الأنفوميديا ورهاب الاسطوغرافيا الالكترونية دراسة لفتحي العفيفي
د. فتحي العفيفيفي دراسة جديدة للبروفيسور فتحي العفيفي الاستاذ بكلية الدراسات الآسيوية العليا جامعة الزقازيق عن : ( الاسطوغرافيا وكرونولوجيا الأمن القومي- الفيوداليه الدينيه في الدراما التاريخيه - الكوجيتو في المنهج الفينومينولوجي)، عمد فيها إلى التأكيد على أهمية الدراما التاريخيه في إعادة تشكيل الوعي ، وصياغة عقل جمعي يؤمن بقداسة الوطن والأمن القومي للبلاد ، واتخذنا من مسلسل( الإختيار ) نموذجا في مواجهة إرهاب جماعات اتخذت من الدين وسيلة، وذريعة للسيطرة على المجتمع بأسم الولاء والطاعة العمياء ، في إعادة واضحه لأنماط القروسطيه الفيوداليه في الشرق، والغرب ، وهذه الماده العلميه يتم مراجعتها من أستاذ متخصص في التاريخ الحديث والمعاصر، كما تخضع لرقابة الجمعية المصرية للدراسات التاريخيه ، وهذا اللون من المعرفه لا تثريب عليه ،ولا غضاضة في متابعته، ولكن في دول الخليج العربيه ، حيث المنع التام للدراما التاريخيه بمفهومها السياسي المعاصر، وعدم وجود خبرات في هذا المجال، تم اللجوء إلى البرامج التي تدعي أنها تحكي تاريخا، وسياسة من مصادرهما، أي الأشخاص المشاركين،والمعايشين، المعاصرين للأحداث، وكان التأسيس لهذه الظاهره قد تم عبر قناتي الجزيره القطريه، والعربيه السعوديه، في رهاب فكري متبادل ،ثم تم التوسع عبر قنوات فضائيه أخرى ، والعديد من النوافذ ، والمنصات الإلكترونيه، ما استدعى ضرورة التنبيه إلى خطورة تنامي هذه الظاهره على السلم الإجتماعي، وعلى العلاقات بين الدول.
" اعلم أن فن التاريخ، فن عزيز المذهب ، جم الفوائد، شريف الغايه...". مقولات سطرها ابن خلدون في مقدمته الشهيره عن جدوى الدراسات التاريخيه، ووافقه السخاوي في كتابه : (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ)، وهناك مدارس عديده لدى أهل الغرب والشرق تتحدث عن طرق الكتابه العلميه للتاريخ ، ومناهجه، وقد نجحت الجماعه العلميه المصريه لهذا التخصص،في التأثير ، والفاعليه، والتأسيس لهذا العلم ،في العديد من الدول العربية، وبخاصة منطقة الخليج العربي ، وعرفت جماعة أهل التاريخ قامات من أمثال: ( محمد شفيق غربال- محمد أنيس- أحمد عزت عبد الكريم- جمال زكريا قاسم- سعيد عبد الفتاح عاشور- قاسم عبده قاسم - حسن عثمان- حسين مؤنس- جلال يحيى....الخ) ،، وقد اجتهد هؤلاء وغيرهم في وضع الأصول العلميه للتحليل، وللتحقيق والنقد، والكتابه الموضوعيه للأحداث، والوقائع، وأحوال العمران ،وصار هذا النهج قائما لأكثر من قرن ، حتى عرفت البشريه التكنولوجيا الحديثه، ومثل أي مهنة تخشى على نفسها من الانقراض، تأهب العلميون في كافة التخصصات إلى ضرورة البحث عن السبل التي تكفل بقاء الحرفه، والمهنه، ومقاومة هجوم الثوره المعلوماتيه الإليكترونيه على العلم بالانخراط فيها بهدف تطوير المهنه والعلم في أن معا...!!!
يعيش العالم عصر الذكاء الإصطناعي، والرقمنه، والمعلوماتية، والحداثه السائله، عبر ثورتا: الأنفوميديا، والهايبرميديا ، وتواجه العديد من المهن، والحرف، والوظائف المرموقة تحديات جسام، لأن القائمين عليها في غالبيتهم ليسوا من أبناء المرحله ، وينتمون بثقافاتهم ، وتقاليدهم العلميه إلى هيراركيات تاريخيه، تحاكي الأزمان التي عايشوها، ومن ثم تواجه مهنة المؤرخ العلمي الأكاديمي على نحو خاص أزمة عنيفه، وغير مسبوقه نجليها في الوقائع التاليه:-
أولا: جاء بداية التأريخ الإليكتروني مع إنشاء قناة الجزيره القطريه في العام ١٩٩٦م كرد فعل انتقامي على ما اعتبرته الدوحه ضلوع عواصم خليجيه ، وعربيه في محاولة الانقلاب على حكم الشيخ حمد بن خليفه أل ثاني، بهدف إعادة والده الشيخ خليفه للحكم، واستخدمت شاره، وشعار راديكالي بإمتياز ،وهو إلقاء حجر ثقيل في الماء الراكد ،وتحريك ثبات واستقرار الخليج ، ومصطلح ،ومفهوم: ( الرأي والرأي الآخر ) فردت السعوديه على ذلك ب :(قناة العربيه) مستخدمة رمزية العيون الساهره على أمن الجزيرة ضد المخططات، فيما ألقت الولايات المتحده بكلمتها الإعلامية عبر توجيه قناه للمنطقه تعبر عنها اسمتها :(قناة الحره) ، ورمزية الخيول التي يفتح لها أبواب الحريه لتنطلق إلى شاطئ ومياه الخليج لتتنسم عبير الحريه فأصبحت المنطقه تدور في فلك : ( الجزيره- العربيه - الحره)...!!!
ثانيا:- أنتجت قناة الجزيره فيلما تحت عنوان :( قطر 96) اعتبرته توثيق لمحاولة إعادة الشيخ خليفه للحكم( الانقلاب على الانقلاب ) أو ( تصحيح التصحيح ) وأطلق فيه العنان لبعض المشاركين في الأحداث ليقولوا روايتهم بما يخدم وجهة النظر الرسميه للدوله القطريه، ومن جملة ما قيل على لسان هؤلاء أن الشيخ خليفه قال:( أنه يخشى من أن السعوديه إذا دخلت قطر ضمن قوات درع الجزيرة ألا تخرج منها مرة أخرى) ...!!!، ولم تعرض أية روايه رسميه أو مستقله من الدول التي أعتبرتها قطر ضالعه في الأحداث....!!!،
فردت قناة العربيه بفيلم توثيقي أيضا تحت عنوان : ( أبناء الدوحه) تنتقد فيه سحب الجنسيه من بعض الأسر التابعه لأل مره، والهواجر، وال غفران بدعوى أنهم مزدوجي الجنسيه في غياب تام أيضا طيلة البرنامج لمن يمثل وجهة النظر القطريه في موضوع سحب الجنسيه...!!!
ثالثا:- أنفجرت بعد ذلك سلاسل الإمداد للقنوات الفضائيه، بالتأريخ الإليكتروني، وبرامج وسائل التواصل الاجتماعي، عبر منصات اليوتيوب ، والفيس بوك، وغيرها كل يدعي وحده انه يمتلك الحقيقه ، ناصية الكلمه ، وفصل الخطاب ، وفي كل ذلك رده تاريخيه عن الكتابه العلميه الموضوعيه السليمه ، حيث لا توثيق ، ولا احالات مرجعية موزونه، ولا ضمانه للمعلومه المذاعه، خلا الخطاب التاريخي المعتاد من فاعلية أدواته، ومناهجه، وأساليبه، وتحليلاته النقديه، وأصبح الأمر من الخطورة بمكان لأن ما يذاع يؤثر حكما في العقل الجمعي العام ، وغالبيته لا يقرأ، ولا يملك رفاهية الوقت للتمحيص، والتدقيق في الماده المعلنه، التي يعاد نشرها عبر العديد من المواقع والتي لا تعد تاريخا بحال من الأحوال ، ولا يتوقف الأمر على روايات التأريخ الأني للأحداث ،بل انتشرت ظاهرة إستضافة أشخاص مثيرون للجدل، بهدف استقطاب أكبر نسبة مشاهده ،ليؤرخوا للدول، وما هم بمؤرخين، تحت زعم الشهاده على العصر ،فيطلق لنفسه العنان في الحكي، ويثير حكواتي أكثر منه فاعل في التاريخ...!!!
رابعا: التاريخ الإليكتروني ترك مستباحا ومهدورا دمه ، وألقي به على قارعة الطريق لكل من هب ودب ليقول ما يشاء، وقت ما يشاء، وكيف ما شاء، إلى الحد الذي أهدرت فيه القيم ، والعادات والتقاليد العريقه من الإحترام، والتبجيل، والإلتزام الأخلاقي عندما سمحت الحكومات للجيوش السيبرانيه بتبادل الملاسنات ، والتراشق بالألفاظ غير المقبوله في هذه الحروب الإليكترونية، وكانت بعض الدول تتفاخر بخروج البعض من مسؤوليها عن التقاليد الدبلوماسيه والتجرؤ على بعض الدول وحكامها مثلما كان يفعله وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وكان سببا من اسباب التغذية الدائمه للتوترات، والانفعالات بين بلاده وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، إتجاه قاد الجميع إلى الانسداد في الأفق الذي أفضى في النهايه إلى أزمة سحب السفراء من الدوحه، ما يشي بأن التأريخ الإليكتروني بهذه العشوائيه المفرطه لا يرتب لأي استقرار ،ويجب وقف هذا الهدر المتعمد للعلاقات بين الدول....!!!
خامسا:- جناية التأريخ الإليكتروني الإجهاز عمليا على مجلس التعاون الخليجي.
فالمجلس الذي أنشئ عام ١٩٨١م بهدف مقاومة الأطماع والتهديدات الأتيه من دول الجوار ، وبخاصة إيران، والعراق ، وقد فشل في إعتماد عمله خليجيه موحده للتفاوتات الإقتصادية بين دوله، ونجح في المقابل عن طريق التحالف الدولي في إخراج العراق من الكويت ١٩٩١م ، كما حافظ على الدأب والتأكيد على عروبة جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى ، والصغرى، وأبو موسى، ودحر التمرد والإرهاب في دوار اللؤلؤه في البحرين عن طريق قوات درع الجزيرة ، فيما عدا ذلك نالت الحروب السيبرانيه بين دوله من عزيمة المجلس وفاعليته، وعجز عن وقف التمادي في الانزلاق ،وقد تم شحن النفوس بالعداء بين الحكومات، والشعوب، ولا يكاد يعرف من المجلس إلا أسمه حتى أمينه العام لم يعد يعرفه أحد إلا من الباحثين المتخصصين ، فالتاريخ الإليكتروني عبر النوافذ المختلفه قد استأثر بالإثارة، والتشويق ، والمتابعه، بعيدا عن صناع القرار، ونظريات السياسه، وفاعليها ، وقد دخل المهمشون إلى المركز ، فيما الأحداث الواقعية قد ألقي بها بعيدا عن الواجهه ، والمتابعه....!!!
سادسا:- مهنة المؤرخ في عصر الذكاء الإصطناعي قد أصبحت أكثر صعوبة من ذي قبل ففي الماضي كان طريقه المنهجي واضحا لا لبس فيه جليا لا غموضا يعتريه ،ولكن في الزمن الرقمي صار لزاما عليه أن يتعامل بحرفية، ونزاهة ، وتجرد مع الإشكاليات التاليه:-
- تفنيد مزاعم غوغائيو التأريخ، فقد أصبحت الأحداث ماده سائله امام صناع المحتوى على كافة الصعد ،وعلى المؤرخ المحترف عدم ترك الساحه لهؤلاء لأن يفرضوا كلمتهم في التاريخ، والترفع عن ملاحقتهم يعد تقصيرا في أداء الواجب.
- المنصات،والمواقع الإلكترونية التي تخصصت في إعداد الفهارس ،والاقتباسات، بل وكتابة الأبحاث نظير مبالغ مالية لهذه المنصات ، يجب ان يكون هناك ندوات،ومؤتمرات، واوراق عمل للبحث عن سبل للتصدي لهذه الكتابه التأريخيه الإليكترونية المزيفه، والمغشوشه، والا أخلاقيه.
- - ألا يركن المؤرخ إلى مقولة: ( أن هذا ليس تاريخا ) فقد صار الاستسهال أسلوبا لدى البعض من باحثي الماجستير والدكتوراه، ويعدون مثل هذه البرامج التاريخيه الإليكترونية مرجعا ، بما فيها من وجهة نظر أحاديه، وعلى المؤرخ المصقول بالتجربه أن يرفض مثل هذه الاحالات غير العلميه...!!!
- - تحرير البيئة المنهجيه للعلم التاريخي ،والقبول بالعلوم ،والوسائل الجديده ، وتعزيز الكتابه بالذكاء الإصطناعي لا يعني أن تزحف الظاهره على كل الأصل ،أو تنال من قداسة المهنه، العلم يستوعب و لا يستوعب...
-
سابعا:- علم التاريخ لا يجافي التطور ،وليس في حالة اشتباك مع الثوره المعلوماتيه، والدفق التكنولوجي الهادر، بل على العكس ثمة كتابات عديده تؤكد على ان البحث عن المعلومه من المصادر، والمراجع الثقات ، والأراشيف والمكتبات العالميه ، قد صار أيسر من السابق ،ومحركات البودكاست ، وغيرها من الخوارزميات، وصناعة البرادايمات، والخرائط الذهنية للموضوع المبحوث، كل ذلك ، وغيره قد جعل من الكتابات التاريخيه أمرا أكثر جاذبيه، لكن لا تترك لغير المتخصصين، من رواة التاريخ عبر النوافذ الإليكترونية، أو حتى حكاء الروبوت المعبر عن لسان التكنولوجيا، لأنه سيكون تاريخ مبتسر، ومشوه ، ويضرب العلميه التاريخيه في سويداء القلب.
إن ظاهرة الردح الإعلامي، والتراشق ، والملاسنه التي ابتدعتها قناة الجزيره عبر ب برامجها: ( الإتجاه المعاكس- فوق السلطه- شاهد على العصر- ما خفي كان أعظم ....الخ) ثم برامج (التلقيح ) مثل: ( قطر 96 )، و ( أين الجثه؟!!) في موضوع الصحفي السعودي جمال خاشقجي ،ثم ردت قناة العربيه المملوكة لرجال اعمال سعوديين، ببرامج مماثله : ( أبناء الدوحه)، و (قطر بلد الانقلابات) وغيرها ، كل ذلك لا يعد تاريخا ،فالتاريخ في كل هذه الأحداث لم يكتب بعد.....!!!