التشريعية الطفولية .. وعبودية السلطة
رفعت رشاد
لطالما سمعنا عن ترزية القوانين في عهود سابقة، كانت صحف المعارضة من أطلق هذا الوصف بعض محترفي التشريع وتفصيله حسب ما يريد الحاكم، ومن المفارقات أن يتولى رموز معارضون في السابق نفس موقع الترزية السابقين فيقوموا بدور أسوأ، عندما ارتكب ترزية التشريعات في عام 1995 الجرم الكبير وغيروا قانون سلطة الصحافة، كان هدفهم العصف بالحريات، هبت نقابة الصحفيين وهي نقابة الرأي وكل القوى المدافعة عن الحريات لتحمي حرية التعبير والنشر، رافضة القانون السيء .
استجاب الرئيس الأسبق حسني مبارك لهذه الهبة وانحنى أمام الرأي العام، وتم تعديل القانون في الدورة التالية لمجلس الشعب ليصبح القانون رقم 96 لسنة 1996 وهو القانون الساري حتى الآن .
أتذكر وصف الزعيم السوفييتي لينين سلوك الأحزاب الشيوعية الوليدة إبان الثورة الروسية بأنها تعاني أمراض الطفولة اليسارية، كانت أخطاء تلك الأحزاب تدل على عدم النضوج السياسي وعلى الصبيانية السياسية، ومناسبة هذا الحديث أن الصحف نشرت عن مشروع قانون باللجنة التشريعية بمجلس النواب لحماية ما أسموه بالرموز .
مشروع القانون يدل على طفولية مقدموه الذين يمسكون في أيديهم سلطة التشريع فيرهبون بها المواطنين وأصحاب الرأي، والمفترض أن النائب يتعامل مع التشريع برقي لا بأسلوب الانتقام وقانون العقوبات مكدس بالنصوص التي تعاقب حتى من يصيح في الشارع، باعتبار أن ذلك إبداء للرأي ونشر للمعتقدات، ومع ذلك جاء من يتبنى مشروعاً جديداً لتكميم الأفواه وليزيد من القيود حول الناس في زمن عز فيه القوت، أي أنه لا يوجد لدى من تقدم بالمشروع ومن وافق عليه أي نوع من التمييز السياسي ولا أفهم إن كان هؤلاء النواب نوابا حقيقيين أي تم انتخابهم بالفعل، فإذا كانوا كذلك فكيف يفكرون بمثل هذه الطريقة ؟ كيف لنائب أن يتطوع ويقدم للحكومة أو السلطة على طبق من ذهب مشروعا لكبت الحريات ؟ ما وصف هذا النائب الذي من المؤكد أنه لم يدخل البرلمان بأصوات ناخبين .
لقد تجرعنا من هؤلاء النواب وغيرهم مقولات عن الديمقراطية والحرية لا حد لها، ومع ذلك تغيرت مقولاتهم وتوجهاتهم بمجرد أن سيطروا على سلطة التشريع وهي الأخطر في أي مجتمع شتان الفارق بين ما أعلنوه وبدا وكأنهم صادقون وبين ما يمارسونه ويطبقونه، شتان الفارق بين ما يعتنقوه من أيديولوجيات وبين سيكولوجيتهم الداخلية التي تتعطش للبطش وكبت الحريات وفرض القيود فهم شكلياً ورسمياً مع الديمقراطية والحرية لكنهم نفسيا مع الأنا، مع السلطة بمعانيها في السيطرة والإجبار، مع حرية الرأي شكلا لكنهم في الحقيقة والواقع مع مصالحهم وأهدافهم التي يحققونها من خلال السلطة .
مازال رئيس اللجنة الموقر عضواص بارزاً في حزب ليبرالي وقد عمل بالمحاماة طوال حياته وبالتالي لمس عن قرب معنى وأثر ما تفعله الحكومات بالمواطنين والتضييق عليهم وزد على ذلك أنه كان ينادي دائما بالحرية والديمقراطية، ولكنه بمجرد أن تولى رئاسة اللجنة التشريعية تحول إلى كابت للحريات والمؤكد أنه يلعن أبو الديمقراطية التي تحد من شعوره وتلذذه بالسلطة فقد صار منفذا لأوامر السلطة التي هي الحكومة، بل ويغطي أحكامه ويبررها تاركاً قناعات قديمة جانباً متجاهلاً شخصيته السابقة حتى لكأنه يعيش شخصية أخرى، أو يعيش حالة فصام حتى ينتهي من فعله ومن دوره لينسب بعد ذلك لنفسه دفاعاً وتبريراً، عما كان يفعله للسلطة محاولا تبرئة نفسه لكن ذلك يكون بعد تورطه .
إن هؤلاء القابعين بمجلس النواب ما إن انتسبوا للسلطة حتى تقمصوا شخصيات جديدة ألبستهم إياها السلطة وأدخلت السلطة في روعهم أن ما يتمتعون به جاء حصيلة لشخصياتهم المتميزة وكفاءتهم العالية ، ولأن هؤلاء تواقون لنيل رضا السلطة فهم يتقدمون لها بأثمن وأغلى ما يملكه مواطن وهو الحرية وتشريع القوانين التي تحكم الحياة في بلد يتطلع للتقدم وهم في اعتقادهم بنيل رضا السلطة يجهلون الأثر الفادح لما يفعلون .