الأحد 22 ديسمبر 2024 08:08 صـ 20 جمادى آخر 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

فن

رضوى رحيم تكتب : هشام عباس .. صوت الفرح وذاكرة جيل

في كل مرة نتوقف فيها لنفكر في الأسماء التي رسمت ملامح طفولتنا وشبابنا، يقفز اسم هشام عباس إلى السطح كأحد الأسماء التي تشكلت معها ملامح عصر موسيقي مختلف. لكن ما الذي جعل هشام عباس يظل حاضرًا في قلوبنا رغم تغيّر الزمن وتبدل الأجيال؟ لم يكن الأمر مجرد أغنيات راقصة أو كلمات جذابة، بل كان هناك سر أعمق يمتد إلى قلب هذا الفنان، الذي على الرغم من الشهرة، لم يتخلَّ عن براءته ولا عن جوهره الحقيقي.

صوت مثقف مجدد: مع الكابو والعمالقة

هشام عباس لم يكن مجرد مطرب قدم أغنيات ناجحة، بل كان صوتًا مثقفًا مجددًا أحدث نقلة كبيرة في الموسيقى العربية بالتعاون مع رفاق نجاحه. كانت بداياته الحقيقية مع الكابو حميد الشاعري، ذلك الموسيقي الذي قاد ثورة في الموسيقى الحديثة، ورافق هشام في العديد من النجاحات. مع الشاعري، استطاع هشام أن يقدم نموذجًا من الموسيقى الجديدة التي جمعت بين الأصالة والحداثة.

كما لا يمكن إغفال دوره مع الملحنين العمالقة مثل صلاح الشرنوبي وبهاء الدين محمد، حيث أضافوا لأغنياته لمسة خاصة جمعت بين بساطة الكلمات وعمق الألحان، ليخلق هشام من خلالها أسلوبًا فنيًا فريدًا يُطلق عليه "البساطة المعقدة". هي تلك البساطة التي تبدو سلسة للوهلة الأولى، لكنها تحمل تفاصيل معقدة غير قابلة للتقليد.

وتبقى التعاون مع العملاق عمار الشريعي، خاصة في ألحان مثل "أميرة في عابدين"، محطات لا تُنسى في مسيرته الفنية، حيث كان عمار قادرًا على إبراز جوانب جديدة من صوت هشام، جعلت منه نجمًا محبوبًا لكل فئات المجتمع.

نجم بروح الهاوي النقي

ورغم كل هذا التجديد والابتكار، بقي هشام وفيًا لعشقه الأول لنجوم الكبار الذين سبقوه. محمد منير وعلي الحجار كانوا من أكثر الفنانين الذين تأثر بهم هشام في بداياته، فقد رأى فيهم مثالًا للنجاح والإبداع الذي يطمح إليه. كان يعتبرهم قدوته الفنية، ورغم أنه أصبح واحدًا من نجوم الصف الأول في جيله، لم يفقد هشام تلك النظرة الإعجابية لهؤلاء العمالقة، محتفظًا بتواضعه وإعجابه العميق بهم.

هشام عباس وأسماء الله الحسنى: رسالة روحانية خالدة

الجانب الروحاني والديني كان دائمًا حاضرًا في حياة هشام عباس، وظهر ذلك بوضوح من خلال أغنيته الخالدة "أسماء الله الحسنى". في لحظة تجسدت فيها الروحانية والموسيقى، قدم هشام عملاً يجمع بين الجلال والبساطة، فأصبحت الأغنية نشيدًا إيمانيًا يرافق الناس في حياتهم اليومية. كانت الأغنية تفتتح بها الأفراح والمناسبات، ولكن حينما سُئل هشام عما إذا كان قد جنى أرباحًا كبيرة منها، كان رده ملهمًا وبسيطًا: "ما جنيته منها ثوابًا عظيماً أحتسبه عند الله".

بهذا الرد، كشف هشام عن نظرته العميقة للفن، فهو لا يسعى فقط إلى الشهرة أو النجاح المادي، بل إلى تقديم ما ينفع الناس ويرضي الله. الأغنية لم تكن مجرد مبادرة فنية، بل كانت خطوة جريئة لنقل الفن إلى أبعاد أسمى، حيث تمكنت من جعل عدد كبير من الشباب يحفظ أسماء الله الحسنى ويتأمل معانيها. هذا الفعل يؤكد أن هشام عباس فنان يحمل رسالة تتجاوز حدود الموسيقى.

هشام عباس: جوة عيوني

ورغم انشغالاته المهنية ونجاحاته، ظل هشام عباس شخصًا عائليًا بكل معنى الكلمة. إن علاقته بأولاده وزوجته كانت دائمًا مصدر قوة له، وظلت أسرته جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية. في منزل هشام، لا يُسمع فقط صدى الأغاني، بل يملأه أيضًا صوت الحب والدفء الذي يجمعه بأسرته. هو الأب والزوج الذي يضع أسرته دائمًا في المقدمة، مستعدًا للتضحية بكل شيء من أجل سعادتهم واستقرارهم.

لقد اتخذ هشام في حياته العائلية نفس النهج الذي اتبعه في مسيرته الفنية: الهدوء، التفاني، والوفاء. وفي وقتٍ تخلّى فيه عن الكثير من المشاريع الفنية ليكون قريبًا من أبنائه وزوجته، أثبت هشام أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بعدد الأغاني التي يصدرها، بل بعلاقاته مع من حوله، وخصوصًا عائلته.

الجمهور : فينه حبيبي فينه

هذا العام شهد عودة هشام عباس إلى الساحة الفنية بحفلات ناجحة احتشدت الجماهير لحضورها. لقد كانت هذه الحفلات أكثر من مجرد عودة فنية؛ كانت رسالة حب صادقة من الجمهور لهشام، تقول: "عد لنا، فمكانك ينتظرك". كانت تلك اللحظات تعبيرًا عن الشوق والحنين لصوت رافق أجيالاً، ولحضور فني لم يفقد بريقه رغم مرور الزمن.

من بين عيون الناس ، هشام عباس

في عيد ميلادك يا هشام، نحتفل ليس فقط بفنان قدم لنا العديد من الأغاني التي أثرت في حياتنا، بل نحتفل بإنسان يحمل في قلبه الحب، في صوته الفرح، وفي عينيه البراءة. أنت ذلك الفنان الذي بقي قريبًا من قلوبنا، لم تفقد أبداً روحك الطفولية، ولم تتخلَّ عن قيمك وإنسانيتك. في كل أغنية قدمتها، كنت تخبرنا شيئًا عن نفسك، وكنت تفتح لنا أبوابًا إلى عوالم من المشاعر الحقيقية.

كل عام وأنت أصيل و راضي و جميل ، كل عام وأنت ذلك النجم الذي يضيء سماء الفن، وذلك الأب والزوج الذي يمثل قدوة لنا جميعًا. ننتظر منك المزيد من الأعمال التي تأسر قلوبنا، فمكانك في القلوب لا يزال محفوظا.

هشام عباس المطرب هشام عباس