شيء ما في بُقى
عبد الرشيد مطاوع
قلبي مع هذا المواطن ، كل يوم يستيقظ على كابوس ولا مفر من الصراخ :"يا ساتر .. خير اللهم اجعله خير" يعقب الصراخ رعشة بقوة 6 ركبة تسيطر علي مفاصل جنابه تحسبا من تحقيق ما رأه من ظلام يضرب محيط حياته . .
فى مصر، يستحق المواطن جائزة الأوسكار في تحمل الكوابيس، يعيش التوتر علي طول الخط ، كل ثانية يولد معها قلق جديد، وكل دقيقة ينفجر أمامه لغم من متطلبات الحياة وكل ساعة يعيش همْ الأعباء اليومية ، وكل يوم يبكي على اللبن المسكوب وحياة الزمن الفائت والرخيص والخالي من السكتات الدماغية وغلاء الأسعار .وما الذي يطلبه المواطن إذاً ؟ المواطن في بلدي أحلامه متواضعة، يحلم بنظرة حكومية تنتشله من دواماته اليومية ، يأمل في حد أدنى من الحياة، لا يحتاج إلي ترفيه، يرضى بعيشة المناطق الشعبية المهمشة وركوب التو توك ، ولا يرمى بنظره ناحية السيارات الفارهة و الكمبوندات وعيشة أولاد الذوات ، يحتاج فقط إلي وقفة حكومية أمام احتياجاته " أكل في المتناول، كساء متاح، سكن بدون ابتزاز وشوي إيجارات، دواء محلي ومتوافر بسعر ملائم يتماشى مع مرتب الجنيهات والشلينات والفكات .
المواطن في بلدي قنوع بطبعه، حَمْال آسية، في ظل أزماته ونكباته وموجات جوعه يعيد الصراخ "بحبك يا وطن ".. لكن هل الوطن يشعر به .. هل يتألم لجراحه .. لأنينه ؟،أظن أنه يشعر ويتألم ويتوجع ويبكي ويزرف بالدموع الساخنة ، لكن الذي أقطع به أن العكس للحكومة المصونة التي فقدت الإحساس بالمواطن الذي قرر أن يدخل حارة الستر بعد أن نفذ رصيد صبره من استمرار مطاردته بالغلاء و التجاهل لبحث أوضاعه ومتطلباته واحتياجاته مع غض البصر عن إعادة النظر في بند الأجور والمرتبات التي تحولت بلا قيمة لقطاع كبير في هذا الوطن في ظل متغيرات اقتصادية غير مدروسة يقابلها مؤشر صاعد للفقر والجوع.
لست ضد هذا المدعو بالإصلاح الاقتصادي ولا أعترض علي ما تم من إجراءات خاصة بتعويم الحنيه المصري ولا أصوت بالرفض عما تتبناه الحكومة من حزمة أحلام ومشاريع قومية كبرى تكلفت مليارات الجنيهات لكن ربما أندهش لماذا الإصرار على استمرار الضغط على المواطن محدود الدخل ولماذا هو فقط وليس غير من يتحمل فواتير الإصلاح وتبعاته من غلاء وفواتير أسعار إضافية، ولماذا هو أيضا من يُطالب بالتضحية لضبط بوصلة الموازنة التي عجزت الحكومة عن ضبط إيقاعها لأكثر من ثماني سنوات متتالية، الأغرب أنه هو أيضا من يُعاير بالدعم مع كل أذان يرفع وعقب كل ركعة تصليها الحكومة في زاويتها الخاصة بمجلس الوزراء بشارع قصر العيني .
.
النفخ في بالونة غضب المواطن مسألة أعتقد أنها من الأمور الخطرة والأقرب إلى اللعب بالنار، ذهبت حكومة محلب.. ورحلت حكومة شريف ..وجاءت حكومة مدبولي .. وهل تغير شيء؟ لا شيء تغير مع الاستمرار في سياسات الاستفزاز وضغطها واستهتارها بالمواطن، أحدث استفزازها إعلانها أنها تدرس إنتاج رغيف خبر بـ 25 قرشا لغير حاملي البطاقة التموينية في إشارة غير مباشرة للاستعداد لفكرة رفع الدعم عن رغيف العيش، مع التلويح بتحريك أسعار الدواء من جديد دون ادنى اعتبار لأوضاع العباد وطقس النفوس المشحونة والمكتومة .إن شقاء المواطن تضاعف في السنوات العشر الأخيرة ، فيما زاد الشقاء شقاءً عقب سياسة تحرير سعر سوق الصرف وتعويم الجنيه .
أسوأ لحظات المواطن، كانت لحظة هذا التعويم لا نتحدث بلغة الاقتصاديين والخبراء ولسان محافظ البنك المركز طارق عامر الذين صفقوا وهللوا للتعويم لكن نتحدث بلغة مواطن الشارع الذي ذاب في دوامات الأزمات فور هذا التعويم وصار حاله يغنى عن سؤاله.