الجمعة 22 نوفمبر 2024 08:08 مـ 20 جمادى أول 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

ثقافة

من التاريخ.. أيلول الأسود

تظل أحداث أيلول الأسود عام 1970 ماثلة في الأذهان كفترة مليئة بالأحداث المؤسفة، بعدما اعتبرت الحكومة الأردنية أن تصرفات بعض المجموعات الفلسطينية تشكل تهديداً للحكم الهاشمي في الأردن.

كان إعلان حالة الطوارئ وتحرك الجيش الأردني بناءً على تعليمات الملك حسين ومستشاريه العسكريين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية في الأردن قد جاء في وقت لم تكن العلاقات بين الملك حسين والرئيس الراحل جمال عبد الناصر جيدة، ما أعطى منظمة التحرير الفلسطينية قوة دافعة داخل الأردن، مردها أن قيادة المنظمات الفلسطينية كانت متأكدة من أن الأنظمة العربية سوف تتدخل لمصلحة المنظمات الفلسطينية في حال نشوب أي صراع مع الجيش الأردني.

وتعود جذور الأزمة إلى ما بعد معركة الكرامة عام 1968؛ حيث كان هناك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية في الفترة ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969؛ وأصبحت أعمال العنف والقتل تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تعرف عمان في وسائل الإعلام العربية بـ"هانوي العرب".

وزار الملك حسين الرئيس عبد الناصر في فبراير عام 1970 وبعد عودته أصدر مجلس الوزراء الأردني في 10 فبراير 1970 قراراً بشأن اتخاذ إجراءات تكفل قيام "مجتمع موحد ومنظم"، وكان مما جاء فيه أن ميدان النضال لا يكون مأموناً وسليماً إلا إذا حماه مجتمع موحد منظم يحكمه القانون ويسيره النظام؛ وحاول التخفيف من حدة التشنج لدى الجيش الأردني الذي قام عدة مرات بالهجوم على قواعد فصائل فلسطينية نتيجة لرد الفعل عن هجمات للمنظمات أوقعت قتلى في صفوف الجيش، وذلك بتعيين وزراء مقربين إلى القيادات الفلسطينية إلا أن ذلك لم يفيد.

في 11 فبراير وقعت مصادمات بين قوات الأمن الأردنية والمجموعات الفلسطينية في شوارع وسط عمان مما أدى إلى سقوط 300 قتيل معظمهم مدنيين، وفي محاولته منع خروج دوامة العنف عن السيطرة قام الملك بالإعلان قائلاً "نحن كلنا فدائيون" وأعفى وزير الداخلية من منصبه، إلا أن جهوده باءت بالفشل.

في يونيو قبلت مصر والأردن "اتفاقية روجرز" والتي نادت بوقف لإطلاق النار في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبالانسحاب الإسرائيلي من مناطق احتلت عام 1969، وذلك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، بينما رفضت سوريا ومنظمة التحرير والعراق الخطة، وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش "إن تحرير فلسطين يبدأ من عمان وبقية العواصم الرجعية"؛ وشاركت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل في "تقويض نظام الملك حسين الموالي للغرب" حسب قولهم.

اتهم البعض الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للراديكاليين برغبته في السيطرة على الحكم في الأردن؛ وفي 9 يونيو نجا الملك حسين من محاولة فاشلة لاغتياله أثناء مرور موكبه في منطقة صويلح، ومحاولة فاشلة أخرى بوسط عمان، حيث قام قناص كان مختبئاً على مئذنة المسجد الحسيني بإطلاق النار على سيارة الملك، واستقرت إحدى الرصاصات في ظهر زيد الرفاعي الذي كان يحاول حماية الملك، وقامت مصادمات بين قوات الأمن وقوات المنظمات الفلسطينية ما بين فبراير ويونيو من عام 1970 قتل فيها حوالي ألف شخص.

بدأت قوات الأمن الأردنية وقوات الجيش تفقد سلطتها في مناطق الجيوب والمخيمات الفلسطينية، حيث بدأت قوات منظمة التحرير الفلسطينية بحمل السلاح بشكل علني وإقامة نقاط تفتيش وجمع الضرائب؛ وخلال مفاوضات نوفمبر عام 1968 تم التوصل إلى اتفاقية بسبعة بنود بين الملك حسين والمنظمات الفلسطينية.

لم تصمد الاتفاقية وأضحت منظمة التحرير الفلسطينية دولة ضمن الدولة في الأردن وأصبح رجال الأمن والجيش الحكومي يُهاجَمون ويُستهزَأ بهم -وفق ما ذكرت بعض الروايات- وما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية، وأصبحت أعمال العنف والخطف تتكرر بصورة مستمرة؛ كما ادعى زيد الرفاعي رئيس الديوان الملكي الأردني آنذاك أن الفدائيين قتلوا جندياً وقطعوا رأسه ولعبوا به كرة القدم في المنطقة التي كان يسكن فيها.

استمرت منظمة التحرير الفلسطينية بمهاجمة إسرائيل انطلاقاً من الأراضي الأردنية بدون تنسيق مع الجيش الأردني، حيث كانوا يطلقون الأعيرة النارية من أسلحتهم البدائية باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى رد عنيف من الجانب الإسرائيلي بالطائرات والصواريخ على المدن الأردنية.

في 6 سبتمبر 1970 خطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثلاث طائرات أجنبية كانت قد أقلعت من فرانكفورت بألمانيا وزيورخ بسويسرا وأمستردام بهولندا متجهة إلى نيويورك؛ حوّل الخاطفون اتجاه طائرتين منها إلى الأردن وأجبروهما على الهبوط في مطار بعيد في منطقة الأزرق الصحراوية شمال شرق الأردن، فيما حوّلت وجهة الطائرة الثالثة إلى القاهرة حيث عمد الخاطفون إلى تفجيرها.

بعد مرور ثلاثة أيام على الحادثة خُطفت طائرة مدنية أخرى، وطلب الفدائيون إطلاق سراح رفاق فلسطينيين لهم معتقلين في سجون أوروبية، وعندمت رُفض مطلبهم عمدوا في 12 سبتمبر وتحت أنظار وسائل الإعلام العالمية، إلى تفجير الطائرات الثلاث بعد إطلاق سراح ركابها، بعدئذٍ بيومين دعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى إقامة "سلطة وطنية" في الأردن.

على الجانب الأردني تقرر توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية، رغم أن الملك حسين كان يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة قد تحصر النشاط العسكري للفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة؛ وأعلن في سبتمبر عام 1970 تشكيل حكومة عسكرية برئاسة محمد داوود، وإقالة مشهور حديثة الجازي عن قيادة الجيش وتعيين المشير حابس المجالي قائداً للجيش وحاكماً عسكرياً عاماً، حيث وكّل إلى هذه الحكومة أمر تحرير الرهائن وتصفية وجود الفصائل الفلسطينية العسكري داخل المدن الأردنية.

خططت القوات الأردنية للضربة واطلقت عليها اسم "خطة جوهر" بحيث يتم الهجوم بشكل متزامن في كل من عمان والزرقاء واربد في الوقت نفسه وبخطة معدة سلفاً، وأرسل المشير حابس المجالي قائد الجيش الأردني إلى ياسر عرفات يطلبه للمفاوضات، حيث أرسل مجموعة من الضباط للتفاوض مع المنظمات، فرفض يار عرفات مقابلة المجالي وأرسل محمود عباس -الرئيس الفلسطيني الحالي- للتفاوض عن الطرف الفلسطيني، وكان الهدف من التفاوض إعطاء الجيش الأردني الوقت الكافي لنصب المدافع في مواقع حساسة وإتمام عملية الحشد بالإضافة إلى إعطاء صورة بعدم جدية الجيش الأردني بالقيام بأعمال عسكرية، حيث تبين فيما بعد أن تطمينات عربية كانت قد وصلت إلى عرفات تؤكد عدم جدية التحركات العسكرية الأردنية.

بدأ الجيش بتنفيذ خطة "جوهر"، فبدأت الدبابات والمجنزرات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، وبدأت المجنزرات والسكوتات باقتحام مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم سوف في عمان ومخيم الزرقاء واجتياح فرق المشاة لشوارع مدن الزرقاء وعمان وإربد لتنقيتها من المسلحين، حيث حدثت معارك ضارية وكان لشدة المقاومة في مخيم الوحدات السبب في دفع القوات الأردنية إلى زيادة وتيرة القصف والضغط العسكري الأمر الذي ضاعف الانتقادات العربية للأردن التي قابلها بالتجاهل.

وصل بعض الزعماء العرب يرأسهم جعفر نميري رئيس السودان إلى عمان في محاولة إلى وقف القتال وإنقاذ منظمة التحرير، إلا أن أحداً لم يأبه وبمحولاتهم،. وبدا أن الجيش الأردني بات يسيطر على الدولة ولم تعد القيادة السياسية تسيطر عليه؛ والقت الجيش القبض على معظم قيادات المنظمات، وخرج ياسر عرفات متنكراً مع وزير الدفاع الكويتي، وبالرغم من أن المخابرات الأردنية أوصلت معلومات على أن ياسر عرفات يحاول الفرار إلى خارج الأردن إلا أن القيادة السياسية في الأدرن طلبت تركة وشأنه.

عقد مؤتمر القاهرة برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر والذي اتفق فيه على مغادرة كل الفصائل الفلسطينية المدن الأردنية والتوجه إلى خارجها إلى الاحراش والغابات الشمالية وتسليم السلاح داخل المدن للجيش الأردني وخروج القيادات إلى خارج الأردن؛ وحُلَّت الحكومة العسكرية الأردنية وتم تعين وصفي التل رئيسًا للوزراء؛ لكن سرعان ما دب الصراع مجدداً بعد أن ضاق سكان القرى في مناطق جرش وعجلون ذرعاً بتجاوزات الفدائيين هناك، حيث اجتاحت قوات الجيش الأردني الأحراش وقضت على آخر معاقل منظمة التحرير الفلسطينية وباقي المنظمات وكسرت شوكتهم هناك إلى الأبد.

أحداث أيلول الأسود ياسر عرفات الملك حسين جمال عبد الناصر الأردن منظمة التحرير الفلسطينية