السبت 5 أكتوبر 2024 01:32 مـ 1 ربيع آخر 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

الدكتور إبراهيم محرم من علماء وزارة الأوقاف

احذروا هجمة تحريف القرآن الكريم


إن الله تعالى جعل كتابه مُعجِزا لا يقربه التحريف، ولا التبديل؛ لأن الله-تعالى- بنفسه تكفل حفظه، فقال:{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وبنون العظمة التي تفيدالعلو، والكبرياء، وقوة القهر على من تسول له نفسه أن يبدل في كلام الله -جل، وعز-، ومن أضرب حفظه كما أورد الفخر الرازي:{إذا قُلْنا: الكِنايَةُ عائِدَةٌ إلى القُرْآنِ فاخْتَلَفُوا في أنَّهُ تَعالى كَيْفَ يَحْفَظُ القُرْآنَ ؟ قالَ بَعْضُهم: حَفِظَهُ بِأنْ جَعَلَهُ مُعْجِزًا مُبايِنًا لِكَلامِ البَشَرِ فَعَجَزَ الخَلْقُ عَنِ الزِّيادَةِ فِيهِ والنُّقْصانِ عَنْهُ؛ لِأنَّهم لَوْ زادُوا فِيهِ أوْ نَقَصُوا عَنْهُ لَتَغَيَّرَ نَظْمُ القُرْآنِ فَيَظْهَرُ لِكُلِّ العُقَلاءِ أنَّ هَذا لَيْسَ مِنَ القُرْآنِ فَصارَ كَوْنُهُ مُعْجِزًا كَإحاطَةِ السُّورِ بِالمَدِينَةِ لِأنَّهُ يُحَصِّنُها ويَحْفَظُها، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ تَعالى صانَهُ وحَفِظَهُ مِن أنْ يَقْدِرَ أحَدٌ مِنَ الخَلْقِ عَلى مُعارَضَتِهِ، وقالَ آخَرُونَ: أعْجَزَ الخَلْقَ عَنْ إبْطالِهِ وإفْسادِهِ بِأنْ قَيَّضَ جَماعَةً يَحْفَظُونَهُ ويَدْرُسُونَهُ ويُشْهِرُونَهُ فِيما بَيْنَ الخَلْقِ إلى آخِرِ بَقاءِ التَّكْلِيفِ، وقالَ آخَرُونَ: المُرادُ بِالحِفْظِ هو أنَّ أحَدًا لَوْ حاوَلَ تَغْيِيرَهُ بِحَرْفٍ أوْ نُقْطَةٍ لَقالَ لَهُ أهْلُ الدُّنْيا: هَذا كَذِبٌ وتَغْيِيرٌ لِكَلامِ اللَّهِ تَعالى حَتّى إنَّ الشَّيْخَ المَهِيبَ لَوِ اتَّفَقَ لَهُ لَحْنٌ أوْ هَفْوَةٌ في حَرْفٍ مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى لَقالَ لَهُ كُلُّ الصِّبْيانِ: أخْطَأْتَ أيُّها الشَّيْخُ وصَوابُهُ كَذا وكَذا، فَهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ اه‍. قلت:وكل هذه الأوجه حاصلة، وأزيدك حفظ إيمان قارئ القرآن، بل وزيادته من الله تعالى- قال الله تعالى-{فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}، ثم لقد شهد الله -تعالى- لكلامه بنفسه إذ يقول:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه}، وقد أمّن أتباعه بضمان صيانته، إذ يقول-سبحانه-:{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، ولذا كان الصحابة أشد دقة، فمن تبعهم في نقل القرآن الكريم عذبا مسلسلا، فلم يزيدوا حرفا، ولم ينقصوا آخر، بل اجتهد العلماء في بيان إعجاز أسرار الحروف في كلام الله-جل وعز، كما بينوا لنا الناسخ، والمنسوخ، وعلة النسخ، والمتواتر، والشاذ من قراءاته بدقة منقطعة النظير. وقد اشترط أهل العلم لحافظ القرآن اتصال السند، وموافقة وجه من أوجه النحو، كذا ضرورة اتباع الرسم ولو احتمالا، وتلك أركان تلاوته على ما بينه ابن الجزري رحمه الله تعالى-، وسبحان الله العظيم! شرط القرآن التلقي، وعدم العجلة عليه إلا بعد العلم، قال-تعالى- لحبيبه-صلى الله عليه وسلم-:{ وإنك لتلقى القرآن}، كما نهاه أن يعجل به قبل الوقت، قال تعالى:{ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه}، وذلك مع ضرورة اتباع الشيخ الملقن مع تقليده دون نقص لحركة أو زيادة، قال تعالى:{ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}. إن الله- تعالى- كفل القرآن ضمانا أن يحرف عن مواضعه، أو من بعد مواضعه دون غيره من الكتب كالتوراة، قال الرازي : ذكر الله تعالى ههنا: عن مواضعه وفي المائدة: من بعد مواضعه والفرق: أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة فههنا قوله: يحرفون الكلم من بعد مواضعه معناه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب، وأما الآية المذكورة في سورة المائدة فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب، فقوله: يحرفون الكلم إشارة إلى التأويل الباطل، وقوله: من بعد مواضعه إشارة إلى إخراجه عن الكتاب."اه‍، وقد حاول أعداء الإسلام تحريف القرآن أكثر من مرة فعجزوا، وفي الآونة الأخيرة في محاولة يائسة أدخلوا المعازف على القرآن؛ ليشقوا عصا المسلمين، وينالوا من هيبة القرآن، وأولئك في تصوري يتحقق فيهم الأثر القائل:" رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه". نعم، أجاز بعض المتأخرين قراءة القرآن بالمقامات الموسيقية لكن دون عزف، ثم تُراعى أحكام التلاوة، على أن تتحكم الأحكام في المقامات، لا العكس!. إنه كلام الله العزيز المنفرد بكل إعجاز، قال تعالى:{ وإنه لكتاب عزيز}، وقد خبر الفقهاء أنه من تعمد زيادة حرف، أو نقصانه، أو شيئا في كتاب الله فقد كفر؛ لأنه من الباطل، والكذب على الله تعالى, ورسوله-صلى الله عليه وسلم- قال القاضي عياض رحمه الله :
" أَجْمَع الْمُسْلِمُون أَنّ الْقُرْآن الْمَتْلُوّ فِي جَمِيع أَقْطَار الأَرْض الْمَكْتُوب فِي الْمُصْحَف بِأَيْدِي الْمُسْلِمِين مِمَّا جَمَعَه الدَّفَّتَان من أَوَّل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين ) إِلَى آخِر ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنَّه كَلَام اللَّه وَوَحْيُه المُنَزَّل عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم ، وَأَنّ جَمِيع مَا فِيه حَقّ ، وَأَنّ من نَقَص مِنْه حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِك أَو بَدَّلَه بِحَرْف آخَر مَكَانَه أَو زَاد فِيه حَرْفًا مِمَّا لَم يَشْتَمِل عَلَيْه المُصْحَف الَّذِي وَقَع الإِجْمَاع عَلَيْه وأُجْمِع عَلَى أَنَّه لَيْس مِن الْقُرْآن عَامِدًا لِكُلّ هَذَا : أَنَّه كَافِر " .
انتهى من"الشفا" (2/ 304-305) ، وينظر : "التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج (2/ 215) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (35/ 214) : " الْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ الْمُعْجِزُ الْمُنَزَّل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْقُول بِالتَّوَاتُرِ، فَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ اللَّحْنِ فِيهِ ، سَوَاءٌ أَغَيَّرَ الْمَعْنَى أَمْ لَمْ يُغَيِّرْ ؛ لأِنَّ أَلْفَاظَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ نُقِلَتْ إِلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ ، فَلاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُ لَفْظٍ مِنْهُ بِتَغْيِيرِ الإْعْرَابِ أَوْ بِتَغْيِيرِ حُرُوفِهِ بِوَضَعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ " انتهى، قلت: وقد حافظ العلماء عليه من اللحنين الجلي، والخفي، الجلي بتبديل الحروف، وقالوا: إن من فعلها عالما متعمدا قاصدا فقد كفر، أما إن فعلها جاهلا يبغي التعلم فلا إثم عليه، ويمتدح لقصده التعلم إذ إن الأعمال بمقاصدها، وكذلك اللحن الخفي من فعله جاهلا عذر بجهله على أن يتعلم، وإلا فلا، ولذا فإنني أهيب بالذين يكتسبون من وراء القرآن الكريم، فيحفظونه مع فقد حفظه، وإتقانه، وأنهم أمام الله مسؤولون، فليتقوا الله، ولا يفعلوا، وعلى جميع الناس التصدي لأمثال هؤلاء حتى يعمل كل في تخصصه، ويجتهد كل في مضماره.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل في كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بجاه جدنا المصطفى-صلى الله عليه وسلم.

احذروا هجمة تحريف القرآن.