الخميس 19 سبتمبر 2024 02:21 صـ 14 ربيع أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

غزل الأحلام: حكاية من حزب النمل

في ركنٍ منسيٍّ من العالم، وعلى صفحةٍ لم تُكتب بعد، بدأت قصة حياةٍ لم تكن عابرة بل شكلت وجداني .


وُلِدتُ في يومٍ من أيام الشتاء، حيث كان البردُ يلفحُ الوجوه، لكن حرارة الحياة كانت تشقُّ طريقها إلى قلبي الصغير. نشأتُ بين دفتي كتاب، وبين سطورٍ تروي حكاياتٍ لم تُسرد بعد. كنتُ أستمع إلى أصوات الرياح تتحدث مع الأشجار، وأراقب الضوء وهو يتراقص بين الظلال، كأنني أبحثُ عن معنىً أكبر من الكلمات.

تعلّمتُ في تلك السنوات الأولى أن الحياة ليست سوى لوحةٍ من الألوان المتداخلة، كل لونٍ يحمل في طياته قصصاً لا تنتهي. أحببتُ الصمت لأنه كان يتيح لي فرصة التأمل، واكتشفتُ أن الكتابة ليست مجرد حروفٍ تُسطر على الورق، بل هي بوابةٌ إلى عوالم لا حدود لها.

كبرتُ وكبرت معي أحلامي، تطورت إلى شجرةٍ وارفة الظلال، جذورها تمتدُّ في الأرض وأغصانها تُلامس السماء. عشتُ حياةً مليئة بالتجارب، بعضها مُرٌّ كالعلقم، وبعضها حلوٌ كالسكر. لكنني دائماً ما كنتُ أجد الجمال في كل تفصيلةٍ، حتى في الحزن، لأنه علّمني معنى الفرح. ومع مرور الأيام، أدركتُ أنني لستُ مجرد سيرةٍ تُقرأ، بل قصةٌ تُحكى وتُعاد كتابتها في كل لحظة.

من خلال عملي في مجال الإعلام، كنت ألتقي بوجوهٍ عديدة، وكل وجهٍ منها كان ولادةً لحكايةٍ جديدة في حياتي. كل لقاء كان درسًا، وكل تجربةٍ كانت معلومة تُضاف إلى خبراتي. كنتُ أعود كل يوم إلى نفسي، أسترجع تفاصيل اليوم بأحداثه وكأن عيوني قد تحولت إلى كاميرات تلتقط كل لحظةٍ بدقة. أخذتُ من الجموح النفسي والعاطفي وتحولتُ إلى عاصفةٍ تنقل بذور الزهور لتُزهِرَ في أماكن جديدة.

أدركتُ من خلال عملي كمراسلة تلفزيونية ومقدمة برامج ثم صانعة افلام وثائقية ، أنني لم أكن مجرد ناقلةٍ للأخبار، بل كانت مهمتي أعمق من ذلك. كنتُ ألتقي بالناس من كل الطبقات، من أبسطهم إلى أعقدهم خطوة فوق بساط محتاج و خطوة بين بوابات قصر ، وكان هذا يزرع في داخلي إدراكاً عميقاً لمعنى الإنسانية. علّمني عملي أن أفهم فلسفة الوجود، وأن أُقدّر قيمة العمل الذي ينقل صوت الناس، يعبّر عن آلامهم، ويواسي خواطرهم. هذه الوجوه التي قابلتها يومياً والتي ما زالت تلاحقني في ذاكرتي، هي التي أعطتني معنى آخر للحياة، وجعلتني أدرك لماذا أراد الله لنا أن نخدم الآخرين ونعيش على هذه الأرض.

أنا من حزب النمل، ذلك الحزب الذي لا يعرف الكلل، والذي يسير بخطى ثابتة، يغزل بحبات الأمل برج الحلم. سأظل أواصل، رغم كل التحديات، لأنني أدركت أن القوة الحقيقية تكمن في الاستمرار، في أن نبقى، في أن نواصل غزل أحلامنا، مهما كانت العقبات. سأظل أسير في هذا الطريق، مؤمنة بأن الحياة تستحق أن نعيشها بكل حب، وأن نعطي من أنفسنا لتزهر الحياة حولنا بالخير والجمال.

وفي نهاية ، تبقى كلمة لكل قارئ يتجول بين هذه السطور. في الحياة، ستجد نفسك أحيانًا تغزل خيوطًا رفيعة من الأمل، وسط صخب الأيام وضجيج الأحداث. لا تيأس إذا بدا الغزل بطيئًا أو متعثرًا، فالقوة الحقيقية ليست في السرعة بل في الاستمرار. كن كالنملة التي تبني برج الحلم، حجراً فوق حجر، ولا تملّ. تأمل حياتك، وأعد اكتشاف قيمتها في كل يوم. فالحياة، مهما كانت معقدة أو مليئة بالتحديات، تظل تحمل بين طياتها بذور الجمال والخير، تنتظر فقط من يغرسها بحب وصبر.