من التاريخ.. جدار برلين
- أحمد صوانفي الثالث عشر من أغسطس عام 1961 بدأ بناء جدار برلين الطويل، ليفصل بعد اكتماله في التاسع من نوفمبر 1989 شطري برلين الشرقي والغربي والمناطق المحيطة في ألمانيا الشرقية، بغرض تحجيم المرور بين عاصمتي البلد الذي مزقته الحرب العالمية الثانية.
بعد انتهاء الحرب عام 1945، قُسّمِت ألمانيا إلى أربعة مناطق محتلة بحسب اتفاقية "يالطة"، كانت الدول المحتلة هي الولايات المتحدة ، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكانت هذه الدول المتحكمة والمديرة للمناطق المحتلة من ألمانيا؛ وتبعاً لذلك، قُسّمِت العاصمة السابقة للرايخ الألماني إلى أربعة مناطق أيضاً، وفي ذات الحقبة بدأت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي الشرقي والغرب الرأسمالي، ومثّلت برلين مسرحاً للمعارك الاستخباراتية بينهما.
في عام 1949 بعد قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية "ألمانيا الغربية" في المناطق المحتلة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وقيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية "ألمانيا الشرقية" بعد ذلك في المنطقة المحتلة من قبل السوفييت، بدأ العمل على قدم وساق على حدود كلا البلدين لتأمينها، وبقيام كيانين، دَعم التقسيم السياسي لألمانيا، وبين الألمانيتين، وضع بشكل أولي شرطة وحرس الحدود، ولاحقاً على الطرف الشرقي بدء وضع الأسيجة.
رسمياً كانت برلين المُقسّمة أربعة أقسام منطقة خالية من العسكريين، وكانت مستقلة عن الدولتين الجديدتين، ولكن عملياً لم يكن الحال كذلك، فالمناطق الغربية من برلين أصبحت أقرب إلى كونها ولاية ألمانية غربية، وخلافاً للمعاهدات أُعلِنت برلين الشرقية عاصمة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية.
مع زيادة حِدّة الحرب الباردة صارت هناك قيود على الحركة التجارية مع المعسكر الشرقي، وخلقت معارك ديبلوماسية صغيرة مستمرة، بالإضافة لسباق في التسلح، حيث بدأ أيضاً تعزيز الحدود؛ ولكن حدود ألمانيا الديمقراطية لم تعد حدود بين أقسام ألمانيا، بل أصبحت الحدود بين المعسكرين الشرقي والغربي، أو بين حلف وارسو وحلف الناتو، وهما أيدولوجيتين سياسيتين مختلفتين، وقطبين اقتصاديين وثقافيين كبيرين.
منذ تأسيس ألمانيا الاشتراكية، بدأ انتقال أعداد متزايدة من مواطنيها إلى ألمانيا الغربية، وعلى وجه الخصوص عبر برلين، والتي كانت من شبه المستحيل مراقبة الحدود فيها، حيث كانت الحدود تمر في وسط المدينة وأحيائها؛ وبين عامي 1949 إلى 1961 ترك قرابة 3 ملايين ألماني ألمانيا الاشتراكية، وحيث أنهم كانوا في معظم الأحيان من الفئة المتعلمة، هدد ذلك القدرة الاقتصادية لألمانيا الشرقية، وهدد كيان الدولة ككل. وكان جدار برلين بذلك الوسيلة لمنع هذه الهجرة، وقبل بناء الجدار كانت القوات الألمانية الشرقية تراقب وتفحص التحركات على الطرق المؤدية إلى غرب برلين بحثاً عن اللاجئين والمهربين؛ وكان الكثير من سكان برلين الغربية والشرقيين العاملين في برلين الغربية قد حصلوا بتبادل العملة في السوق السوداء على ميزة الحصول على المواد الأساسية بأسعار مغرية وقلة شرائهم للكماليات العالية القيمة من الشرق، الأمر الذي كان يضعف الاقتصاد في برلين الشرقية أكثر فأكثر.
في التاسع من نوفمبر من عام 1989، وبعد أكثر من 28 عاماً على بنائهِ الذي أعتبر تقسيم لمدينة وتقسيم لشعب، أعلن جونتر شابوفسكي -الناطق الرسمي وسكرتير اللجنة المركزية لخلية وسائل الإعلام وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الألماني- أن قيود التنقل بين الألمانيتين قد رفعت عن طريق الخطأ أثناء حوار إعلامي؛ إذ لم يكن متثبتاً من توقيت الإعلان، ممّا تسبب في فوضى عارمة أمام نقاط العبور في الجدار، فتوجهت أعداد كبيرة من الألمان الشرقيين عبر الحدود المفتوحة إلى برلين الغربية، واعتبر هذا اليوم يوم سقوط جدار برلين.