلال تلك الفرصة لتقوية ارتباطهن بالله والاقتراب منه سبحانه.

حج المرأة النساء الرجال الميدان