لدى المصريين تركة موروثة من الانطباعات الخاطئة، التي حان الوقت لتغييرها .. فرجال الأعمال دائما فاسدين، والمدير فى العمل إذا وقع بينه وبين المرؤوسين مشكلة فالمدير هو الظالم .. وأصحاب المناصب والنفوذ دائما ناس مفترية .. وصاحب السيارة إذا صدم مواطن يسير على قدميه فدائمًا صاحب السيارة هو المخطئ، لا يفكر أحد بضمير أو بمنطق من الظالم ومين المظلوم.
تذكرت هذه التركة الموروثة أثناء متابعة قضية المذيعة بسمة وهبي، مع صاحب عربة الفول، الذى يقف فى الشارع الذى تقيم فيه المذيعة في الحى الراقي .. فى البداية مثلي مثل الكثير من المصريين تعاطفت مع صاحب العربة باعتباره رجل يبحث عن لقمة العيش، وقد تكون المذيعة غاضبة من وجود العربة خاصة وأن البعض يعتبر وجود عربية الشارع يسئ للمنطقة، ولكن مع الوقت اكتشفت أن هناك أشخاص لا يراعون الله فى لقمة عيشهم، ولا يحافظون عليها.
أفصحت بسمة وهبى عن حقيقة خلافها مع صاحب عربة الفول، وأن بنتها تتعرض كل صباح أثناء انتظارها أتوبيس المدرسة للتحرش من أشخاص يقفون أمام العربة، وأنها طلبت من صاحب العربية أن ينتقل بعيدًا قليلا من أمام منزلها، وقالت بسمة إن صاحب العربية يقف منذ سنوات فى المنطقة، ولم يكن لديها مشكلة فى وقوفه، ولكن بعد أن تعرضت ابنتها للتحرش اللفظي كان عليها أن تتخذ موقف تجاه صاحب عربة الفول.
وبعد أن سمعت من المذيعة الحقيقة، تحول تعاطفي بدرجة 180 درجة تجاه القضية، فمن يرضى أو يقبل أن تتعرض ابنته للتحرش ويصمت .. وسألت نفسى من المذنب : الذى لم يحافظ على لقمة العيش أم من يدافع ويحمى ابنته من التحرش .. وهل المطلوب من المذيعة أن تخاف من الهجوم عليها من رواد الفيس بوك وتترك ابنتها تتعرض للتحرش يوميًا.
لم ترتكب بسمة وهبي جرم عظيم حينما طلبت من صاحب العربة أن يبتعد قليلاً عن المنطقة التى يقف فيها.. وكان بإمكانها ونفوذها أو نفوذ زوجها النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الانسان بمجلس النواب، أن تتخذ الإجراءات القانونية ضده خاصة، وأن صاحب عربة الفول لا يمتلك رخصة قانونية تعطيه الحق فى الوقوف فى المنطقة بل اكتفت فقط بالتعامل الودي.
أعتقد أنه حان الوقت لوقف الهجوم على المذيعة، خاصة وأنها ليست لديها مشاكل شخصية مع صاحب عربة الفول، وليس لديها أطماع فى فتح محل فول أو عربيه ترى أن وجود هذا الرجل يؤثر عليها أو ينافسها.
وأخيرًا اكتشفت مع الوقت أن جملة "سيبه يأكل عيش" ترتكب تحت غطائها جرائم كثيرة فى حق الآخرين.