الإفتاء عن الانشغال بالتصوير أثناء أداء مناسك الحج والعمرة: جائز بشرط
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: نرجو منكم بيان الحكم الشرعي لما يفعله بعض الحجاج والمعتمرين من كثرة الانشغال بالتصوير خلال أداء مناسك الحج والعمرة؟
وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
بيان حقيقة التصوير الفوتوغرافي
التصوير الفوتوغرافي مصطلح مشتق من اللغة اللاتينية اليونانية مكون من شقين: الشق الأول كلمة "photo " وتعني: الضوء، والشق الثاني كلمة "Graphic "، وتعني الرسم أو الكتابة، فكلمة "Photographic " تعني بالعربية: الرسم بالضوء.
وحقيقة التصوير: أن يستخدم المصوِّر آلة -عدسة- مصممة بطريقة تسمح بعكس المشهد الذي أمامها في وَسَطٍ يمكنه الاحتفاظ به؛ وذلك بواسطة تأثيرات ضوئية، ثم يمكنها بعد ذلك الاحتفاظ بذلك الانعكاس بداخلها.
اقرأ أيضاً
- شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين الشريفين ولي العهد السعودى بنجاح موسم الحج
- السعودية في الحج .. تقدير مُضاعف لكبار السن ورعاية بإحسان لذوي الإعاقة
- حُسن الخاتمة.. وفاة ثالث مواطنة من الدقهلية أثناء أداء مناسك الحج
- توضيح رسمي من بعثة الحج المصرية حول واقعة اختفاء سيدتين
- الرئيس السيسي يغادر جدة بعد أداء مناسك الحج
- حجاج بيت الله الحرام يرمون اليوم الجمرات الثلاث في أول أيام التشريق
- أكثر من 5 آلاف متطوع صحي وإسعافي ينفذون 72 ألف ساعة تطوعية لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1445 هـ
- الرئيس السيسي يشيد بما شهده ولمسه من حسن التنظيم لمناسك الحج والخدمات المقدمة لملايين الحجاج
- وفاة حاجة مصرية من بورسعيد أثناء تأدية مناسك الحج
- الشيخ ماهر المعيقلي في خطبة عرفة : الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة .. وعرفة موقف عظيم تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات
- ضيوف الرحمن يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم
- الصحة: تقديم خدمات الكشف والعلاج لـ17 ألف و734 حاجا مصريا من خلال عيادات بعثة الحج الطبية في مكة والمدينة
والتصوير بهذا المفهوم في أصله جائز شرعًا شريطة ألَّا يشتمل على محظورٍ؛ كتصوير جسدٍ عارٍ أو عورة واجب سترها، أو التسبب في إلحاق الضرر بالآخرين.. إلخ.
تعظيم شعائر الله سبحانه من علامات تقوى القلوب
من المقرر أن من أجلِّ العبادات القلبية التي يُستدل بها على تقوى القلوب وخضوعها لله عزَّ وجلَّ: تعظيم شعائره؛ حيث قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
وتعظيم شعائر الله تعالى يشمل إبراز معاني التوقير والإجلال والاحترام لها، وامتثال الأمر بإقامتها والتعبد لله بها؛ فإن تعظيمها من تعظيمه سبحانه وتعالى؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قول الله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 13]: "مَا لَكُمْ لَا تَعْلَمُونَ حَقَّ عَظَمَتِهِ؟"؛ كما في "بحر العلوم" للإمام السمرقندي (3/ 407، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (26/ 264، ط. دار إحياء التراث العربي): [إنَّ الخالقَ ابتداءً مالكٌ، والمالكُ يجب على المملوك إكرامُه وتعظيمُه] اهـ. وتعظيم الله تعالى يحصل بتعظيم كل ما دَلَّ عليه من شعائر أو عبادات.
ولَمَّا كان الحج شعيرة من شعائر الله؛ اقتضى ذلك تعظيمه بإبراز أقصى معاني الاحترام والإجلال، بالتأدب وحفظ الوقار أثناء القيام بالمناسك، سواء كان ذلك أثناء الطواف حول البيت الحرام، أو في السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وعند رمي الجمار، وهذا الاحترام لا يتأتَّى في حال كون الإنسان منشغلًا بالتصوير في كلِّ مكانٍ من أماكن المشاعر المقدسة بشكلٍ مُبالَغٍ فيه.
بحيث يتسبب في تعويق حركة الحجاج في أداء المشاعر من طوافٍ وسعيٍ، أو حتى في الأمور التنظيمية الخاصة بالفوج الذي يشترك فيه الناس معًا كالتنقل من وإلى المسكن والمشاعر الأخرى، فإذا نتج عن التصوير ضرر بتعطيل حركة الآخرين أو أي نوع من الإيذاء، عُدَّ التصوير ممنوعًا شرعًا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
والضرر المنهي عنه في الحديث يشمل قليل الضرر وكثيره، فهو لفظٌ عامٌّ يشمل عدم الضرر في كلِّ الأمور إلَّا ما دلَّ الشرع على إباحته لمصلحة شرعية.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 191، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن حبيب: الضرر عند أهل العربية الاسم، والضرار الفعل، قال: والمعنى لا يدخل على أحد ضررًا.. وهو لفظ عام متصرف في أكثر أمور الدنيا، ولا يكاد أن يحاط بوصفه] اهـ.
حكم كثرة الانشغال بالتصوير خلال أداء مناسك الحج والعمرة
إن المبالغة في التصوير أثناء مناسك الحج فيها نوع من الإيذاء وعدم مراعاة أحوال الآخرين، قد يوقعهم في الحرج المنهي عنه شرعًا؛ بل إنه يُعَدُّ من الأفعال المنافية للحال التي ينبغي أن يكون عليها مَن يزور بيت الله الحرام، سواء كان مُحْرِمًا بالحج أو غير محرم؛ لذا فلا يليق أن ينشغل المحرم بالحج عن أداء المناسك بأي أمر آخر من أمور الدنيا؛ كالتقاط الصور التذكارية؛ لأن الأصل أن يكون حاله في هذا الوقت منقطعًا عن الملهيات والشهوات متعلقًا قلبه بربه، ومنشغلًا فكره برضا مولاه، راجيًا قبول حجه؛ لينال بذلك الأجر، فيرجع كيوم ولدته أمه، لا ذنب ولا إثم عليه، فيكون حجه مبرورًا.
ويتأكد هذا التقرير -منع المبالغة في التصوير أثناء المناسك- في حقِّ كلِّ مَن دخل الحرم المكي الشريف مُحْرِمًا أو غير محرم؛ لقدسيته وهيبته وإجلاله، والذي قال عزَّ وجلَّ في شأنه: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96-97]، فكيف بالحرم الشريف؟! وقد قال تعالى في حقِّ المساجد عامة: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ [النور: 36-37].
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/ 56-57، ط. دار الكتب العلمية): [أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها] اهـ. ولا شك أن إيذاء الحجيج والمعتمرين وتعطيلهم عن أداء مناسكهم يُعَدُّ من الأفعال التي لا تليق ولا تناسب الحال الذي ينبغي أن يكون عليه مَن يَرِد هذه الأماكن المباركة.
وقد روي عن عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ المخزومي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ، مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ، هَلَكُوا». أخرجه ابن ماجه في "سننه".
قال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (6/ 2049، ط. مكتبة نزار): [إن الحرمة المعظمة المعهودة عند العرب قاطبة هي حرمة بيت الله وبلده الحرام] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص: 128، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -القاهرة): [ذهب جماعة من العلماء إلى أن السيئات تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات. ممن قال ذلك: مجاهد وابن عباس وأحمد بن حنبل وابن مسعود وغيرهم؛ لتعظيم البلد. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن مقامه بغير مكة، فقال: ما لي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تضاعف الحسنات؟ فحمل ذلك منه على مضاعفة السيئات بالحرم، ثم قيل: تضعيفها كمضاعفة الحسنات بالحرم] اهـ.
فالالتزام بكامل الأدب والوقار في بيت الله الحرام يُعَدُّ من تعظيم حرمات الله؛ يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 617، ط. مؤسسة الرسالة): [الحرمات: المَشْعَر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحُرُمَات] اهـ.
بناء على ذلك: فالتصوير أثناء مناسك الحج جائز شرعًا بشرط ألَّا يؤدي إلى تعطيل أحد الحجاج، والتصوير المبالغ فيه قد يوقعهم مع الحرج، خاصة في وجود العجزة وكبار السن الذين يتأخرون بسبب التقاط الكثير من الصور التذكارية؛ بالإضافة إلى أن الواجب على المرء المحرم وغير المحرم أن يلتزم الأدب والوقار أثناء وجوده في الأماكن المقدسة كالبيت الحرام، حيث أمر المولى سبحانه وتعالى بأن نعظم هذا البيت ونحترم قدسيته، كما أن اللائق بالحاج أن يكون منشغلًا بالخشوع في أداء المناسك، حتى يكافئه المولى سبحانه وتعالى بالأجر والثواب، فيجعل حجه مبرورًا مقبولًا.
و