ه. ج. ويلز.. تجربة في التنبؤ
- أحمد صواناستقرت كتابات الإنجليزي هربرت جورج ويلز في قمة كتابات أدب الخيال العلمي، الذي يُعتبر واحدًا من مؤسسيه في تلك الفترة في نهايات القرن التاسع عشر؛ ورغم بروز مواطنه ومُعاصره جول فيرن في النوع الأدبي نفسه، لكنه اختلف عنه في أن رواياته حملت انتقادات اجتماعية هادفة ولم يكتف بسرد المغامرات؛ وجاءت بعض رواياته كنبوءة للبشرية، فقد توقع بمقاييس عصره أن البشر سيستطيعون الصعود إلى القمر وصنع القنبلة الذرية.
شهدت مقاطعة كنت في إنجلترا في 21 سبتمبر 1866 ميلاد هربرت الطفل الذي كان الابن الأصغر لعائلة من الطبقة الوسطى، ولم يكمل تعليمه المدرسي واضطر للعمل مساعدًا لتاجر أقمشة بعد إفلاس والده.
رغم هذه الظروف بدأ ويلز دراسته في مدرسة ميدهيرست، وحصل على منحة تعليمية في مدرسة العلوم في العاصمة لندن، ليدرس علم الأحياء ويشترك في حلقات علمية وكتب في مجلة الجامعة العلمية؛ وبعد ذلك بدأ يهتم بالإصلاحات الاجتماعية، ومال نحو الأفكار الاشتراكية، ومع الوقت فقد اهتمامه بالدراسة وترك التعليم.
استقر ويلز في عاصمة الضباب في عام 1891 وتزوج ابنة عمه إيزابيل، وعمل في التدريس حتى عام 1893 وبعدها قرر أن يتفرّغ كليّا للكتابة، وترك زوجته من أجل إحدى طالباته، التي تزوجها، لكنه لم يكن زوجًا مخلصًا، وكانت له عدة علاقات غرامية.
نشرت ويلز روايته الأولى "آلة الزمن" عام 1895، وقد حظيت بنجاح كبير، فنشر روايته الثانية في العام التالي "جزيرة الدكتور مورو" عن عالم مجنون يحول الحيوانات إلى كائنات بشرية، وأعقبها بـ" الرجل الخفي" عن عالم ينجح بإخفاء نفسه، ثُم "حرب العوالم" عن غزو كائنات من المريخ للأرض، وكانت روايته "أول رجال على سطح القمر" نبوءة في أساليب ريادة الفضاء؛ وكتب كذلك روايات بعيدة عن الخيال العلمي مثل "الحب والسيد لويشام"، و"كيبس"، كما نشر كتابه "توقعات" عام 1901 الذي كان ينشر حلقاته مُسلسلة في إحدى المجلات تحت عنوان "تجربة في التنبؤ"، وحاول فيه التنبؤ بوضع العالم عام 2000 ونجحت توقعاته في بعض الأحداث مثل تطور السيارات والقطارات، انحلال القيود الاجتماعية على العلاقات الجنسية، فشل العسكرية الألمانية ونشوء الاتحاد الأوربي.
رغم كل هذا جانب العبقري الإنجليزي التوفيق في أشياء أخرى، مثل اعتقاده أن الإنسان لن ينجح بالطيران حتى خمسينات القرن العشرين، واستحالة نجاح الغواصات؛ وعام 1909 نشر روايته "آن فيرونيكا" التي أثارت ضجة كبيرة بسبب آرائها، وبسبب تشابه اسمها باسم أمبر ريفز، بينما دارت شائعات بأن ويلز أقام معها علاقة غرامية، وقيل أن الرواية تفسد الجيل الشاب.
انضم ويلز إلى الجمعية الفابية في لندن، لكنه سرعان ما اختلف مع قادتها ومنهم برنارد شو، وقد كانت لتجربته أثرًا في كتابه "مكيافيللي الجديد" الذي وصف فيه أعضاء الجمعية المعروفين، وكتب "العالم يتحرر" الذي حذر فيه من مخاطر الحروب، وتنبأ فيه بالحرب العالمية الوشيكة، كما ذكر في الكتاب إمكانية بناء قنبلة ذرية يمكنها محو مدينة كاملة، ورغم أن المبادئ العلمية التي ذكرها لم تكن صحيحة لكن بعض العلماء الذين عكفوا على تطوير القنبلة الذرية قالوا أنهم استمدوا الفكرة من كتاب ويلز هذا؛ وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى نشر "موجز تاريخ العالم" في مجلدين ليُصبح من أول من كتب التاريخ الموجهة إلى عامة الشعب، لكن الكتاب واجه العديد من الانتقادات من مؤرخين محترفين، كما نشر "علوم الحياة" في 9 مجلدات وشارك بكتابته جوليان هكسلي وجورج فيليب ويلز، وأعقبه بـ"محاولات في السيرة الذاتية" عام 1934؛ واستمر في كتاباته حتى رحل عن عالمنا في 13 أغسطس 1946.