هل يصبح زواج الـ«بارت تايم» ظاهرة جديدة تدمر الأسرة ؟
- إسلام رضازواج الـ«بارت تايم»، -بعض الوقت-، أو المسمى بـ"زواج الفرند" أو "زواج المسيار"، عنوان جديد لظاهرة أخذت في الانتشار بالآونة الأخيرة في المجتمع المصري، والذي يعني "أن يلتقي الزوج والزوجة "لبعض الوقت" بخلاف المشهور والمعتاد بأن تكون الحياة الزوجية تقضي السكن الدائم بين الزوجين في مسكن الزوجية.
فكرة زواج الـ"بارت تايم"، تم الترويج لها في ظل انتشار معدلات الطلاق بالمجتمع المصري لتصل إلى نحو 3 ملايين مطلقة، و 13.5 مليون عانس – تجاوزت أعمارهم الـ 35 عامًا دون زواج - ، ولهذه الاسباب ارتضت بعض النساء أن تكون الزوجة الثانية مع تنازلها لزوجها عن حقها في السكن والإقامة مع زوجها بشكل دائم على أن يلتقيا على فترات.
ولاقت الفكرة رواجًا لكون نسبة كبيرة من الزوجات يرفضن الاستمرار في الحياة الزوجية حال تزوج الزوج من ثانية، ولذلك يضطر الزوج إلى هذا النوع من الزواج الذي يوافق الشرع في كافة شروطه وأحكامه بيد انه لا يرغب في إعلام زوجته الأولى، مع رغبة بعض الرجال في الإعفاف والحصول على المتعة الحلال مع ما يتوافق وظروفهم الخاصة، إلى جانب تهرّب بعض الرجال من مسؤوليات الزواج وتكاليفه ويتضح ذلك في كون نسبة كبيرة ممن يبحث عن هذا النوع من الزواج هم من الشباب صغار السن.
إجازة شرعية؟!!
وجاء قرار المجمع الفقهي، في عام 2007، ليجيز هذا النوع من الزواج إذا توافرت فيه أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع، مع كون ذلك خلاف الأولى، حيث أجاز المجمع للمرأة أن تتنازل عن السكن والنفقة والقسم أو بعض منها وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار، ويتناول ذلك أيضاً إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر حيث لا يتوفر سكن لهما ولا نفقة.
إجازة مجمع الفقه لهذا النوع من الزواج، جاء مستندًا إلى قاعدة "حق المرأة في التنازل عن حقوقها أو بعضها المقررة لها شرعًا"، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلا، وقد ورد في الصحيحين "أن سَودة وَهَبَتْ يومَها لعائشة رضي الله عنهما"، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا لَمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يَخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله.
تفنيد وعيوب
ومع كون هذا النوع من الزواج الـ"بارت تايم" أو "زواج الفرند" أو "زواج المسيار"، يستوفي شروط الزواج المكتوبة على الورق، إلا أنه كلياً يلغي كيان الأسرة في المجتمع ويتناقضان مع الحكمة من الزواج في الإسلام، وهو الأمر الذي يطيح بقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع "، ويفتح الباب أمام ظواهر جديدة تعصف بالأسرة المسلمة وتلغي فكرة الزواج بلباس الزوجين لبعضهما، وكيف يكون الرجل سكنًا لزوجته وهو لا يقيم معها وكيف يحميها وهو يتردد عليها بين الحين والآخر وهو ما يشبه راغب المتعة بثوب الشرع، بل إنه حتى لا يتحمل تكاليف النفقة في بعض الأحيان ما يخرج معه مفهوم القوامة عن التطبيق الفعلي.
الزواج بهذه الصورة الـ"بارت تايم"، قد يتحول إلى سوق للمتعة وينتقل فيه الرجل من امرأة إلى أخرى، وكذلك المرأة تنتقل من رجل لآخر، بإطار مشرعن يعصف بالفكرة الأساسية للزواج وهي بناء الأسرة المسلمة والاستقرار والمودة بين الزوجين على سبيل الأبدية وليس بتحديد وقت معين.
تجارب ناجحة
لم نستطع التوصل إلى نساء تحكي لنا تجاربها السلبية مع هذا النوع من الزواج، بينما استطعنا التواصل مع عدد من المتزوجات بهذا النظام ولاقت تجاربهن نجاحًا، حيث تقول عبير الأنصاري، رئيس جمعية للمطلقين والمطلقات، وإحدى المتزوجات بنظام الـ"بارت تايم":" فكرة زواجي بهذه الطريقة فرضتها ظروف عمل زوجي الذي يعيش في السعودية، وبالتالي يعيش كل منا في مكان منفصل عن الأخ".
وأضافت الأنصاري، في تصريح خاص لـ"الميدان"،:" أعلم أن فكرة الزواج الأساسية أن يعيش الزوجين في منزل واحد ولكن هناك ظروف قد تجبرهما على الانفصال عن بعضهما، ومن ذلك أن تكون المرأة عاملة في وظائف مختلفة ويكون بقاء الزوج معها طيلة الـ 24 ساعة أمر يزيد من الأعباء البدنية عليها في الأعمال المنزلية ونحوها ويكون هذا النوع من الزواج - بارت تايم-، الأنسب لها".
وتابعت رئيس جمعية للمطلقين والمطلقات،:" الأفكار التقليدية بالمجتمع أصبحت تتغير الآن نتيجة الانفتاح والاندماج بأوضاع ومتغيرات جديدة، وأنا كزوجة بهذا النظام أحصل على كافة حقوقي كما أن زوجي مسؤول عن الإنفاق علي".
إحدى المتزوجات بهذا النوع من الزواج الـ"بارت تايم"، قالت في تصريح لها،:" هذا الزواج على الرغم من كثرة التنازلات التي تقدمها المرأة في سبيل أن تتزوج من إنسان ترضاه إلا أنه بالتأكيد يوفر لها بعض الاطمئنان والرضا والحرية الشخصية والأمل في مستقبل متجدد وذرية صالحة. ولذلك أنا لا أعترض على هذا الزواج وأطالب بنشر التوعية للمجتمع بشأنه كي يفهم الناس معناه وأسبابه وظروفه وفوائده وأضراره".
وتقول أخرى،:" أنا لا أحلم بأكثر من ذلك، وأشكر ربي على كل النعم التي أنعم بها علي"، وتضيف ثالثة،:"تزوجت بهذه الطريقة ، وبصراحة أقول إنني قد استطعت تحقيق النجاح في التجربة ووصلت إلى الاستقرار النفسي ، وأعتقد أن إمكانية تطبيقها في المجتمع ممكنة مع توافر الوعي والنضوج التام بين الطرفين ، كما أنها تحمي المرأة فعلا عندما تكون في ظروف معينة مثل ( العانس والأرملة والمطلقة أو التي تعجز عن إيجاد الزوج المناسب ) من الوقوع في الحرام أو العيش دون زواج ، وتؤكد رابعة،:"عايشت تجربة زواج المسيار لفترة وجيزة وأقول إنها تجربة تحتمل نسبة 90 في المائة من النجاح بشرط اتفاق الطرفين والانسجام بينهما".
تحليل قانوني
الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمحامي الحقوقي، أكد أن فكرة هذا النوع من الزواج قديمة وقائمة منذ زمن طويل بدون المسمى الحديث الـ -بارت تايم-، حيث يقصد بها "الزواج الشرعي مكتمل الأركان من علانية و إشهار، و ألا يكون محدد المدة «زواج على التأبيد»، و مهر وكل الحقوق الشرعية، بيد أنه في بعض الحالات قد لا تسمح ظروف الزوج أو الزوجة أو الاثنين معًا بتوافر منزل للزوجية يقيمان فيه معًا إقامة دائمة، أو أن يكون الزوج يعمل في مكان بعيد وطبيعة عمله تجعله يعود للبيت أوقات قليلة.
وأضاف مهران، في تصريح خاص لـ"الميدان"،:" الطروف التي تجبر الزوجين على هذا النوع من الزواج قد تكون بسبب ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة في المجتمع المصري ما يضطر معه النساء إلى قبول هذا النوع من الزواج لأجل العفة وصون نفسها عن الوقوع في المحرمات ومن تبحث عن عائل لأبنائها من طليقها، فيقبلن هذا النوع من الزواج بان يتردد عليها زوجها لبعض الوقت - بارت تايم -، ويعتبر تنازل الزوجة عن حقها في المبيت شرط عقد الزواج وهو شرط صحيح ويجوز الاتفاق عليه ولا يؤثر علي صحة الزواج ولا يمنع من وجود أطفال من هذه الزيجة مستقبلا أو يكون من شأنه أن يضيع حقوق المرأة أو الأبناء وهذا لا ينفي القوامة ولا المسئوليات الزوجية المتبادلة".